هل صحيح أن أكثر العلماء يعملون بالأحاديث الضعيفة؟

السؤال: 533536

قال بعضهم في بيان جواز الاستدلال بالحديث الضعيف: " الضعيف يعمل به في فضائل الأعمال، وأكثر من نصف الأحكام الفقهية الهامة جدا مبنية على أحاديث ضعيفة، وهذا مذهب الائمة الأربعة وابن تيمية، قال: الأمر عندنا العمل بالحديث الضعيف، وأكثر الأحاديث الضعيفة قالها الرسول صلى الله عليه وسلم فعلا، أو لها أصل في أقوال الصحابة والتابعين رضي الله عنهم.
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من بلغه عَن الله عز وجل شَيْء فِيهِ فَضِيلَة فَأخذ بهَا إِيمَانًا بِهِ ورجاء ثَوَابه أعطاه الله عز؛ وَجل ذَلِكَ وَإِن لم يكن كَذَلِك) هذا الحديث حسنة الإمام أحمد و ابو دواد و صححه الكثير، وله رواية أخرى من طريق آخر، واستدل.
- حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ خَلَفِ الْقُرَشِيُّ، بِمِصْرَ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَهْبٍ، ثنا عَمِّي، قَالَ: حَدَّثَنِي الْمَاضِي بنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ بَلَغَهُ عَنِ اللَّهِ رَغْبَةٌ، فَطَلَبَ ثَوَابَهَا، أَعْطَاهُ اللَّهُ أَجْرَهَا، وَإِنْ لَمْ تَكُن الرَّغْبَةُ عَلَى مَا بَلَغَهُ، قُلْتُهُ أَوْ لَمْ أَقُلْهُ فَأَنَا قُلْتُهُ)
قال ابن عباس ما سمعت من النبي حديثا أقر لعيني من هذا الحديث، وهذه الأحاديث حجة قاطعة على جواز العمل بالحديث الضعيف، وأحد الصالحين رأي النبي صلى الله عليه وسلم وعن هذا الحديث فقال له هذه البنية عني وأنا قلته، أي من عمل بثواب حديث بلغه عن النبي مخلصا محتسباً أعطاه الله ذلك الثواب وإن لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم قاله فعلا".

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

أولا:

من التدليس والكذب أن ينسب إلى أئمة العلم الاحتجاج والاستدلال في الأحكام بالضعيف منفردا، كيف وأئمة العلم من عهد الصحابة إلى عصرنا يتحرون صحيح الأحاديث ويفتشون في أسانيدها ليميزوا المقبول من المردود؟!

قال ابْنِ سِيرِينَ: ( لَمْ يَكُونُوا يَسْأَلُونَ عَنِ الْإِسْنَادِ، فَلَمَّا وَقَعَتِ الْفِتْنَةُ، قَالُوا: سَمُّوا لَنَا رِجَالَكُمْ، فَيُنْظَرُ إِلَى أَهْلِ السُّنَّةِ فَيُؤْخَذُ حَدِيثُهُمْ، وَيُنْظَرُ إِلَى أَهْلِ الْبِدَعِ فَلَا يُؤْخَذُ حَدِيثُهُمْ ) رواه مسلم في "مقدمة صحيحه" (1 / 15).

قال العلائي رحمه الله تعالى:

" لأن المبتدعة كذَبت أحاديث كثيرة تشيد بها بدعتها، قال ابن عباس رضي الله عنه -لما بلغه ما وضعه الرافضة من أهل الكوفة على علي رضي الله عنه-: " قاتلهم الله أي علم أفسدوا". رواه مسلم في مقدمة صحيحه أيضا.

قال الإمام الشافعي رحمه الله: كان ابن سيرين، وعروة بن الزبير، وطاووس، وإبراهيم النخعي، وغير واحد من التابعين؛ يذهبون إلى أن لا يقبلوا الحديث إلا عن ثقة يعرف ما يروي، ويحفظ، وما رأيت أحدا من أهل الحديث يخالف هذا المذهب " انتهى. "جامع التحصيل" (ص 69 – 70).

وقال ابن عدي رحمه الله تعالى:

" وقد أقام الله عز وجل قوما من صحابة نبينا صلى الله عليه وسلم، والتابعين بعدهم، وتابعي التابعين وإلى يومنا هذا من يبين أحوالهم، وينبه على الضعفاء منهم، ويعتبر رواياتهم ليعرف بذلك صحيح الأخبار من سقيمها...

وهم في المرتبة التي يُسْمَع ذلك منهم، ويقبل قولهم فيهم لمعرفتهم بهم، إذ هو علم يدق، ولا يحسنه إلا من فهمه الله ذلك " انتهى. "الكامل في ضعفاء الرجال" (1 / 78).

