حفظ
  • قائمة جديدة
المزيد
    حفظ
    • قائمة جديدة
59817/شوال/1446 الموافق 15/أبريل/2025

هل يشرع للعاجز عن السجود أن يرفع شيئا يسجد عليه؟

السؤال: 549745

امرأة مريضة تصلي على الكرسي، وهي تحب أن تسجد لله تعالى، فهل يجوز أن تضع أمامها خشبة مرتفعة أو ستاند، وتضع عليها يديها وجبينها، وتسجد عليها حينما تصلي على الكرسي؟
علما إن لديها صوفان رکبة، والدكتور منعها من ثني ركبتيها، وهي تحب أن تسجد وتضع رأسها وجبينها لله تعالى.

ملخص الجواب

المريض الذي لا يتمكن من السجود يومئ برأسه عند السجود، ويجعل ذلك أخفض من ركوعه، ولا حاجة له أن يرفع شيئا أمامه يسجد عليه.

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

أولا:

السنة في حق من لم يستطع السجود على الأرض أن يومي إيماء، ولا يرفع شيئا ليسجد عليه، وقد صحت بذلك الآثار عن الصحابة رضي الله عنهم، وروي مرفوعا عن النبي صلى الله عليه وسلم.

فعن جابرِ بنِ عبدِ اللَّهِ -رضي اللَّه عنه-، أنَّ رسولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- عادَ مَريضًا، فرآه ‌يُصَلِّى ‌على ‌وَسادَةٍ؛ فأَخَذَها فرَمى بها، فأَخَذَ عودًا لَيُصلِّىَ عليه فأَخَذَه فرَمَى به وقالَ: "صَلِّ على الأرضِ إنِ استَطَعتَ، وإِلّا فأومِئْ إيماءً، واجعَلْ سُجودَكَ أخفَضَ مِن رُكوعِكَ" رواه البيهقي في "السنن الكبرى" (3718).

قال ابن حجر العسقلاني في "مختصر زوائد مسند البزار على الكتب الستة ومسند أحمد" (1/ 276) بعد ذكره للحديث: "هَذَا الإِسْنَادُ صَحِيحٌ"، وقال الشيخ الألباني رحمه الله في "صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم" (ص78): "رواه الطبراني والبزار وابن السماك والبيهقي وسنده صحيح".

 وأكثر الأئمة على وقفه. انظر: "فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود" (10/ 272).

كما صحت الآثار عن الصحابة رضي الله عنهم بنهيهم عن ذلك الفعل، وأن السنة أن يومئ إيماء، ولا يرفع شيئا يسجد عليه.

فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : "كان عمر يقولُ: (إذا لم يَستَطِعِ المَريضُ السُّجودَ: أومَأَ برأسِه إيماءً، ولم يَرفَعْ إلى جَبهَتِه شَيئًا) رواه ابن أبي شيبة (3720).

وعن عَلقَمَةَ قال: "دَخَلتُ مَعَ عبدِ اللَّهِ على أخيه عُتبَةَ، نَعودُه وهو مَريضٌ، فرأَى مَعَ أخيه مِروَحَةً يَسجُدُ عَلَيها، فانتَزَعَها مِنه عبدُ اللَّهِ، وقالَ: اسجُد على الأرضِ، فإِن لم تَستَطِعْ فأَومِئْ إيماءً، واجعَلِ السُّجودَ أخفَضَ مِنَ الرُّكوعِ" رواه ابن أبي شيبة (3722).

وعن ابن جريج، قال: "قلت لعطاء: إذا لم يستطع أن يسجد على الأرض، أيسجد على حصير، أو يرفع إليه بطحاء على خمرة فيسجد عليه؟ قال: لا، ولكن ليومئ إيماء برأسه، ويجعل السجدة أخفض من الركعة". ابن أبي شيبة (4266).

والمذاهب الأربعة على أنّ السنة في حقه أن يومي إيماء، ولا يرفع شيئا، لما سبق ذكره من الأدلة.

"تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي" (1/ 200):

قال الزيلعي رحمه الله: "ولا يرفع إلى وجهه شيئا ‌يسجد عليه لقوله - عليه الصلاة والسلام - إن قدرت أن تسجد على الأرض فاسجد؛ وإلا فأوم برأسك.

