أولا:
الأصل في صفة اليدين في الصلاة، في القيام وغيره: هو حديث وائل بن حجر رضي الله عنه الذي قال فيه:
" قُلْتُ: لَأَنْظُرَنَّ إِلَى صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ يُصَلِّي، قَالَ: "فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَكَبَّرَ، فَرَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى حَاذَتَا أُذُنَيْهِ، ثُمَّ أَخَذَ شِمَالَهُ بِيَمِينِهِ، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ، رَفَعَهُمَا مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ وَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، فَلَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ رَفَعَهُمَا مِثْلَ ذَلِكَ، فَلَمَّا سَجَدَ وَضَعَ رَأْسَهُ بِذَلِكَ الْمَنْزِلِ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ، ثُمَّ جَلَسَ فَافْتَرَشَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى، وَوَضَعَ يَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُسْرَى، وَحَدَّ مِرْفَقَهُ الْأَيْمَنَ عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى، وَقَبَضَ ثِنْتَيْنِ، وَحَلَّقَ حَلْقَةً". وَرَأَيْتُهُ يَقُولُ: هَكَذَا. وَحَلَّقَ بِشْرٌ الْإِبْهَامَ وَالْوُسْطَى وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ" رواه أبو داود (726).
وفي رواية النسائي تفصيل لبعض مواطن الرواية:
" قُلْتُ: لَأَنْظُرَنَّ إِلَى صَلَاةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ يُصَلِّي، فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ، فَقَامَ فَكَبَّرَ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى حَاذَتَا بِأُذُنَيْهِ، ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى كَفِّهِ الْيُسْرَى، وَالرُّسْغِ وَالسَّاعِدِ، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ رَفَعَ يَدَيْهِ مِثْلَهَا، قَالَ: وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، ثُمَّ لَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ رَفَعَ يَدَيْهِ مِثْلَهَا، ثُمَّ سَجَدَ، فَجَعَلَ كَفَّيْهِ بِحِذَاءِ أُذُنَيْهِ، ثُمَّ قَعَدَ وَافْتَرَشَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى، وَوَضَعَ كَفَّهُ الْيُسْرَى عَلَى فَخِذِهِ وَرُكْبَتِهِ الْيُسْرَى، وَجَعَلَ حَدَّ مِرْفَقِهِ الْأَيْمَنِ عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى، ثُمَّ قَبَضَ اثْنَتَيْنِ مِنْ أَصَابِعِهِ، وَحَلَّقَ حَلْقَةً، ثُمَّ رَفَعَ إِصْبَعَهُ، فَرَأَيْتُهُ يُحَرِّكُهَا يَدْعُو بِهَا".
كما وردت أحاديث أخرى في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم تبين مواضع اليدين في الصلاة.
ثانيا:
وضع اليدين في القيام له صفتان:
الأولى: أن يضع كفه اليمنى على كفه اليسرى والرسغ والساعد.
فعن وَائِل بْن حُجْرٍ أنه قال : قُلْتُ : لأَنْظُرَنَّ إِلَى صَلاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ يُصَلِّي، فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ، فَقَامَ فَكَبَّرَ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى حَاذَتَا بِأُذُنَيْهِ ، ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى ظَهْرِ كَفِّهِ الْيُسْرَى وَالرُّسْغِ وَالسَّاعِدِ.... الحديث" رواه أبو داود (726) وصححه الألباني.
قال السندي رحمه الله :
«والرسغ: وَهُوَ مفصل بَين الْكَفّ والساعد. وَالْمرَاد أَنه وضع بِحَيْثُ صَار وسط كَفه الْيُمْنَى على الرسغ وَيلْزم مِنْهُ أَن يكون بَعْضهَا على الْكَفّ الْيُسْرَى وَالْبَعْض على الساعد" انتهى من "حاشية السندي على سنن النسائي" (2/ 126).
الثانية: أن يقبض بيده اليمنى على اليسرى.
فعَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ رضي الله عنه قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ قَائِمًا فِي الصَّلاةِ، قَبَضَ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ" رواه النسائي (887) وصححه الألباني.
قال الشيخ الألباني رحمه الله:
" وكان يضع اليمنى على ظهر كفه اليسرى، والرسغ والساعد، وأمر بذلك أصحابه.
وكان أحياناً يقبض باليمنى على اليسرى". انتهى من "صفة صلاة النبي" (ص 68).
وأما أين محل وضعها:
فهذا محل خلاف بين العلماء، فمنهم من يرى أنها توضع على الصدر، ومنهم من يرى أنها توضع تحت السرة في حق الرجال وعلى الصدر للمرأة، ومنهم من يرى أنها توضع بين الصدر والسرة، ويرى بعض المالكية إرسال اليد وعدم قبضها وهو مرجوح.
