هذا الحديث لا يصح، ولو صح فهو محمول على من يتكاسل عن أداء الفراض، أما مجرد ترك القيام بالليل فلا وعيد فيه.
هل يبغض الله تعالى من لا يقوم الليل؟
السؤال: 533576
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (إن الله يبغض كل جعظري جواظ صخاب بالأسواق، جيفة بالليل، حمار بالنهار، عالم بالدنيا، جاهل بالآخرة)،
أنا دائما أحاول أن أستخدم وقتي في الأشياء المفيدة مثل العمل وطلب العلم والعبادة، لكن أنا فقط استيقظ لصلاة الفجر لا أقوم الليل، أحيانا استيقظ على ساعة 2:00 لكن أعود إلى النوم، فهل أنا أدخل في هذا الحديث مع العلم إن صلاة الليل ليست بواجب؟
ملخص الجواب
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
أولا:
هذا الخبر رواه ابن حبان "الإحسان" (1 / 273 — 274)، و البيهقي في "السنن الكبير" (21 / 38): عن عَبْد الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ كُلَّ جَعْظَرِيٍّ جَوَّاظٍ سَخَّابٍ بِالْأَسْوَاقِ، جِيفَةٍ بِاللَّيْلِ حِمَارٍ بِالنَّهَارِ، عَالِمٍ بِأَمْرِ الدُّنْيَا جَاهِلٍ بِأَمْرِ الْآخِرَةِ .
وقد جوّد إسناده الذهبي في "المهذب في اختصار السنن الكبير" (8 / 4201).
لكن في إسناده انقطاع.
قال ابن أبي حاتم رحمه الله تعالى:
" سمعت أبي يقول: سعيد بن أبي هند لم يلق أبا هريرة " انتهى. "المراسيل" (ص75).
وبهذا الانقطاع ضعفه الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" بعد أن كان قد صححه في "السلسلة الصحيحة"، فقال رحمه الله تعالى:
" ضعيف، رواه ابن حبان في " صحيحه " (72 - الإحسان): أخبرنا أحمد بن محمد بن الحسن: حدثنا أحمد بن يوسف السلمي: أنبأنا عبد الرزاق: أنبأنا عبد الله بن سعيد بن أبي هند عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فذكره.
قلت: وهذا سند صحيح، رجاله كلهم ثقات معروفون من رجال مسلم؛ غير شيخ ابن حبان أحمد بن الحسن، وهو أبو حامد النيسابوري المعروف بابن الشرقي؛ قال الخطيب (4 /426 - 427): " وكان ثقة ثبتا متقنا حافظا ".
وتابعه أبو بكر القطان: حدثنا أحمد بن يوسف السلمي به. أخرجه البيهقي (10/ 194) .
ثم تبين أنه منقطع بين سعيد وأبي هريرة، كما تقدم في الحديث الذي قبله، فراجعه، وقد كان في " الصحيحة " أيضا (195) . وقال العراقي في " تخريج الإحياء " (2 /44):
" رواه أبو بكر بن لال في "مكارم الأخلاق" من حديث أبي هريرة بسند ضعيف " انتهى. "سلسلة الأحاديث الضعيفة " (5 / 328).
وقال الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله تعالى:
" هذا الحديث كثيرا ما حدَّثْنا به، وذلك لأن رجاله كلهم ثقات، ولكن أبا حاتم يقول: سعيد بن أبي هند لم يلق أبا هريرة، كما في "المراسيل"، ونقل هذا الحافظ العلائي في "جامع التحصيل" مقرا له " انتهى. "أحاديث معلة ظاهرها الصحة" (ص413).
وقد ورد من طريق آخر لكنه ضعيف أيضا؛ لأن مداره على راو متروك الحديث.
رواه أبو الشيخ في "الأمثال" (ص 146) ، والمستغفري في "فضائل القرآن" (1 / 394)، وإسماعيل الأصفهاني في "الترغيب والترهيب" (3 / 283): عن عبد الله بن سعيد المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة، الحديث.
قال الذهبي رحمه الله تعالى:
" عبد الله بن سعيد بن ابي سعيد المقبري، عن أبيه: تركوه " انتهى. "المغني في الضعفاء" (1 / 340).
قال ابن الأثير رحمه الله تعالى:
" الجعظرىّ: الفظّ الغليظ المتكبّر، وقيل: هو الّذي ينتفخ بما ليس عنده وفيه قصر " انتهى. "النهاية في غريب الحديث" (1 / 276).
وقال رحمه الله تعالى:
" الجَوَّاظ: الجموع المنوع. وقيل الكثير اللّحم المختال في مشيته ... " انتهى. "النهاية في غريب الحديث" (1 / 316).
ثانيا:
وأما من حيث المعنى:
فالرجل المتكبر المختال قد صحت النصوص بعدم محبة الله تعالى له والوعيد له بالعذاب.
كقول الله تعالى: وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ لقمان/18.
وأما (جِيفَةٍ بِاللَّيْلِ)؛ فعلى فرض صحة الخبر، فإن حمل على المتكاسل عن فرائض الليل من صبح وعشاء، فهذا حق، لأن هذا حال الكفار والمنافقين المبغوضين لله تعالى؛ يوثرون النوم على ما افترض عليهم من عبادة الله تعالى.
