أولاً:
لقد أحسنت في اهتمامك ببر جدتك وعدم نسيانك لها.. نشكر لك حرصك على برها وعلى إيصال الخير لها، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يكتب لك الأجر والتوفيق ، وأن يجمعك بها في الجنة.
ثانياً:
الأسهم الوقفية أو وقف الأسهم: هو أن يُوقِف متبرع أسهماً يملكها، في شركة نقية مباحة، بتحبيس أصل الأسهم، وتسبيل أرباحها.
انظر: "المغني" (8/148)، "الموسوعة الفقهية في الوقف" (2/473)، "نوازل الوقف لسلطان الناصر" (ص/426).
وحكم ذلك: صحة وقف المشاع مطلقاً، وذلك لأنه لم يظهر مستند صحيح للمنع من وقفه، وفي تصحيح وقفه موافقة لمقصد الشريعة الإسلامية في تكثير الصدقة وتيسير سبله.
وبناء على ذلك؛ فإن وقف الأسهم المباحة صحيح، وقد ذهب إلى هذا عامة العلماء المعاصرين، وصدر قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي 1 - 174 (ص: 260): "يجوز وقف النقود للقرض الحسن، وللاستثمار إما بطريق مباشر، أو بمشاركة عدد من الواقفين في صندوق واحد، أو عن طريق إصدار أسهم نقدية وقفية تشجيعاً على الوقف، وتحقيقاً للمشاركة الجماعية فيه" انتهى.
وانظر: "وقف الأسهم في الشركات المساهمة" (ص: 165-166).
ثالثا:
لا خلاف بين أهل العلم جميعاً على وصول ثواب الصدقة للأموات، إذا أهدى المتصدق الثواب إليهم.
في فتاوى النووي رحمه الله (ص: 83):
" هل يَصلُ إِلى الميت ثوابُ ما يُتصدق به عنه، أو الدعاء، أو قراءةُ القرآن؟.
الجواب: يصله ثوابُ الدعاء، وثوابُ الصدقة، بالِإجماعْ" انتهى.
أما سائر العبادات المندوبة كالصوم والحج والعمرة وقراءة القرآن والأذكار والإحسان إلى الناس، ونحوها من أعمال البر، فقد اختلف العلماء في وصول ثوابها إلى الأموات .
قال ابن القيم في كتاب "الروح" (ص/170):
"فمذهب الإمام أحمد وجمهور السلف: وصولها. وهو قول بعض أصحاب أبي حنيفة .
نص على هذا الإمام أحمد - في رواية محمد بن يحيى الكحال - قال: قيل لأبي عبد الله: الرجل يعمل الشيء من الخير، من صلاة أو صدقة أو غير ذلك، فيجعل نصفه لأبيه أو لأمه؟ قال: أرجو. أو قال: الميت يصل إليه كل شيء؛ من صدقة أو غيرها .
وقال أيضا : اقرأ آية الكرسي ثلاث مرات ، وقل هو الله أحد ، وقل : اللهم إنَّ فضلَه لأهل المقابر .
والمشهور من مذهب الشافعي ومالك أن ذلك لا يصل " انتهى .
انظر: فتوى رقم: (103966)، (459033).
ورأى أصحاب القول الأول (الحنفية والحنابلة) أن إهداء الثواب أوسع من النيابة.
وانظر: "حاشية ابن عابدين" (2/243)، "مواهب الجليل" (3/518)، "مغني المحتاج" (3/ 69)، "كشاف القناع" (2/147)، "حكم إهداء ثواب الحسنات للأموات" - د. صالح سندي.
والراجح هو القول الأول، ولتحرير المسألة عند أصحاب القول الأول:
يقول الشيخ صالح آل الشيخ: "إهداء الثواب، غير ابتداء العبادة، فهما صورتان:
1- الصورة الأولى: ابتداء العبادة:
ابتداء العبادة هذا عبادة، فيحتاج إلى دليل يدلُّ على أنَّ المرء ينوب عن غيره، عن حيٍ أو ميت، في العبادة، فيبتدئ العبادة عن فلان، وهذا لابد فيه من التوقيف، لأنَّ الأصل عدمه. وجاء الإذن في العبادات المالية، فينبغي أن يكون أن يُقْتَصَرْ عليها، بل يجب أن يُقْتَصَرْ عليه كما جاء في الأدلة؛ لأنها ابتداء عبادة، وابتداء العبادة هذا لابد فيه من دليل؛ لأنَّ الأصل أنَّ أحداً لا يعمل عن أحد، لا ينوب أحد عن أحد، وكل إنسان يعمل.
لهذا الصحابة سألوا؛ لأنَّ الأصل متقرر عندهم، سألوا: أأحج؟ أتصدق عنها؟
وهذا يدل على أنَّ الأصل المستقر هو ألا ينوب أحد عن أحد في ذلك.
هذه صورة، وهو أن يبتدئ العبادة، يحج لبيك حجا عن فلان عن فلانة، هذا ابتدأ العبادة عن فلان أو فلانة، أو: اللهم إنَّ هذه الصدقة عن فلان أو عن والدي أو عن والدتي فلانة، فهذا ابتدأ العبادة، فهذه جاءت الأدلة بجوازه.