جاء في "الموسوعة الفقهية الكويتية" (38/ 369):
«ومكان وضع اليدين، بهذه الكيفية: هو تحت الصدر، وفوق السرة. وهذا عند المالكية والشافعية ورواية عند الحنابلة. وهو قول سعيد بن جبير، لما روى وائل بن حجر قال: صليت مع رسول الله، ووضع يده اليمنى على يده اليسرى على صدره.
وعند الحنفية، وفي الرواية الأخرى عند الحنابلة: أنه يضع يديه تحت سرته. وروي ذلك عن علي وأبي هريرة وأبي مجلز والنخعي والثوري وإسحاق. لما روي عن علي أنه قال: من السنة وضع الكف على الكف في الصلاة تحت السرة». انتهى.
وانظر: "الموسوعة الفقهية الكويتية" (3/ 94) و"الفقه على المذاهب الأربعة للجزيري" (1/227).
والذي نرجحه في الموقع: أنها توضع على الصدر.
فعن وائل بن حجر رضي الله عنه قال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووضع يده اليمنى على يده اليسرى على صدره" رواه ابن خزيمة (479) وصححه الألباني.
قال السندي رحمه الله:
وبالجملة: فكما صح أن الوضع هو السنة، دون الإرسال؛ ثبت أن محله الصدر، لا غير.
وأما حديث: أن من السنة وضع الأكف على الأكف في الصلاة تحت السرة= فقد اتفقوا على ضعفه. كذا ذكره ابن الهمام، نقلا عن النووي، وسكت عليه" انتهى من "حاشية السندي على سنن ابن ماجه" (1/ 271).
وقال الشيخ ابن عثيمين :
" وهذه الصفة – أعني : وَضْع اليدين تحت السُّرَّة - هي المشروعة على المشهور مِن المذهب ، وفيها حديث علي رضي الله عنه أنه قال : ( مِن السُّنَّةِ وَضْعُ اليدِ اليُمنى على اليُسرى تحت السُّرَّةِ ) – رواه أبو داود وضعفه النووي وابن حجر وغيرهما - .
وذهب بعضُ العلماء : إلى أنه يضعها فوق السُّرة ، ونصَّ الإِمام أحمد على ذلك .
وذهب آخرون مِن أهل العِلم : إلى أنه يضعهما على الصَّدرِ.
وهذا هو أقرب الأقوال ، والوارد في ذلك فيه مقال ، لكن حديث سهل بن سعد الذي في البخاري: ظاهرُه يؤيِّد أنَّ الوَضْعَ يكون على الصَّدرِ ، وأمثل الأحاديث الواردة على ما فيها من مقال حديث وائل بن حُجْر أن النبي صلى الله عليه وسلم : ( كان يضعُهما على صدرِه ) ."الشرح الممتع" (3/36، 37) .
وقال الشيخ الألباني: " وضعهما على الصدر هو الذي ثبت في السنة، وخلافه إما ضعيف، أو لا أصل له " انتهى من في "صفة صلاة النبي" (ص 69).
والأمر في هذا واسع، إن شاء الله، ولا ينبغي لطلبة العلم التنازع فيه، وجعل ما يترجح لديهم فيه معيارا لامتثال السنة من عدمه.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله:
"السنة: وضعهما على الصدر؛ لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث وائل، ومن حديث قبيصة بن هلب الطائي عن أبيه "أنه كان يضعهما على صدره عليه الصلاة والسلام"، وثبت مرسلًا من طريق طاوس بن كيسان التابعي الجليل عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يؤيد المرفوع.
وبعض أهل العلم يرى وضعها على السرة، وبعض أهل العلم يرى وضعهما تحت السرة، والحديث في هذا ضعيف -تحت السرة- والأفضل فوق الصدر، هذا هو الأفضل؛ لأن الأحاديث فيها أصح، الأحاديث في ذلك أصح.
والأمر في هذا واسع، كله سنة، لو سدلهما صحت صلاته، لو أرسلهما كما قال بعض أهل العلم صحت صلاته، ولكن السنة أن يضمهما إلى صدره ولا يرسلهما، هذا هو السنة.
ولا ينبغي في هذا النزاع والخلاف والجدل والفرقة، بل ينبغي في هذا التسامح والتيسير؛ لأن الاجتماع والتعاون على الخير أمر مطلوب.
والذي يجعلها تحت السرة: تأول قول بعض أهل العلم، وبعض الأحاديث الضعيفة؛ فلا ينبغي التشنيع والتشديد في هذا المقام، ينبغي الرفق والحكمة في هذا، والنصيحة، بدون فرقة ولا اختلاف ولا تشنيع.
ولكن الأفضل للمؤمن: أن يتحرى ما هو الأثبت، وما هو الأقرب إلى الصواب، في مسائل الخلاف" انتهى من "فتاوى نور على الدرب لابن باز" (8/ 143).
والله أعلم