310

الذكر بـ ( سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ ... )، هل يشترط الاتيان به ثلاث مرات؟

السؤال: 550979

روى مسلم (2726) عَنْ جُوَيْرِيَةَ رضي الله عنها: " أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا بُكْرَةً حِينَ صَلَّى الصُّبْحَ، وَهِيَ فِي مَسْجِدِهَا، ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَ أَنْ أَضْحَى وَهِيَ جَالِسَةٌ فَقَالَ: (مَا زِلْتِ عَلَى الْحَالِ الَّتِي فَارَقْتُكِ عَلَيْهَا؟) قَالَتْ: نَعَمْ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (لَقَدْ قُلْتُ بَعْدَكِ أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، لَوْ وُزِنَتْ بِمَا قُلْتِ مُنْذُ الْيَوْمِ لَوَزَنَتْهُنَّ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، ‌عَدَدَ ‌خَلْقِهِ، وَرِضَا نَفْسِهِ، وَزِنَةَ عَرْشِهِ، وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ).
في الحديث قال النبي صلى الله عليه وسلم (قُلْتُ بَعْدَكِ أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ) .
هل يعني لو قلت الذكر مرة واحدة لن يرجح أو يزن نفس الثواب؛ لأن الذكر سبحان الله وبحمده عدد خلقه، فهذا عدد لا نهائي تقريباً، ولا يمكن للإنسان طوال عمره يسبح الله تعالى بهذا العدد فكيف بعدة ساعات؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

روى الإمام مسلم (2726) عَنْ جُوَيْرِيَةَ رضي الله عنها: ( أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا بُكْرَةً حِينَ صَلَّى الصُّبْحَ، وَهِيَ فِي مَسْجِدِهَا، ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَ أَنْ أَضْحَى وَهِيَ جَالِسَةٌ فَقَالَ: مَا زِلْتِ عَلَى الْحَالِ الَّتِي فَارَقْتُكِ عَلَيْهَا؟ قَالَتْ: نَعَمْ.

قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: لَقَدْ قُلْتُ بَعْدَكِ أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، لَوْ وُزِنَتْ بِمَا قُلْتِ مُنْذُ الْيَوْمِ لَوَزَنَتْهُنَّ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، عَدَدَ خَلْقِهِ، وَرِضَا نَفْسِهِ، وَزِنَةَ عَرْشِهِ، وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ.

قال القرطبي رحمه الله تعالى:

" وإنما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم هذه الأمور على جهة الإغياء والكثرة التي لا تنحصر، منبها على أن الذاكر بهذه الكلمات ينبغي له أن يكون بحيث لو تمكن من تسبيح الله وتحميده وتعظيمه عددا لا يتناهى ولا ينحصر: لفعل ذلك، فحصل له من الثواب ما لا يدخل في حساب " انتهى. "المفهم" (7 / 53).

وهذه الكثرة التي لا تنحصر، الزائدة على مجرد قول سبحان الله، هل ثوابها وفضلها يدرك بمجرد الاتيان بهذا الذكر مرة واحدة؛ لأن المتبادر إلى الذهن أن هذه الكثرة غير المتناهية متحققة بذكر هذه الألفاظ مرة واحدة؟ أم لا بد من تكرارها ثلاث مرات كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم؟

ينبغي التنبه بداية إلى أن ما جاء في هذا الذكر من الأعداد الكثيرة، لا يعني أن الذاكر به قد ذكر الله حقيقة بهذه الأعداد الكثيرة، وإنما فيه شدة التعظيم لله تعالى باعتقاد أنه يستحق من التسبيح ما لا يحصر عدده.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

" وقول النبي صلى الله عليه وسلم لأم المؤمنين جويرية: ( لَقَدْ قُلْتُ بَعْدَكِ أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ ، لَوْ وُزِنَتْ بِمَا قُلْتِه مُنْذُ الْيَوْمِ لَوَزَنَتْهُنَّ: سُبْحَانَ اللهِ عَدَدَ خَلْقِهِ، سُبْحَانَ اللهِ زِنَةَ عَرْشِهِ، سُبْحَانَ اللهِ رِضَا نَفْسِهِ، سُبْحَانَ اللهِ مِدَادَ كَلِمَاتِهِ )، أخرجه مسلم في صحيحه.

فمعناه: أنه سبحانه يستحق التسبيح بعدد ذلك ... ليس المراد أنه سَبَّح تسبيحًا بقدر ذلك.

فالمقدار: تارة يكون وصفا لفعل العبد، وفعله محصور، وتارة يكون لما يستحقه الرب، فذاك الذي يعظم قدره.

وإلا؛ فلو قال المصلي في صلاته: سبحان الله عدد خلقه، لم يكن قد سبح إلا مرة واحدة.

ولما شرع النبي صلى الله عليه وسلم أن يسبح دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين، ويحمد ثلاثا وثلاثين، ويكبر ثلاثا وثلاثين، فلو قال: سبحان الله والحمد لله والله أكبر عدد خلقه= لم يكن قد سبح إلا مرة واحدة " انتهى. "مجموع الفتاوى" (33 / 12).

وقال ابن القيم رحمه الله تعالى:

" فإن قول المسبّح: "سبحان الله وبحمده عدد خلقه " تضمّن إنشاء وإخبارا:

تضمّن إخبارا عمّا يستحقّه الربّ من التسبيح عددَ كلِّ مخلوق كان، وهو كائن، إلى ما لا نهاية له، فتضمّن الإخبار عن تنزيهه وتعظيمه والثناء عليه هذا العدد العظيم، الذي لا يبلغه العادّون، ولا يحصيه المحصون.

وتضمّن إنشاء العبد لتسبيح هذا شأنه، لا أنّ ما أتى به العبد من التسبيح هذا قدره وعدده، بل أخبر أن ما يستحقه الربّ سبحانه وتعالى من التسبيح، هو: تسبيح يبلغ هذا العدد، الذي لو كان في العدد ما يزيد لذكره، فإنّ تجدّد المخلوقات لا ينتهي عداده، ولا يحصى لحاصر " انتهى. "المنار المنيف" (ص17).

وعلى ذلك يقال:

إن الصواب؛ أن من أراد أن يدرك فضل هذا الذكر، فعليه أن يأتي به ملتزما بالهيئة والعدد الذي أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإن الفضائل لا تدرك بالقياس ولا بالنظر.

وقد قال الله تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا  الأحزاب (21).

قال ابن كثير رحمه الله تعالى:

" هذه الآية الكريمة أصل كبير في التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله وأحواله...

( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ) أي: هلا اقتديتم به وتأسيتم بشمائله؟ ولهذا قال: ( لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرً ) " انتهى. "تفسير ابن كثير" (6 / 391).

والله أعلم.

المراجع

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android