لكن ابتداء الصلاة يقول: اللهم إنَّ هذه الصلاة عن والدي أو عن والدتي، اللهم إنَّ هذا الصيام عن والدي أو عن والدتي، فهذا لم يأتِ به دليل، لأنه ابتداءُ به عبادة، وهذا يدل عليه أثر ابن عباس قال (لا يصلي أحد عن أحد، ولا يصوم أحد عن أحد؛ إلا من مات وعليه صيام، صام عنه وليّه) [أخرجه النسائي في "الكبرى" (2930)].
فدلَّ على أنَّ الأصل عدم النيابة في هذه العبادات؛ بمعنى: ألا يبتدئها؛ فيجعل العبادة من أولها مَعْمُولَةً لفلان أو فلانة.
2- الصورة الثانية: أن يبتدئ العبادة لنفسه، ثم إذا فرغ من العبادة أهدى ثوابها:
وهي مختلفة عن الصورة الأولى ... أن يعمل العمل لنفسه، يصلي لنفسه، يقرأ القرآن لنفسه، يعتمر لنفسه، يصوم عن نفسه، وهكذا في أي عمل، يذكر الله - عز وجل - عن نفسه، ثم إذا فرغ من العبادة، قال: اللهم اجعل ثواب قراءتي هذه لوالدي لوالدتي، لمن له حق علي، لفلان إلى آخره.
فهذا ليس الأصل المنع؛ لأنَّ العبادة وقعت صحيحة، وهو يقول: إنَّ الأجر إنْ تقبله الله، وثَبَتَ الأجر، فإنَّ هذا الثواب إذا استقر لي فإنه مهدىً إلى غيري؛ يعني دعا الله - عز وجل - أن يتقبل منه وأن يجعل فلاناً أو فلانة شريكين في الثواب.
وهذا التفريق لا رَدَّ له، لا من جهة السنة ولا من جهة كلام السلف الصالح، فإنهم إنما نَهَوا عن الابتداء، ولم ينهوا، أو ينهَ الأئمة ... عن إهداء الثواب للميت.
وهذا يقتضي أنَّ التفريق ما بين الابتداء وإهداء الثواب مُتَعَيِّنْ في هذه المسألة، وأنَّ إهداء الثواب بعد الفراغ من العبادة: ليس تعبداً، وإنما هو محض تفضّل وإحسان.
ولهذا أئمة السنة المتحققون بالسنة، ورد البدعة: ذهبوا إلى جواز إهداء الثواب كالإمام أحمد وابن تيمية وابن القيم، وطائفة من أئمة الدعوة كالشيخ محمد بن عبد الوهاب وجماعة.
ومن نهى من أئمة الدعوة: فإنه لم يلحظ هذا التفريق في كلام الأئمة، لأنهم رعوا إهداء الثواب، ولم يرعوا النيابة في أصل العبادة.
فقالوا: وأي قربة فَعَلَهَا المسلم وأهدى ثوابها، فالقربة فُعِلَتْ وانتهت، وأهدى ثوابها لمسلم، حي أو ميت؛ فالأجر يتصرف فيه من حازه، على ما يرغب، فإذا أَعْطَى بعض أجره غيره، فإنَّ هذا له، ولا أصل يدلُّ على المنع من ذلك". انتهى من "شرح الطحاوية لصالح آل الشيخ" (ص: 587).
الحاصل:
كونك تهدي ثواب الأسهم الوقفية لجدتك فهذا مشروع، والصدقة عن الميتة تنفعها ويصل ثوابها إليها بإجماع المسلمين، فيتفرع عنها جواز إهداء ثواب الصدقة.
روى مسلم (1630) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "إِنَّ أَبِي مَاتَ وَتَرَكَ مَالا وَلَمْ يُوصِ ، فَهَلْ يُكَفِّرُ عَنْهُ أَنْ أَتَصَدَّقَ عَنْهُ ؟ قَالَ : (نَعَمْ).
وروى مسلم أيضاً (1004) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أَنَّ رَجُلا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ أُمِّيَ افْتُلِتَتْ نَفْسُهَا ( أي : ماتت فجأة ) ، وَإِنِّي أَظُنُّهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ تَصَدَّقَتْ ، فَلِي أَجْرٌ أَنْ أَتَصَدَّقَ عَنْهَا ؟ قَالَ : (نَعَمْ).
قال النووي رحمه الله في"شرح مسلم" (11/84) : "وَفِي هَذَا الْحَدِيث جَوَاز الصَّدَقَة عَنْ الْمَيِّت وَاسْتِحْبَابهَا, وَأَنَّ ثَوَابهَا يَصِلهُ وَيَنْفَعهُ , وَيَنْفَع الْمُتَصَدِّق أَيْضًا , وَهَذَا كُلّه أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ" انتهى.
قال القرافي في "الفروق" (3/342): "اتفق الناس على أن الله تعالى أذن في نقل ثوابه للميت وهو الدعاء والقربات المالية كالصدقة والعتق" انتهى.
والله أعلم.