ولد الإمام أحمد في سنة 164 هـ، لكن بداية طلبه للحديث كانت سنة 179 هـ، وأما بداية رحلاته لسماع الحديث وطلب الإسناد العالي، فكانت بعد ذلك في سنة 183 هـ.
قال الذهبي رحمه الله تعالى:
" قال صالح، قال لي أبي: وُلِدْت في ربيع الأوّل، سنة أربع وستّين ومائة...
قال حنبل: سمعت أبا عبد الله يقول:
طلبت الحديث سنة تسع وسبعين، فسمعت بموت حمّاد بن زيد وأنا في مجلس هُشَيْم " انتهى. "سير أعلام النبلاء" (11 / 179).
وقال الذهبي رحمه الله تعالى:
" قال ابن أبي حاتم: أخبرنا أبو زرعة:
أنّ أحمد أصله بصريٌ، وخطّته بمرو، وحدّثنا صالح، سمعت أبي يقول:
مات هُشَيْم، فخرجت إلى الكوفة سنة ثلاث وثمانين، وأوّل رحلاتي إلى البصرة سنة ست، وخرجت إلى سفيان سنة سبع، فقدمنا، وقد مات الفضيل بن عياض " انتهى. "سير أعلام النبلاء" (11 / 183).
وفي سنة 179 هـ، لا يعلم أنه بقي تابعي إلى هذا الزمن.
وغاية ما قيل: أنّ خلف بن خليفة هو آخر تابعي وفاة، وتوفي سنة 180 هـ.
قال ابن الملقن رحمه الله تعالى:
" فائدة لم يذكرها الشّيخ ونصّ عليها بعضهم:
أن أول التّابعين وفاة: أبو زيد معضد بن زيد، قتل بخراسان، وقيل بأذربيجان، وقيل بتستر، سنة ثلاثين في خلافة عثمان.
وآخرهم موتا: خلف بن خليفة، مات سنة ثمانين ومئة " انتهى. "المقنع في علوم الحديث" (2 / 515).
قالوا هو تابعي، لأنه زعم أنه أدرك عمرو بن حريث الصحابي رضي الله عنه.
وقد أدرك الإمام أحمد خلف بن خليفة والتقى به، لكن الإمام نفسه صرح بأن خلفا هذا لم يدرك صحابيا؛ فليس بتابعي.
قال عبد الله ابن الإمام أحمد رحمهما الله تعالى:
" حدثني عبد الله بن صندل، قال: حدثنا خلف بن خليفة، قال: رأيت عمرو بن حريث صاحب النبي صلى الله عليه وسلم وأنا يومئذ ابنُ ست سنين.
سمعت أبي [أي: الإمام أحمد] يقول: بلغني عن سفيان بن عيينة أنه قال: أخطأ إن كان لعل رأى جعفر بن عمرو بن حريث.
سمعت أبي مرة أخرى يقول: قيل لسفيان بن عيينة إن رجلا بالكوفة، أظنه قال: يقال له خلف بن خليفة، يزعم أنه رأى عمرو بن حريث؟ فقال: كذب، لعله رأى جعفر بن عمرو بن حريث" انتهى. "العلل ومعرفة الرجال لأحمد رواية ابنه عبد الله" (3 / 376).
وجاء في "تهذيب الكمال" (8 / 287):
" وقال أبو الحسن الميموني: سمعت أبا عبد اللَّه يُسأل: رأى خلف بن خليفة عمرو بن حريث؟ قال: لا؛ ولكنه عندي شُبِّه عليه حين قال: رأيت عمرو بن حريث.
قال أبو عبد الله: هذا ابن عيينة، وشعبة والحجاج لم يروا عمرو بن حريث، يراه خلف؟! ما هو عندي إلا شُبِّه عليه " انتهى.
والحاصل:
أن خلف بن خليفة لم يدرك عمرو بن حريث، رغم أن ابن حريث رضي الله عنه، ممن تأخرت وفاته من صغار الصحابة.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
" عمرو بن حريث بن عمرو بن عثمان بن عبد اللَّه بن عمرو بن مخزوم القرشي.
له ولأبيه صحبة. قال ابن حبّان: ولد في أيام بدر. وقال غيره: قبل الهجرة بسنتين…
وروى عنه ابنه جعفر وآخرون من أهل الكوفة، من أصغرهم فطر بن خليفة، ويقال: إن خلف بن خليفة رآه، ولا يصحّ ذلك.
قال البخاريّ وابن حبّان وغير واحد: مات سنة خمس وثمانين، وكان قد ولى إمرتها نيابة لزياد، ولابنه عبد اللَّه بن زياد، ويقال: مات سنة ثمان وتسعين، ولم يثبت " انتهى. "الإصابة في تمييز الصحابة" (7 / 358).
ثم إن الإمام أحمد مع إمامته في الحديث وسعة مروياته وكثرة شيوخه، لو كان أدرك بعض التابعين، لوجدت له بعض الثنائيات في الإسناد بأن يكون بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم أحيانا راويان فقط، التابعي ثم الصحابي، كما عند الإمام مالك مثلا، وهذا ما لا يوجد، فأعلى إسناد عند الإمام أحمد إنما هو إسناد ثلاثي؛ أي بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث طبقات: تابع التابعي، ثم التابعي، ثم الصحابي.
الخلاصة:
الإمام أحمد رحمه الله تعالى، لا يُعد في طبقة أتباع التابعين، بل في التي تليهم؛ لأنه لم يدرك أحدا من طبقة التابعين، وليست له رواية عن أحدٍ منهم.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى، مميزا لطبقات الرواة:
" التاسعة: الطبقة الصغرى من أتباع التابعين: كيزيد بن هارون...
العاشرة: كبار الآخذين عن تبع الأتباع، ممن لم يلق التابعين، كأحمد بن حنبل " انتهى. " تقريب التهذيب" (ص 75).
والله أعلم.
