أولا:
من أحرمت بالحج ووقفت بعرفة، فقد أتت بركنين من أركان الحج، وبقي لها الطواف والسعي، فإن رفضت الإحرام، فإن إحرامها لا يرتفض، وهي باقية على إحرامها، إلا أن تكون قد اشترطت عند إحرامها أن محلّي حيث حبستني، فإنها إذا حاضت حلّت من إحرامها ولا شيء عليها.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " الاشتراط في الحج أن يقول عند عقد الإحرام: إن حَبَسَنِي حابسٌ فمحلي حيث حَبَسْتَنِي.
وهذا الاشتراط لا يُسَنُّ إلا إذا كان هناك خوف مِن مرض أو امرأة تخاف من الحيض، أو إنسان متأخر يخشى أن يفوته الحج، ففي هذه الحالة ينبغي أن يشترط، وإذا اشترط وحصل ما يمنع من إتمام النسك، فإنه يتحلل وينصرف ولا شيء عليه" انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (25/18).
وقال الشيخ أحمد بن ناصر القعيمي: "هل طروّ الحيض يبيح للمرأة المحرمة المشترطة التحلل من إحرامها؟ الظاهر من كلامهم أنه متى حصل ما يمنع المحرم المشترط من إكمال النسك جاز له أن يتحلل، ولا يجب عليه الانتظار حتى يزول المانع وإن كان زواله سيحصل قريبا، وذكروا له أمثلة كالمرض، وضياع النفقة، وإضلال الطريق، وهل منه لو اشترطت المرأة ثم حاضت؟ فهل لها أن تتحلل؟ الظاهر نعم، ولم أره صريحا في كلامهم، لكنه داخل في عموم كلامهم، وقد تقدم كلام ابن النجار في شرحه للمنتهى جازما به أن "مثل المرض في الحكم حائض تعذَّر مقامها... فإذا كان الحيض كالمرض في عدم جواز التحلل من الإحرام بدون شرط، فكذا هو مثله في جواز التحلل بالشرط...
والتحلل بالشرط لأجل الحيض هو قياس قول شيخ الإسلام في جواز التحلل للحائض- غير المشترطة- كمحصرة...
وقال ابن حجر الهيتمي الشافعي في حاشيته على "مناسك النووي" ص550 : "منه الحيض على الأوجه. بل هو أشق من كثير من الأعذار".
وعموم البلوى بالحيض أكثر من المرض" انتهى من "فيض الجليل" (1/ 653).
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (112271)، ورقم:(380182).
ثانيا:
إذا لم تكن اشترطت عند إحرامها، فهي باقية على إحرامها حتى لو عادت إلى بلدها، ويلزمها الرجوع إلى مكة لتطوف للإفاضة وتسعى.
وجوز بعض أهل العلم أن تتحلل تحلل المحصر، فتذبح شاة في بلدها توزعها على المساكين، وتقص من شعرها، ولا يكتب لها حج، وهو اختيار شيخ الإسلام وقول بعض الشافعية.
وينظر: جواب السؤال رقم: (278402).
وأما الجمهور فيقولون: هي باقية على إحرامها.
وعليه: فإن حصل جماع: فسد حجها، ولزمها إكمال الحج الفاسد، ثم قضاؤه، ويلزمها ذبح بدنة في مكة، تذبحها في حجة القضاء، كما قضى به الصحابة رضي الله عنهم.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " الجماع قبل التحلل الأول يترتب عليه خمسة أمور:
الأول: الإثم.
الثاني: فساد النسك.
الثالث: وجوب المضي فيه.
الرابع: وجوب القضاء.
الخامس: الفدية، وهي بدنة تذبح في القضاء.
مثال ذلك: رجل جامع زوجته ليلة مزدلفة في الحج، عالماً، عامداً، لا عذر له.
نقول: ترتب على جماعك خمسة أمور:
الأول: الإثم، فعليك التوبة.
الثاني: فساد النسك، فلا يعتبر هذا النسك صحيحاً.
الثالث: وجوب المضي فيه، فيجب أن تكمله؛ لقوله تعالى: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالَعُمْرَةَ لِلَّهِ [البقرة: 196].
الرابع: وجوب القضاء من العام القادم بدون تأخير.
الخامس: فدية، وهي بدنة تذبح في القضاء...
وإذا مضى في هذا الفاسد، فحكمه حكم الصحيح على الراجح في كل ما يترتب عليه من محظورات وواجبات" انتهى من "الشرح الممتع" (7/ 158).
