أولاً:
اتفق الفقهاء رحمهم الله على أن الحسنات تضاعف في حرم مكة.
انظر: "حاشية ابن عابدين" (2/627)، "شرح الزرقاني" (3/105)، "المجموع" (7/469)، "كشاف القناع" (2/517)، "أحكام الحرم المكي"-ماجستير-د. سامي الصقير(ص:40).
ويظهر من كلام السائل أنه يريد صلاة الاستخارة، والمسجد الحرام تشرع فيه جميع الصلوات صلاة الاستخارة وغيرها. انظر: فتوى رقم: (11981)، (112151).
ثانياً:
اتفق الفقهاء على مضاعفة الفريضة في المسجد الحرام.
"حاشية ابن عابدين" (1/659)، (2/525)، "حاشية العدوي" (2/378)، "إعلام الساجد"، ص124، "الفروع" (1/600).
واتفقوا على أن ما تشرع له الجماعة في المسجد كصلاة العيدين، والكسوف، والاستسقاء وقيام رمضان فإنه يضاعف.
واتفقوا على أن ما شرع فعله في المسجد كركعتي الطواف وتحية المسجد فإنه يضاعف.
انظر: "حاشية ابن عابدين" (2/184،182)، "الفواكه الدواني"(2/365)، "هداية السالك"(3/1141)، "إعلام الساجد" (124-125)، "أحكام الحرم المكي" (ص:168).
واختلفوا فيما عدا ذلك من النوافل كالسنن الراتبة، وصلاة الاستخارة، والنوافل المطلقة وغيرها، هل تضاعف في المسجد الحرام أو لا ؟ على قولين:
القول الأول: أنها تضاعف، وهو مذهب الشافعية، والحنابلة، وقول للحنفية والمالكية.
القول الثاني: أنها لا تضاعف. وهو مذهب الحنفية والمالكية، وقول للشافعية.
انظر: "أحكام الحرم المكي" (ص: 168).
والراجح -والله أعلم- القول الأول (القائل بالمضاعفة) لقول النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ، إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ رواه البخاري (1190)، ورواه مسلم (1395). قوله "صلاة" نكرة، فيعم الفرض والنفل.
قال النووي في "شرحه على مسلم" (9/164): "واعلم أن مذهبنا أنه لا يختص هذا التفضيل بالصلاة في هذين المسجدين بالفريضة بل يعم الفرض والنفل جميعاً. وبه قال مطرف من أصحاب مالك.
وقال الطحاوي: يختص بالفرض. وهذا مخالف إطلاق هذه الأحاديث الصحيحة والله أعلم" انتهى.
ثالثاً:
لا حرج أن يقصد المسجد الحرام لصلاة الاستخارة، بشرط ألا يعتقد أن الاستخارة لا تنفع إلا في المسجد الحرام. فإن اعتقد ذلك فقد وقع في البدعة.
سئل الشيخ عبد الرحمن البراك: بعض الناس إذا أراد أن يستخير في شيء مهم يقول: إن لي سَفْرة قريبة للعمرة، فسوف أستخير في المسجد الحرام فهل فعلهم صحيح؟
فأجاب: "لا بأس. فالدعاء في تلك المواضع أرجى للإجابة، ما دام أنه يرى فضل صلاةٍ وفضل الدعاء في تلك المواضع فلا حرج عليه.
أما إن كان يعتقد أن الاستخارة لا تنفع إلا هناك فهذا غلط" انتهى.
رابعاً:
الاستخارة صلاة ودعاء، فينبغي أن يكون الدعاء بين العبد وربه، فلا ينبغي للإنسان كلما أراد أن يستخير أعلن للناس أنه سيستخير، أو أنه سيذهب للحرم ليستخير.
فالسبب في استنان الناس به: هو أنه يعلن هذا، أو يفهم الناس من حاله: أن قصد المسجد الحرام للاستخارة، سنة مخصوصة، وأنه "يسن" أن يقصد المسجد الحرام، أو غيره، لأجل الاستخارة. وهذا غلط من وجهين: أن يظهر هو للناس، أو يفهمهم أن هذا سنة مخصوصة. أو التعالن به، حتى يتبع عليه، أو يقتدي به الناس به ظانين أن الاستخارة لا تكون كاملة أو لا تنفع إلا في المسجد الحرام، فيكون قد وقعوا حينئذ في البدعة؛ لأن البدعة: هي التعبد والتقرب إلى الله بما لا يشرع، وهذا أيضاً من التكلف والتنطع في دين الله، ولن يشادّ الدين أحد إلا غلبه. وقد يتكلف الإنسان ويستدين وهو معسر من أجل هذا.
فحينئذ يُخشى عليه أن يتحمل أوزار من اقتدوا به واعتقدوا ما ذُكر.
ومن كان قدوة لغيره فليحذر حذراً شديداً أن يتبعه الناس على خطأ لا سيما فيما يُتقرب به إلى الله تعالى، قال الشاطبي رحمه الله "الاعتصام" (2/553): "أَنَّ كُلَّ مَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْئًا ...
وإظهار البدعة الصغيرة، في المجتمعات، ممن يُقتدى به، أو ممن يحسن به الظن: فذلك من أضر الأشياء على سنة الإسلام، فإنها لا تعدو أمرين: إما أن يقتدى بصاحبها فيها، فإن العوام أتباع كل ناعق، لا سيما البدع التي وكل الشيطان بتحسينها للناس، والتي للنفوس في تحسينها هوى، وإذا اقتدي بصاحب البدعة الصغيرة كبرت بالنسبة إليه، لأن كل من دعا إلى ضلالة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها، فعلى حسب كثرة الأتباع يعظم عليه الوزر.
وهذا بعينه موجود في صغائر المعاصي، فإن العالم مثلا إذا أظهر المعصية ـ وإن صغرت ـ سهل على الناس ارتكابها، فإن الجاهل يقول: لو كان هذا الفعل كما قال من أنه ذنب، لم يرتكبه، وإنما ارتكبه لأمر علمه دوننا.
فكذلك البدعة؛ إذا أظهرها العالم المقتدى فيها، لا محالة، فإنها في مظنة التقرب في ظن الجاهل، لأن العالم يفعلها على ذلك الوجه، بل البدعة أشد في هذا المعنى، إذ الذنب قد لا يتبع عليه، بخلاف البدعة" انتهى.
والكلام إنما هو في مشروعية الاستخارة في المسجد الحرام، أو قصده لأجل الاستخارة. وإلا؛ فالأمة قد تتابعت من الصحابة ومن بعدهم: لم ينقل عن أحد يقتدى به في العلم والدين، فيما نعلم: أنه تكلف الذهاب أو السفر إلى المسجد الحرام من أجل الاستخارة.
وينظر: فتوى: (124812).
والله أعلم.