فأوجدوا علوما لتمييز الصحيح والمقبول، وكتب أصول الفقه في جميع المذاهب تخصص مبحثا لبيان المقبول من الأخبار والمردود منها، وما زال أهل العلم في مسائل الخلاف يردون على من يستدل بالضعيف، وينكرون عليه، فمن يقول بعد هذا أن ضعيف الأخبار كصحيحها في الاستدلال فهو ينسب أهل العلم إلى العبث، حيث يشتغلون بعلوم لا طائل تحتها!

فالثابت عن أئمة العلم وسبيلهم ومنهجهم أن الضعيف بمفرده لا يعتمد عليه ولا يحتج به.

قال النووي رحمه الله تعالى:

" فإن الأئمة لا يروون عن الضعفاء شيئا يحتجون به على انفراده في الأحكام، فإن هذا شيء لا يفعله إمام من أئمة المحدثين، ولا محقق من غيرهم من العلماء.

وأما فعل كثيرين من الفقهاء، أو أكثرهم، ذلك، واعتمادهم عليه: فليس بصواب، بل قبيح جدا؛ وذلك لأنه إن كان يعرف ضعفه لم يحل له أن يحتج به؛ فإنهم متفقون على أنه لا يحتج بالضعيف في الأحكام " انتهى. "شرح صحيح مسلم" (1 / 126).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

"‌ولا يجوز أن يعتمد في الشريعة على الأحاديث الضعيفة التي ليست صحيحة ولا حسنة.

لكن أحمد بن حنبل وغيره من العلماء جوزوا أن يروى في فضائل الأعمال ما لم يعلم أنه ثابت، إذا لم يُعلم أنه كذب.

وذلك أن العمل إذا علم أنه مشروع، بدليل شرعي، ورُوي في فضله حديث لا يُعلم أنه كذب: جاز أن يكون الثواب حقا.

ولم ‌يقل ‌أحد ‌من ‌الأئمة ‌إنه ‌يجوز ‌أن ‌يجعل ‌الشيء واجبا أو مستحبا بحديث ضعيف. ومن قال هذا فقد خالف الإجماع " انتهى. "مجموع الفتاوى" (1 / 250 - 251).

ثانيا:

أكثر أهل العلم يذهبون إلى التساهل في رواية الضعيف في فضائل الأعمال.

قال ابن الملقن رحمه الله تعالى:

" الضّعيف لا يحتج به في الأحكام والعقائد.

ويجوز روايته والعمل به في غير الأحكام، كالقصص وفضائل الأعمال والتّرغيب والترهيب. كذا ذكره النّوويّ وغيره ... " انتهى. "المقنع في علوم الحديث" (1 / 104).

وليس معنى ذلك عندهم أنه يثبت استحباب عمل استنادا إلى حديث ضعيف؛ لأن الاستحباب حكم شرعي، وقد سبق اتفاق أئمة العلم على أنه لا يعتمد على الضعيف منفردًا لإثبات حكم شرعي. وإنما المقصود: أنه إذا ثبت استحباب عمل بنص صحيح، ثم وردت رواية ضعيفة، ليست شديدة الضعف، تذكر لهذا العمل المستحب فضيلة أو أجرًا= فإنه يستأنس بهذا الضعيف، ويرجى الأجر الوارد فيه، إيمانا بسعة كرمه سبحانه وتعالى، مع عدم القطع بثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

" قول أحمد بن حنبل: إذا جاء الحلال والحرام شددنا في الأسانيد؛ وإذا جاء الترغيب والترهيب تساهلنا في الأسانيد؛ وكذلك ما عليه العلماء من العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال: ليس معناه إثبات الاستحباب بالحديث الذي لا يحتج به؛ فإن الاستحباب حكم شرعي فلا يثبت إلا بدليل شرعي، ومن أخبر عن الله أنه يحب عملا من الأعمال من غير دليل شرعي، فقد شرع من الدين ما لم يأذن به الله، كما لو أثبت الإيجاب أو التحريم؛ ولهذا يختلف العلماء في الاستحباب، كما يختلفون في غيره بل هو أصل الدين المشروع.

وإنما مرادهم بذلك: أن يكون العمل مما قد ثبت أنه مما يحبه الله، أو مما يكرهه الله؛ بنص أو إجماع " انتهى. "مجموع الفتاوى" (18 / 65).

ولمزيد الفائدة تحسن مطالعة جواب السؤال رقم (44877).

ثالثا:

ما استدل به صاحب هذا القول من آثار، فهي ضعيفة لا تثبت.