قال - رحمه الله - فإن فعل أي رفع شيئا ‌يسجد عليه، وهو يخفض رأسه: صح؛ لوجود الإيماء ....

"وعن يُوسُفَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، أَنَّهُ قَالَ فِي الْمَرِيضِ: إِذَا لَمْ يَسْتَطِعِ الْقِيَامَ: يُصَلِّي ‌جَالِسًا، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ ‌يَسْجُدُ، فَلْيُومِئْ إِيمَاءً، وَيَجْعَلِ السُّجُودَ أَخْفَضَ مِنَ الرُّكُوعِ، وَلَا ‌يَسْجُدُ عَلَى حَجَرٍ وَلَا عَلَى عُودٍ" "الآثار لأبي يوسف" (ص67).

وقال الشافعي: "ولا يرفع إلى جبهته شيئا ليسجد عليه؛ لأنه لا يقال له ساجد حتى ‌يسجد بما يلصق بالأرض.

فإن وضع وسادة على الأرض، فسجد عليها: أجزأه ذلك إن شاء الله تعالى.

ولو سجد الصحيح على وسادة من أدم، لاصقة بالأرض: كرهته له؛ ولم أر عليه أن يعيد. كما لو سجد على ربوة من الأرض، أرفع من الموضع الذي يقوم عليه: لم يُعِد؛ لأنّ أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - تسجد على وسادة من أدم، من رمد بها" انتهى باختصار يسير من "الأم" (1/100).

وقال ابن قدامة رحمه الله:

"‌وإن ‌عجز ‌عن ‌السجود ‌على ‌بعض هذه الأعضاء، سجد على بقيتها، وقرب العضو المريض من الأرض غاية ما يمكنه.

ولم يجب عليه أن يرفع إليه شيئا؛ لأن السجود هو الهبوط، ولا يحصل ذلك برفع المسجود عليه. وإن سقط السجود عن الجبهة، لعارض من مرض أو غيره، سقط عنه السجود على غيره؛ لأنه الأصل" انتهى من "المغني" (2/ 195).

ثانيا:

مما سبق، يتبين: أنّ السنة في حق من عجز عن السجود أن يومي إيماء، وإن سجد على شيء مع الإيماء فسجوده صحيح،  لكنه خلاف السنة في حقه.

وكما أن الإيماء ثابت بالآثار فهو ثابت من فعل النبي صلى الله عليه وسلم، عندما صلى على راحلته حيث كان يوميء في ركوعه وسجوده.

فعن ابن عمر قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي السَّفَرِ عَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ، ‌يُومِئُ ‌إِيمَاءً، صَلَاةَ اللَّيْلِ إِلَّا الْفَرَائِضَ، ويوتر على راحلته" رواه البخاري (955).

وهكذا ذكر أكثر أهل العلم: أن السنة في حقه: ألا يرفع شيئا يسجد عليه، وبعضهم: لم يرخص له في شيء يرفعه أصلا.

قال ابن المنذر رحمه الله:

" وعن المختار بن فلفل، قال: " سألت أنسا عن صلاة المريض فقال: يسجد ولم يرخص في أن يرفع إليه شيئا".

وقال عطاء: يومي برأسه إيماء، ويجعل السجود أخفض ‌من ‌الركعة.

‌وقال ‌سفيان ‌الثوري، ‌في ‌المريض ‌الذي ‌لا ‌يستطيع ‌السجود على الأرض: يومي إيماء.

وقال مالك: إذا لم يستطع السجود لا يرفع إلي جبهته شيئا، ولا ينصب بين يديه وسادة، ولا شيئا من الأشياء.

وكان أبو ثور يقول: وإن صلى المريض قاعدا ولم يقدر على السجود أومي إيماء، وإن رفع إلى وجهه شيئا فسجد عليه أجزأه ذلك، والإيماء أحب إلي.

وقالت طائفة: لا يرفع إلى وجهه شيئا يسجد عليه، وإن وضع وسادة على الأرض فسجد عليها، أجزأه ذلك إن شاء الله، هذا قول الشافعي.

وقد روينا عن أم سلمة: أنها كانت تسجد على مرفقة من رمد كان بها.