لكن إن كان الجماع قد وقع، وهي جاهلة: فإنها تعذر بجهلها، كما سيأتي في آخر الجواب، إن شاء الله.
ثالثا:
إن كانت قد اعتمرت بعد خمس سنوات، وطافت وسعت: صح هذا الطواف والسعي لحجها، فيتم به حجها الفاسد، ولغت عمرتها لأنها متلبسة بالإحرام بالحج.
قال الشافعي رحمه الله في "الأم" (2/ 147): "فإن اعتمر، وهو في بقيةٍ من إحرام حجه، أو خارجًا من إحرام حجه وهو مقيم على عمل من عمل حجه= فلا عمرة له، ولا فدية عليه؛ لأنه أهلَّ بالعمرة، في وقت لم يكن له أن يهل بها فيه" انتهى.
وقال الدردير في "الشرح الكبير" (2/ 27): " (ولغا عمرة) لغا بفتح اللام والغين المعجمة كرمى، فعل لازم، بمعنى بطل، وعمرة فاعله، أي وبطلت عمرة أردفت (عليه) أي على الحج؛ لضعفها وقوته" انتهى.
رابعا:
هذه المرأة لزمها ثلاثة دماء لترك الواجبات في حجها الفاسد: المبيت بمزدلفة، ورمي الجمار، والمبيت بمنى.
وينظر جواب السؤال رقم: (215055).
وأما ما فعلت من محظورات الإحرام، سواء كان ذلك الجماع، أو غيره كاستعمال الطيب، وقص الشعر والأظافر= فإنها تعذر في ذلك بجهلها، ولا شيء عليها فيها.
ويبقى عليها قضاء الحج.
والمراد بالجهل الذي تعذر به أمران:
الأول: أن تكون جاهلة بأنها ما زالت محرمة في حال وقوع الجماع. فإنها تعذر بذلك، ولا شيء عليها.
الثاني: أن تكون جاهلة بأنها يحرم عليها الجماع وهي في تلك الحال، إما لظنها أن إحرامها انفسخ، كما سبق، أو ظنها أنها في حالها تلك لا يحرم عليها الجماع.
فهذا الجهل مما تعذر به.
وأما الجهل الذي لا تعذر به: فهو الجهل بما يترتب على الجماع من الأحكام، وإن كانت تعلم أنها ممنوعة منه.
سئل الشيخ ابن عثيمين عن امرأة أحرمت بالعمرة ثم فسخت العمرة واعتمرت بعدها بعدة أيام عمرة أخرى فهل هذا العمل صحيح ؟ وما حكم ما فعلته من محظورات الإحرام ؟
فأجاب : هذا العمل غير صحيح ، لأن الإنسان إذا دخل في عمرة أو حج حرم عليه أن يفسخه إلا لسبب شرعي قال الله تعالى : ( وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ) ، فعلى هذه المرأة أن تتوب إلى الله عز وجل مما صنعت ، وعمرتها صحيحة لأنها وإن فسخت العمرة فإنها لا تنفسخ العمرة ، وهذا من خصائص الحج ، والحج له خصائص عجيبة لا تكون في غيره ، فالحج إذا نويت إبطاله لم يبطل ، وغيره من العبادات إذا نويت إبطال بطل ، فلو أن الإنسان وهو صائم نوى إبطال صومه بطل صومه ، ولو أن المتوضئ أثناء وضوئه نوى إبطال الوضوء بطل الوضوء .
لو أن المعتمر أثناء العمرة نوى إبطالها لم تبطل ، أو نوى إبطال الحج أثناء تلبسه بالحج لم يبطل .
ولهذا قال العلماء : إن النسك لا يرتفض برفضه .
وعلى هذا نقول : إن هذه المرأة ما زالت محرمة منذ عقدت النية إلى أن أتمت العمرة ، ويكون نيتها الفسخ غير مؤثرة فيه ، بل هي باقية عليه .
وخلاصة الجواب : بالنسبة للمرأة نقول : إن عمرتها صحيحة ، وإن عليها أن لا تعود لرفض الإحرام مرة ثانية ، لأنها لو رفضت الإحرام لم تتخلص منه .
وأما ما فعلته من المحظورات ولنفرض أن زوجها جامعها والجماع في النسك هو أعظم المحظورات فإنه لا شيء عليها ، لأنها جاهلة ، وكل إنسان يفعل محظوراً من محظورات الإحرام جاهلاً أو ناسياً أو مكرهاً فلا شيء عليه" انتهى من "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (21/351) باختصار .
وينظر ما سبق في جواب السؤال رقم: (40512)، ورقم: (49026).
والله أعلم.