أولا:
قد صحّ الخبر بنزول ملك لم ينزل من السماء منذ يوم خلق، ليخبر النبي صلى الله عليه وسلم بتخيير الله تعالى له بين أن يكون ملكا نبيا أو عبدا رسولا، لكن من غير نص على اسم هذا الملك.
فروى الإمام أحمد في "المسند" (12 / 76)، والبزار "المسند" (17 / 182)، وأبو يعلى في "المسند" (8 / 318)، ومن طريقه ابن حبان "الإحسان" (14 / 280)، وغيرهم: عن مُحَمَّد بْن فُضَيْلٍ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: ( جَلَسَ جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَنَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ، فَإِذَا مَلَكٌ يَنْزِلُ، فَقَالَ جِبْرِيلُ: إِنَّ هَذَا الْمَلَكَ مَا نَزَلَ مُنْذُ يَوْمِ خُلِقَ، قَبْلَ السَّاعَةِ. فَلَمَّا نَزَلَ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ رَبُّكَ، أَفَمَلِكًا نَبِيًّا يَجْعَلُكَ، أَوْ عَبْدًا رَسُولًا؟ قَالَ جِبْرِيلُ: تَوَاضَعْ لِرَبِّكَ يَا مُحَمَّدُ. قَالَ: بَلْ عَبْدًا رَسُولًا ).
قال الهيثمي رحمه الله تعالى:
" رواه أحمد، والبزار، وأبو يعلى، ورجال الأولين رجال الصحيح " انتهى. "مجمع الزوائد" (9 / 19).
ووردت روايات أخرى فيها أن الملك هو اسرافيل عليه السلام.
ورد هذا من حديث ابن عمر رضي الله عنه:
فروى الطبراني في "المعجم الكبير" (12 / 348)، وأبو نعيم في "حلية الأولياء" (3 / 256): عن أَبي شُعَيْبٍ، حدثنا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللهِ الْبَابْلُتِّيُّ، حدثنا أَيُّوبُ بْنُ نَهِيكٍ، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ قَيْسٍ الْمَدَنِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ( لَقَدْ هَبَطَ عَلَيَّ مَلَكٌ مِنَ السَّمَاءِ مَا هَبَطَ عَلَى نَبِيٍّ قَبْلِي، وَلَا يَهْبِطُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ بَعْدِي، وَهُوَ إِسْرَافِيلُ وَعِنْدَهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ، ثُمَّ قَالَ: أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ إِلَيْكَ أَمَرَنِي أَنْ أُخْبِرَكَ إِنْ شِئْتَ نَبِيًّا عَبْدًا، وَإِنْ شِئْتَ نَبِيًّا مَلَكًا، فَنَظَرْتُ إِلَى جِبْرِيلَ فَأَوْمَأَ جِبْرِيلُ إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ ذَلِكَ: "نَبِيًّا عَبْدًا" فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: لَوْ أَنِّي قُلْتُ نَبِيًّا مَلَكًا، ثُمَّ شِئْتُ لَسَارَتِ الْجِبَالُ مَعِيَ ذَهَبًا ).
لكن هذا الخبر ضعيف الإسناد.
قال أبو نعيم: " هذا حديث غريب من حديث أبي حازم عن ابن عمر؛ تفرد به أيوب بن نهيك ... " انتهى.
وأيوب ضعيف.
قال ابن أبي حاتم رحمه الله تعالى:
" أيوب بن نهيك من أهل حلب.
روى عن: مجاهد، وعائشة بنت سعد، والشعبي.
روى عنه: مبشر بن إسماعيل، وأبو قتادة الحراني، ويحيى ابن عبد الله بن الضحاك، سمعت أبي يقول ذلك. وسمعته يقول: هو ضعيف الحديث. سمعت أبا زرعة يقول: لا أحدث عن أيوب بن نهيك. ولم يقرأ علينا حديثه، وقال: هو منكر الحديث " انتهى. "الجرح والتعديل" (2 / 259).
وكذا الراوي عن أيوب وهو: يحيى بن عبد الله البَابْلُتِّيّ: قد ضُعِّف.
قال الذهبي رحمه الله تعالى:
"يحيى بن عبد الله البابلتي، عن الأوزاعي: واه. قال الأزدي: الضعف على حديثه بين. وقال أبو حاتم: لا يعتد به " انتهى. "المغني في الضعفاء" (2 / 739).