وروي عن ابن عباس: أنه رخص في السجود على المرفقة الظاهرة.

وروينا عن أنس: أنه كان إذا اشتكى، سجد على مرفقة" انتهى من "الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف" (4/ 380).

وجاء في "الموسوعة الفقهية الكويتية" (29/ 246):

"إذا كان عاجزا عن السجود، ‌وأمكن ‌رفع ‌وسادة ونحوها ليسجد عليها:

فعند الحنفية والمالكية: أنه يومئ بالركوع والسجود، ولا يرفع إلى وجهه شيئا يسجد عليه.

واستدلوا بما رواه جابر رضي الله عنه : (أن النبي صلى الله عليه وسلم عاد مريضا فرآه يصلي على وسادة، فأخذها فرمى بها، فأخذ عودا ليصلي عليه، فأخذه فرمى به وقال: صل على الأرض إن استطعت؛ وإلا فأومئ إيماء، واجعل سجودك أخفض من ركوعك).

وذهب الشافعية والحنابلة: إلى أنه يجوز له ذلك، أو يومئ بالسجود، فهو بالخيار بين هذا وذاك؛ لأن الكل مروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لقول عبد الله بن أحمد بن حنبل: سألت أبي عن المريض يومئ أو يسجد على مرفقة؟ قال: كل ذلك قد روي، لا بأس به إن شاء الله.

والإيماء مروي عن ابن عمر وابن مسعود رضي الله عنهم موقوفا، وروي عن جابر مرفوعا، والسجود على المرفقة مروي عن ابن عباس وأم سلمة رضي الله عنهم" انتهى.

وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله:

س: يقول السائل: يوجد رجل كبير في السن، ومصاب بالشلل النصفي، وهو يحرص على الصلاة في المسجد مع الجماعة، ويجلس على كرسي ويضع أمامه بعض الأشياء المرتفعة عن سطح الأرض ليتمكن وجهه من ملامسته أثناء السجود، فهل هذا صحيح؟ أم إنه يكتفي بأن يكون السجود أخفض من الركوع، مع عدم وجوب ملامسة الوجه؟

فأجاب: لا يحتاج إلى ذلك، يومئ إيماء مثل ما جاء في الحديث، وهو حديث مرفوع وموقوف: أن جابرا رأى رجلا يصلي على وسادة فأمره بإبعاد الوسادة وأن يومئ بركوعه وسجوده.

ولا حاجة إلى وسادة يرفعها، بل يركع في الهواء ويسجد في الهواء، ويخفض سجوده عن الركوع، ويكفي والحمد لله.

لكن لو سجد على شيء يرفع ويسجد عليه: لا يضر، ولا حرج.

لكن من الأفضل: أن يكون بالإيماء، إذا شق عليه السجود يسجد في الهواء بالخفض، يخفضها عن الركوع، هذا هو السنة لمن عجز عن السجود في الأرض.

ولا حاجة إلى الوسادة، أو الكرسي، ولا يسجد على شيء" انتهى من "فتاوى نور على الدرب" لابن باز (12/ 468).

والحاصل:

أن المريض الذي لا يتمكن من السجود برأسه على الأرض، أو يضره ذلك، أو يشق عليه: يومئ برأسه عند السجود، ويجعل ذلك أخفض من ركوعه.

ولا حاجة له أن يرفع شيئا أمامه يسجد عليه، وليس سجوده لله ناقصا بذلك؛ لأن الله تعالى يقول: (فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسۡتَطَعۡتُمۡ [التغابن: 16]؛ وهذا قد اتقى الله ما استطاع، وفعل ما هو السنة والمشروع في حقه.

ومن رحمة الله عز وجلّ أنّ كتب لمن لم يتمكن من أداء عبادة لعذر شرعي أجرها كاملاً، ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا ‌مرض ‌العبد، أو ‌سافر، كتب له مثل ما كان يعمل مقيما صحيحا) رواه البخاري (2834).

لكنه لو تكلف، ورفع شيئا يسجد عليه: وسعه ذلك، كما نص عليه الإمام أحمد رحمه الله، ولا حرج عليه فيه.

والله أعلم.

المراجع

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

خيارات تنسيق النص

خط النص

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android