ما الفرق بين الاستعانة والتوكل والاعتماد؟

السؤال: 546790

أريد أن تشرحوا لي الفرق بين الاستعانة والتوكل والاعتماد، وكل واحدة منهم ماذا تعني؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

أولًا:

(التوكل) و(الاستعانة) و(الاعتماد) معانيها متقاربة، وكلها تدل على التفويض، والتسليم، والثقة بالغير، وقصده عند الحاجة، هذا من حيث الجملة.

وكل من التوكل والاستعانة: يتضمن معنى الاعتماد.

فالتوكل على الله، والاستعانة به تعالى: كل منهما يتضمن الاعتماد عليه تعالى، فالاعتماد هو أعمُّ وأوسع هذه الكلمات، فالتوكل نوع من الاعتماد على الله، والاستعانة نوع آخر من الاعتماد على الله عز وجل.

1- فأما (الاعتماد) على الشيء: فأن تجعلَه عُمْدَتَك.

قال ابن سيده: "وأنتَ عُمدتُنا؛ أي: الذي نقصد إليه في حوائِجنا، وعميد القوم؛ سيِّدُهم المعتمَدُ عليه"، انتهى من "المخصص" (3/ 462).

وقال الأزهري: "وقال أبو زيد: يقال فلانٌ عمدةُ قومه؛ إذا كانوا يعتمدونه فيما يَحْزُبهم. وكذلك: هم عمدتنا. والعميد: سيد القوم"، انتهى من "تهذيب اللغة" (2/ 255).

وحول هذه المعاني تدور كتب اللغة، ويدور معنى (الاعتماد) على الشيء.

فالاعتماد على الله تعالى: هو أن تقصده وتتوجه إليه في الحوائج، فيكون سيّدَك، المعتمَد عليه فيما يحزبك، أي فيما يُلمُّ بك من المُلِمَّات، فتطلب أن يكفيك ويعطيك ما ينفعك، أو يمنع عنك ما يضرُّك.

2- وأما التوكل على الله: فهو (اعتماد القلب) خاصةً على الله تعالى، في استجلاب المنافع، ودفع المضار، الدنيوية والأخروية.

فالتوكل على الله: هو عملٌ يعمله القلب، وحال تقوم بالقلب، حقيقته تعلُّق بالله، وتوجُّهٌ إلى الله، وركونٌ إلى الله.

وأصل التوكل على الله ومحرِّكه في القلب: علمٌ بالله، وبقدرة الله، وغناه تعالى، وأنه تعالى لا يمنعه مانع.

فالتوكل: عملٌ وحالٌ في القلب، وسببه وما يوجبه: معرفة وعلمٌ  في القلب.

فالتوكل كله من شأن القلب، علمًا وعملًا، وحول ذلك تدور عبارات العلماء.

قال في "لسان العرب" (11/ 734): "المتوكل على الله: الذي (يعلم) أن الله كافلٌ رزقَه وأمرَه، (فيَركن) إليه وحده، ولا يتوكل على غيره"، انتهى.

وقال ابن رجب الحنبلي رحمه الله: "حقيقة التوكل: هو صدق اعتماد القلب على الله عز وجل في استجلاب المصالح ودفع المضار من أمور الدنيا والآخرة كلها، وكِلَةُ الأمور كلِّها إليه، وتحقيق الإيمان بأنه لا يعطي ولا يمنع ولا يضر ولا ينفع سواه"، انتهى من "جامع العلوم والحكم" (2/ 497).

وقد سبق أن الاعتماد هو (قصدٌ) و(توجُّهٌ) إلى سيِّدك الذي هو عمدتك، عند الحوائج والملمات، فحقيقة التوكل على الله؛ هو صدق اعتماد القلب على الله وتوجهه إليه في الحاجات، فهذا هو عمل قلب المتوكل.

ومنشؤه: العلمُ الذي يكون في القلب أيضًا، بأن الله تعالى هو المتفرد بالتدبير، المتفرد بالعطاء والمنع، والنفع والضُّر.

ومن المهم: الانتباه هنا إلى أنَّ التوكل الذي هو اعتماد القلب على الله وركونه إليه، يشمل: التوكل على الله عند قيامك إلى فعلِ ما أنت مأمور به، فهو توكل القلب عند القيام بعملٍ يقع في استطاعتك وقدرتك.

ويشمل أيضًا: التوكل على الله باعتماد القلب عليه، وتوجهه إليه، ليحقق الله لك مطلوبك وإن لم يكن مع ذلك عمل ستعمله.

فمثال الأول: توكل قلبك على الله ليعينك على الصلاة أو الصيام وأنت قادر على ذلك.

ومثال الثاني: توكل القلب على الله ليعافيك من وقوع بلاء في المال أو البدن، أو يرزقك من حيث لا تحتسب، وإن لم يكن مع هذا التوكل عملٌ تقوم إليه، ولا سبب تتخذه.