وقال الهيثمي رحمه الله تعالى:
" رواه الطبراني، وفيه يحيى بن عبد الله البابلتي، وهو ضعيف " انتهى. "مجمع الزوائد" (9 / 19).
وورد من حديث ابن عباس رضي الله عنه:
رواه الطبراني في "المعجم الأوسط" (7 / 88)، والبيهقي في "الزهد الكبير" (ص186): عن الْحَسَن بْنِ بِشْرٍ الْبَجَلِيّ، حدثَنَا سَعْدَانُ بْنُ الْوَلِيدِ، بَيَّاعُ السَّابِرِيِّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: ( خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ وَجِبْرِيلُ عليه السلام مَعَهُ عَلَى الصَّفَا، فَقَالَ لَهُ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم: " وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أَمْسَى لِآلِ مُحَمَّدٍ كَفُّ سَوِيقٍ وَلَا سَفَّةُ دَقِيقٍ، فَلَمْ يَكُنْ كَلَامُهُ بِأَسْرَعَ مِنْ أَنْ سَمِعَ هَدَّةً مِنَ السَّمَاءِ أَفْظَعَتْهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَمَرَ اللَّهُ عز وجل الْقِيَامَةَ أَنْ تَقُومَ؟" فَقَالَ: لَا ، وَلَكِنْ هَذَا إسرافيل عليه السلام نَزَلَ إِلَيْكَ حِينَ سَمِعَ اللَّهُ كَلَامَكَ فَأَتَاهُ إِسْرَافِيلُ، فَقَالَ: إِنَّ اللَّهُ سَمِعَ مَا ذَكَرْتَ، فَبَعَثَنِي إِلَيْكَ بِمَفَاتِيحِ الْأَرْضِ، وَأَمَرَنِي أَنْ أَعْرِضَ عَلَيْكَ إِنْ أَحْبَبْتَ أَنْ أُسَيِّرَ مَعَكَ جِبَالَ تِهَامَةَ زُمُرُّدًا وَيَاقُوتَا وَذَهَبًا وَفِضَّةً فَعَلْتُ، وَإِنْ شِئْتَ نَبِيًّا مَلِكًا، وَإِنْ شِئْتَ نَبِيًّا عَبْدًا، فَأَوْمأ إِلَيْهِ جِبْرِيلُ عليه السلام أَنْ تَوَاضَعَ لِلَّهِ، فَقَالَ: بَلْ نَبِيًّا عَبْدًا ).
وقال الطبراني: " لَمْ يَرْوِ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ عَنْ عَطَاءٍ إِلَّا سَعْدَانُ بْنُ الْوَلِيدِ، تَفَرَّدَ بِهَا: الْحَسَنُ بْنُ بِشْرٍ" انتهى.
وسعدان مجهول، والراوي عنه الحسن بن بشر متكلم فيه.
قال الهيثمي رحمه الله تعالى:
" رواه الطبراني في "الأوسط"، وفيه سعدان بن الوليد، ولم أعرفه، وبقية رجاله رجال الصحيح " انتهى. "مجمع الزوائد" (10 / 315).
وقال الذهبي رحمه الله تعالى:
" الحسن بن بشر البجلي، أَبو علي الكوفي.
عن أسباط بن نصر، وزهير بن معاوية.
وعنه البخاري، وإبراهيم الحربي، وعدة.
قال أَبو حاتم وغيره: صدوق. وقال ابن خراش: منكر الحديث. وقال النسائي: ليس بالقوي. وتردد فيه أَحمد بن حنبل " انتهى. "ميزان الاعتدال" (1 / 441).
وقال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى:
" وله طريق أخرى عن ابن عباس، وهو ضعيف أيضا. أخرجه البيهقي في " الزهد " (ق 50 - 51) وفيه زيادات منكرة، منها: أن الملك هو إسرافيل ... " انتهى. "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (3 / 4).
