هذا الحديث رواه الإمام أحمد في "المسند" (44 / 142)، وأبو داود (4115)، وغيرهما: عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ وَهْبٍ مَوْلَى أَبِي أَحْمَدَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ: " أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَيْهَا وَهِيَ تَخْتَمِرُ، فَقَالَ: لَيَّةً، لَا لَيَّتَيْنِ .
وإسناد هذا الخبر لا يصح، لجهالة وَهْبٍ مَوْلَى أَبِي أَحْمَدَ.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
" وهب مولى أبي أحمد: مجهول من الثالثة، وقيل هو أبو سفيان الآتي في الكنى " انتهى. "تقريب التهذيب" (ص585).
وقال محققو المسند:
" إسناده ضعيف؛ لجهالة وهب مولى أبي أحمد، فقد تفرَّد بالرواية عنه حبيب بنُ أبي ثابت، وجهَّله ابنُ القطان والحافظان الذهبيُّ وابنُ حجر، وذكره ابن حبان في "ثقاته" على عادته في توثيق المجاهيل " انتهى.
وعلى أي حال؛ فالحديث لم يُحمل معناه على النهي عن لف الخمار حتى يكون ثخينا لا يشف ما تحته، وإنما حمل على لي الخمار ولفه على شكل العمامة، كما تفعله بعض النساء في عصرنا، حيث تدير الخمار على رأسها فيظهر على شكل عمامة الرجل.
قال أبو داود رحمه الله تعالى عقب روايته للحديث:
" مَعْنَى قَوْلِهِ: ( لَيَّةً لَا لَيَّتَيْنِ )، يَقُولُ: لَا تَعْتَمُّ مِثْلَ الرَّجُلِ، لَا تُكَرِّرُهُ طَاقًا أَوْ طَاقَيْنِ " انتهى.
وقال الخطابي رحمه الله تعالى:
" يشبه أن يكون إنما كره لها أن تلوي الخمار على رأسها ليتين، لئلا يكون إذا تعصبت بخمارها صارت كالمتعمم من الرجال، يلوي أطراف العمامة على رأسه، وهذا على معنى نهيه النساء عن لباس الرجال والرجال عن لباس النساء " انتهى. "معالم السنن" (4 / 199).
وعلى ذلك؛ يشبه هذا الخبر معنى حديث أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا: قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ، مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ، رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ، لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا رواه الإمام مسلم (2128).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" وهؤلاء ظهروا بعده بمدة طويلة، وظهر النسوة بعد ذلك بسنين كثيرة، وعلى رءوسهن عمائم كأسنمة الجمال البخاتي، يسمون العمامة سنام الجمل " انتهى. "الجواب الصحيح" (6 / 122).
فالحاصل؛ أنه لا حرج في لف الخمار حتى لا يشف ويظهر ما تحته من جسم المرأة، لكن بشرط ألا يؤدي هذا اللف إلى إظهار حجم العنق، أو انحساره عن الكتفين والصدر فيظهر بذلك حجمهما؛ لأن من شرط الحجاب الشرعي أن لا يظهر حجم الأعضاء.
وقد سبق بيان هذه المسألة في جواب السؤال رقم: (264571).
الخلاصة:
الحديث لم يصح سنده، وعلى القول بصحته فلم يحمل معناه على لف الخمار حتى يكون ثخينا لا يشف، وإنما حمل النهي على لف الخمار على هيئة العمامة لما فيه من التشبه بالرجال.
ثم لف الخمار إن كان لا يشابه العمامة: فهو جائز؛ إذا لم يؤد إلى تحجيم العنق أو إلى انحساره عن الكتفين والصدر فيظهر حجمهما.
والله أعلم.