فإذا كان التوكل من النوع الأول؛ وهو اعتماد القلب على الله، وتوكله عليه عند فعل المأمور، فهو استعانة بالقلب أيضًا، أي: طلب القلب الإعانة، فيأتي في كلام العلماء هنا: أن التوكل هو الاستعانة.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "والتوكل يتناول: التوكلَ عليه ليعينه على فعل ما أُمِر، والتوكلَ عليه ليعطيَه ما لا يقدر العبدُ عليه، فالاستعانة تكون على الأعمال، وأما التوكل فأعم من ذلك، ويكون التوكل عليه لجلب المنفعة ودفع المضرة"، انتهى من "مجموع الفتاوي" (8/ 177).

هذا؛ وشيخ الإسلام ابن تيمية هو القائل أيضًا: "فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ، فإن التوكل هو الاستعانة، وهي من عبادة الله، لكن خُصَّت بالذكر: ليقصدها المتعبِّد بخصوصها، فإنها هي العون على سائر أنواع العبادة، إذ هو سبحانه لا يُعبَد إلا بمعونته"، انتهى من "العبودية" (ص 75).

مراده بذلك: أنّ توكل القلب واعتماده على الله حال القيام بالعبادة المأمور بها بقوله: فَاعْبُدْهُ، هو طلب القلب إعانةَ الربِّ على فعل المأمور، فتوكل القلب هنا هو استعانته.

وهذا هو الموطن الذي يقول فيه العلماء: التوكل هو الاستعانة، ويبينه السياق.

قال الإمام ابن القيم رحمه الله: "فإن قلتَ: فما معنى التوكل والاستعانة؟

قلتُ: هو حالٌ للقلب، ينشأ عن معرفته بالله، والإيمان بتفرده بالخلق والتدبير، والضر والنفع، والعطاء والمنع، وأنه ما شاء كان وإن لم يشأ الناس، وما لم يشأ لم يكن وإن شاءه الناس، فيوجب له هذا: اعتمادًا عليه، وتفويضًا إليه، وطمأنينةً به، وثقةً به، ويقينًا بكفايته لما توكل عليه فيه، وأنه مليٌّ به، ولا يكون إلا بمشيئته، شاءه الناس أم أبَوه!

فتشبه حالته حالة الطفل مع أبويه، فيما ينوبُه من رغبة ورهبة، هما مليان بهما، فانظر في تجرد قلبه عن الالتفات إلى غير أبويه، وحَبْس همِّه على إنزال ما ينوبه بهما؛ فهذه حال المتوكل.

ومن كان هكذا مع الله؛ فالله كافيه ولا بدَّ، قال الله تعالى وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ، أي: كافيه، والحسب: الكافي، فإن كان مع هذا من أهل التقوى؛ كانت له العاقبة الحميدة"، انتهى من "مدارج السالكين" (1/ 126).

فسياق كلام ابن القيم كله في فعل المأمور به، وأقسام الناس في الجمع بين (العبادة) و(الاستعانة على هذه العبادة).

3- وأما الاستعانة بالله: فهي طلب العون من الله على عملٍ من الأعمال، وعند هذا العمل، وسواء في ذلك أن يكون طلب العون باللسان، أو يكون طلب العون بالحال، أو يكون الطلب بهما معًا.

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:

"والاستعانة: طلب العون بلسان المقال؛ كقولك: (اللهم أعني)، أو: (لا حول ولا قوة إلا بالله)، عند شروعك بالفعل.

أو: بلسان الحال؛ وهي أن تشعر بقلبك أنك محتاج إلى ربك عز وجل أن يعينك على هذا الفعل، وأنه إن وكلك إلى نفسِك وكلك إلى ضعفٍ وعجزٍ وعورةٍ.

أو: طلب العون بهما جميعا، والغالب أن من استعان بلسان المقال، فقد استعان بلسان الحال"، انتهى من "القول المفيد" (2/ 368).

وقد تبين مما سبق أن طلب العون بالقلب، أو بلسان الحال، أو: اعتماد القلب على الله، وتوجهه إليه، ليعين على فعل المأمور: هو من التوكل أيضًا، وأنه الموطن الذي يقول فيه العلماء: التوكل هو الاستعانة.

ثانيًا:

كل من التوكل والاستعانة فيه معنى الاعتماد والتفويض، غير أن بينهما فروقًا دقيقة، أهمها:

1- أن الاستعانة أعم من التوكل من حيث ما يقعان به:

 فالتوكل: عملٌ وتوجه بالقلب، ومنشؤه علم القلب ومعرفته، وأما الاستعانة: فقد تكون باللسان والقلب معًا، أو تكون باللسان فقط، أو تكون بالقلب فقط، ومنشؤها علم القلب أيضًا.

فإن كانت الاستعانة بالقلب وحده، فهي بمعنى التوكل، ومعناهما واحدًا حينئذ، وهو: طلب القلب الإعانة من الله، واعتماده عليه تعالى، في فعل المأمور.

2- أن التوكل أعمُّ من الاستعانة من حيث المطلوب بهما:

 فالتوكل يكون في جلب المنافع ودفع المضار مطلقًا، ويشمل التوكل ليعطي اللهُ ما لا يقدر العبدُ عليه، وأما الاستعانة فتكون عند العمل خاصة.