وروى محمد بن عثمان بن أبي شيبة في "العرش وما روي فيه" (ص 460 – 462)، والطبراني في "المعجم الكبير" (11 / 379)، وغيرهما: عن ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: ( بَيْنَا جِبْرِيلُ مَعَهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يُنَاجِيهِ، إِذِ انْشَقَّ أفُقُ السَّمَاءِ، فَدَخَلَ جِبْرِيلَ مِنْ ذَلِكَ خَوْفٌ، فَإِذَا مَلَكٌ قَدْ تمَثَّلَ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَخْتَارَ عَبْدًا نَبِيًّا، أَوْ مَلِكًا نَبِيًّا، فَأَشَارَ إِلَيَّ جِبْرِيلُ بِيَدِهِ أَنْ تَوَاضَعْ، فَقُلْتُ: عَبْدًا نَبِيًّا، فَارْتَفَعَ ذَلِكَ الْمَلَكُ إِلَى السَّمَاءِ فَقُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ أَرَدْتُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْ هَذَا، فَرَأَيْتُ مِنْ حَالِكَ مَا شَغَلَنِي عَنِ الْمَسْأَلَةِ، فَمَنْ هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَذَا إِسْرَافِيلُ ... ).
وهذا إسناد فيه ضعف أيضا، فهو من رواية ابن أبي ليلى، وهو موصوف بسوء الحفظ.
قال الذهبي رحمه الله تعالى:
"محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى القاضي: صدوق، إمام، سيء الحفظ وقد وثق.
قال شعبة: ما رأيت أسوأ من حفظه. وقال القطان: سيء الحفظ جدا. وقال ابن معين: ليس بذاك. وقال النسائي، وغيره: ليس بالقوي. وقال الدارقطني: رديء الحفظ، كثير الوهم. وقال أبو أحمد الحاكم: عامة أحاديثه مقلوبة " انتهى. "المغني في الضعفاء" (2 / 603).
وقال الهيثمي رحمه الله تعالى:
" رواه الطبراني وفيه محمد بن أبي ليلى، وقد وثقه جماعة، ولكنه سيئ الحفظ، وبقية رجاله ثقات " انتهى. "مجمع الزوائد" (9 / 19).
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
"وفي إسناده محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وقد ضعف لسوء حفظه ولم يترك " انتهى. "فتح الباري" (6 / 307).
ثانيا:
أما الملائكة الذين أرسلوا إلى قوم لوط عليه السلام، ومروا بإبراهيم عليه السلام: فلم يرد في السنّة الصحيحة ذكر أسمائهم.
وإنما هي أقوال تنسب إلى ابن عباس رضي الله عنه وغيره بغير إسناد، واختلف في تعيينهم.
قال الواحدي رحمه الله تعالى:
" قوله تعالى: ( وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى ) الآية ...
والمراد بالرسل هاهنا الملائكة الذين أتوه على صورة الآدميين، وظنهم أضيافا.
قال ابن عباس: وهم جبريل ومكائيل وإسرافيل، وهم الذين ذكرهم الله في الذاريات ( هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ )، وفي الحجر ( وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ ).
وقال الضحاك: كانوا تسعة.
وقال السدي: كانوا أحد عشر ملكا على صورة الغلمان الوضاء " انتهى. "التفسير البسيط" (11 / 466).
وقال الإمام الطبري رحمه الله تعالى:
" يقول تعالى ذكره: ولقد جاءت رسلنا مِن الملائكة. وهم فيما ذُكرَ، كانوا جبريل وملكين آخرين، وقيل: إن الملكين الآخرين كانا ميكائيل وإسرافيل معه " انتهى. "تفسير الطبري" (12 / 465).
وغاية ما ورد في ذلك مسندا: إنما هو عن بعض التابعين، روى ابن أبي حاتم في "التفسير" (6 / 2054)، قال: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا نُوحُ بْنُ قَيْسٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مِحْصَنٍ فِي ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: ( كَانُوا أَرْبَعَةً جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ وَرَفَائِيلَ. قَالَ نُوحٌ فَزَعَمَ عَوْنُ بْنُ أَبِي شَدَّادٍ أَنَّهُ لَمَّا دَخَلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ فَقَرَّبَ إِلَيْهِمُ الْعِجْلَ مَسَحَهُ جِبْرِيلُ بِجَنَاحَيْهِ فَقَامَ يَدْرُجُ حَتَّى لَحِقَ بِأُمِّهِ وَأُمُّ الْعِجْلِ فِي الدَّارِ ).
والله أعلم.