وأما إن حُمِل معناه على المسلم المقيم للصلوات الخمس المحافظ عليها في جماعة، لكنه تارك لقيام الليل، فهذا أمر ليس بصواب؛ لأن قيام الليل ليس بواجب، ولكنه تطوع، كما نقل الإجماع على هذا غير واحد من أهل العلم، ومن ذلك قول النووي رحمه الله تعالى:
" فأما الأمة فهو [قيام الليل] تطوع في حقهم بالإجماع، وأما النبي صلى الله عليه وسلم فاختلفوا في نسخه في حقه، والأصح عندنا نسخه.
وأما ما حكاه القاضي عياض عن بعض السلف: أنه يجب على الأمة من قيام الليل، ما يقع عليه الاسم، ولو قدر حلب شاة= فغلط، ومردود بإجماع من قبله، مع النصوص الصحيحة أنه لا واجب إلا الصلوات الخمس" انتهى. "شرح صحيح مسلم" (6 / 26).
ومن يقوم بالواجبات ويجتنب المحرمات، فليس بمبغوض إلى الله تعالى، بل موعود بالفلاح وإن ترك صلاة التطوع.
عن طَلْحَةَ بْن عُبَيْدِ اللَّهِ، قال: "جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ ثَائِرَ الرَّأْسِ، يُسْمَعُ دَوِيُّ صَوْتِهِ وَلاَ يُفْقَهُ مَا يَقُولُ، حَتَّى دَنَا، فَإِذَا هُوَ يَسْأَلُ عَنِ الإِسْلاَمِ؟
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي اليَوْمِ وَاللَّيْلَةِ .
فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟
قَالَ: لاَ، إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَصِيَامُ رَمَضَانَ.
قَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُ؟
قَالَ: لاَ، إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ.
قَالَ: وَذَكَرَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزَّكَاةَ.
قَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟
قَالَ: لاَ، إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ.
قَالَ: فَأَدْبَرَ الرَّجُلُ وَهُوَ يَقُولُ: وَاللَّهِ لاَ أَزِيدُ عَلَى هَذَا وَلاَ أَنْقُصُ.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ رواه البخاري (46)، ومسلم (11).
قال ابن عبد البرّ رحمه الله تعالى:
" فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ ): ففيه دليل والله أعلم على أن من أدى فرائض الله، وجبت له الجنة إذا اجتنب محارمه؛ لأن الفلاح معناه البقاء في نعيم الجنة التي أكلها دائم وظلها، وفاكهتها لا مقطوعة ولا ممنوعة؛ وعلى أداء فرائض الله واجتناب محارمه، وعد الله المؤمنين بالجنة والله لا يخلف الميعاد " انتهى. "التمهيد" (16 / 174).
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى:
" طبقة أهل النجاة، وهي طبقة من يؤدى فرائض الله ويترك محارمه، مقتصراً عل ذلك لا يزيد عليه ولا ينقص منه. فلا يتعدى إلى ما حرم الله عليه، ولا يزيد على ما فرض عليه.
هذا من المفلحين، بضمان رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن أخبره بشرائع الإسلام، فقال: والله لا أزيد على هذا ولا أنقص منه؛ فقال صلى الله عليه وسلم: ( أفلح إن صدق )، وأصحاب هذه الطبقة مضمون لهم على الله تكفير سيئاتهم، إذا أدوا فرائضه واجتنبوا كبائر ما نهاهم عنه.
قال تعالى: ( إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تَنْهُونَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً ) " انتهى. "طريق الهجرتين" (2 / 825).
بل من صلى العشاء والفجر في جماعة فقد أخذ بحظ من قيام الليل.
عن عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي عَمْرَةَ، قَالَ: دَخَلَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ الْمَسْجِدَ بَعْدَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ، فَقَعَدَ وَحْدَهُ، فَقَعَدْتُ إِلَيْهِ، فَقَالَ، يَا ابْنَ أَخِي! سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ رواه مسلم (656).
الخلاصة:
هذا الحديث في إسناده ضعف.
ومن يحافظ على الصلوات الخمس جماعة، فليس عليه وعيد إن ترك قيام الليل.
لكنه يفوته خير كثير، ويفوّت على نفسه مزيد أجر وقربة إلى الله تعالى.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" قال الله تعالى: (فَبَشِّرْ عِبَادِ ، الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ)
والقرآن تضمن خبرا وأمرا فالخبر عن الأبرار والمقربين ...
فلا ريب أن اتباع الصنفين حسن واتباع المقربين أحسن، والأمر يتضمن الأمر بالواجبات والمستحبات.
ولا ريب أن الاقتصار على فعل الواجبات حسن، وفعل المستحبات معها أحسن، ومن اتبع الأحسن، فاقتدى بالمقربين، وتقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض، كان أحق بالبشرى" انتهى. "مجموع الفتاوى" (16 / 6 – 7).
والله أعلم.
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
هل انتفعت بهذه الإجابة؟