3- التوكل أصل الاستعانة وسببها، وذلك لأن ما في القلب، أصلٌ لما في الجوارح، ولذا يقول بعض العلماء: من توكل على الله؛ استعان به.

قال ابن رجب رحمه الله:

"إذا علم العبد أنه لن يصيبه إلا ما كتب الله له، من خير أو شر أو نفع أو ضر، وأن اجتهاد الخلق كلهم جميعًا على خلاف المقدور؛ غيرُ مفيدٍ شيئًا البتة: علم حينئذٍ أن الله تعالى وحده هو الضار والنافع والمعطي المانع، فأوجب ذلك للعبد توحيد ربه عز وجل، وإفراده بالاستعانة والسؤال، والتضرع والابتهال، وإفراده أيضًا بالعبادة والطاعة، لأن المعبود إنما يُقصَد بعبادته جلبُ المنافع ودفع المضار...

فإذا تحقق العبد تفرد الله وحده بالنفع والضر، وبالعطاء والمنع، أوجب ذلك إفراده بالطاعة والعبادة، ويقدم طاعته على طاعة الخلق كلهم جميعًا، كما يوجب ذلك أيضًا إفراده سبحانه بالاستعانة به، والطلب منه"، انتهى مختصرًا من "مجموع رسائله" (3/ 140).

4- التوكل لا يكون إلا على الله وحده، وذلك لأنها عمل قلبيٌّ خالص، يتناول دفع كل ضر، وتحصيل كل نفع، وأما الاستعانة فتجوز بالعباد الأحياء فيما يقدرون عليه.

فأما اختصاص التوكل بالله وحده:

فيستفاد من أخذ قوله تعالى: وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا (8) رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا، مع قوله تعالى: وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فأمرَ أن يُتخَذ وكيلًا، ونهَى أن يُتخَذ من دونه وكيلًا، لأن المخلوق لا يستقل بجميع حاجات العبد، والوكالة الجائزة أن يوكل الإنسان في فعلٍ يقدر عليه، فيحصل للموكِّل بذلك بعضُ مطلوبه، فأمَّا مطالبه كلُّها فلا يقدر عليها إلا الله، وذلك الذي يوكله لا يفعل شيئًا إلا بمشيئة الله عز وجل وقدرتِه، فليس له أن يتوكَّل عليه وإن وكله، بل يعتمد على الله في تيسير ما وكَّله فيه"، انتهى من "جامع الرسائل" (1/ 89).

ويقول ابن تيمية أيضًا:

"الرجاء مقرون بالتوكل، فإنَّ المتوكل يطلب ما رجاه من حصول المنفعة ودفع المضرة، والتوكل لا يجوز إلا على الله، كما قال تعالى: وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ..."، فذكر عدة شواهد من القرآن ثم قال رحمه الله:

"فهؤلاء قالوا: حسبنا الله، أي: كافينا الله في دفع البلاء، وأولئك أمِروا أن يقولوا: حسبنا في جلب النعماء، فهو سبحانه كاف عبده في إزالة الشر، وفي إنالة الخير، أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ، ومن توكَّل على غير الله ورجاه؛ خُذِل من جهته وحُرم"، انتهى من "مجموع الفتاوي" (8/ 164).

وقال ابن القيم رحمه الله: "إنما الشأن في توحيد الإلهية الذي: دعت إليه الرسل، وأنزلت به الكتب، وتميَّز به أولياء الله من أعدائه، وهو: أن لا يعبد إلا الله، ولا يحب سواه، ولا يتوكل على غيره"، انتهى من "المدارج" (1/ 235).

وقال أيضًا: "من خصائص الإلهية السجود، فمن سجد لغيره فقد شبه المخلوق به، ومنها: التوكل، فمن توكل على غيره فقد شبهه به"، انتهى من "الجواب الكافي" (ص 315).

وأما الاستعانة:

فقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "تفسيره" (ص 14):

"فإن قال قائل: كيف يقال: إخلاص الاستعانة لله، وقد جاء في قوله تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى إثبات المعونة من غير الله عزّ وجلّ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "تعين الرجل في دابته، فتحمله عليها، أو ترفع له عليها متاعه؛ صدقة"؟

فالجواب: أن الاستعانة نوعان: استعانة تفويض؛ بمعنى أنك تعتمد على الله عز وجل، وتتبرأ من حولك، وقوتك؛ وهذا خاص بالله عزّ وجلّ، واستعانة بمعنى المشاركة فيما تريد أن تقوم به: فهذه جائزة إذا كان المستعان به حيًّا قادرًا على الإعانة؛ لأنه ليس عبادة، ولهذا قال الله تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى"، انتهى.

فبيَّن رحمه الله أن نوع الاستعانة الذي لا يجوز إلا بالله وحده، هو استعانة التفويض المتضمن البراءة من الحول والقوة، وهي نوع من التوكل القلبي كما سبق شرحه، أما الاستعانة التي تجوز بالمخلوق فهي استعانة (المشاركة فيما تريد أن تقوم به)، أي: عند العمل بالجوارح، إذا كان المستعان به حيا قادرًا على الإعانة.

والله أعلم.

المراجع

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android