فحديث: ( مَنْ بَلَغَهُ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَضِيلَةٌ، فَأَخَذَ بِهَا إِيمَانًا وَرَجَاءَ ثَوَابِهَا، أَعْطَاهُ اللَّهُ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ).

هذا الخبر رواه ابن عرفة "جزء ابن عرفة" (ص78)، وابن شاهين في "شرح مذاهب أهل السنة" (ص 56)، والخلال في "فضائل شهر رجب" (ص78)، وغيرهم: عَنْ فُرَاتِ بْنِ سَلْمَانَ، وَعِيسَى بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ‌‌الحديث.

وهذا إسناد ضعيف؛ لأن مداره على أَبِي رَجَاء وهو لا يعرف.

قال السخاوي رحمه الله تعالى:

" وخالد وفرات فيهما مقال، وأبو رجاء لا يُعرف " انتهى. "المقاصد الحسنة" (5 / 45 – 46).

وقال رحمه الله تعالى:

" حديث: ( من بلغه عن اللهِ عز وجل شيءٌ فيه فضيلةٌ فأخذ به إيمانًا به ورجاء ثوابه أعطاه اللهُ ذلك وإن لم يكن كذلك ):

أبو الشيخ في "مكارم الأخلاق" من جهة بِشْر بن عُبيد، حدثنا حماد، عن أبي الزبير، عن جابر به مرفوعا.

وبشرٌ: متروك " انتهى. "المقاصد الحسنة" (5 / 44).

فالخبر ليس له إسناد يصح، بل هو ضعيف، وبعضهم حكم عليه بأنه موضوع مكذوب.

قال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى:

" العلماء اتفقوا على رد هذا الحديث، ما بين قائل بوضعه أو ضعفه، وهم: ابن الجوزي، وابن عساكر، وولداه، وابن حجر، والسخاوي، والسيوطي، والشوكاني، (وهم القوم لا يشقى جليسهم) " انتهى. "سلسلة الأحاديث الضعيفة" (1 / 652).

وأما حديث: ( مَنْ بَلَغَهُ ‌عَنِ ‌اللَّهِ ‌رَغْبَةٌ، فَطَلَبَ ثَوَابَهَا، أَعْطَاهُ اللَّهُ أَجْرَهَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنِ الرَّغْبَةُ عَلَى مَا بَلَغَهُ، قُلْتُهُ أَوْ لَمْ أَقُلْهُ فَأَنَا قُلْتُهُ ):

فرواه ابن شاهين في "شرح مذاهب أهل السنة" (ص58)، والمستغفري في "فضائل القرآن" (2 / 768): عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: الحديث.

ومدار إسناده على جويبر، وهو متروك الحديث.

قال الذهبي رحمه الله تعالى:

"‌ جويبر بن سعيد بن البلخي المفسر: قال الدارقطني، وغيره: متروك" انتهى. "المغني في الضعفاء" (1 / 138).

والحجة في دين الله تعالى إنما تقوم بصحيح الأخبار لا بضعافها؛ ومن العبث في الاستدلال، أن يستدل بحديث إسناده ضعيف على مشروعية العمل بالضعيف.

رابعا:

وأما ما ذكر من المنام، فالمنام ليس بحجة شرعية بالاتفاق، ولا يرد به الحكم الشرعي الثابت المتفق عليه بين علماء الأمة.

قال النووي رحمه الله تعالى:

" ... لا أنه [المنام] تبطل بسببه سنة ثبتت، ولا تثبت به سنة لم تثبت، وهذا بإجماع العلماء. هذا كلام القاضي. وكذا قاله غيره من أصحابنا وغيرهم؛ فنقلوا الاتفاق على أنه لا يغير بسبب ما يراه النائم ما تقرر في الشرع.

وليس هذا الذي ذكرناه مخالفا لقوله صلى الله عليه وسلم: ( مَنْ ‌رَآنِي ‌فِي ‌الْمَنَامِ فَقَدْ رَآنِي )، فإن معنى الحديث أن رؤيته صحيحة، وليست من أضغاث الأحلام وتلبيس الشيطان.

ولكن لا يجوز إثبات حكم شرعي به؛ لأن حالة النوم ليست ‌حالة ‌ضبط ‌وتحقيق لما يسمعه الرائي، وقد اتفقوا على أن من شرط من تقبل روايته وشهادته أن يكون متيقظا، لا مغفلا ولا سيء الحفظ ولا كثير الخطأ ولا مختل الضبط، والنائم ليس بهذه الصفة فلم تقبل روايته لاختلال ضبطه ... " انتهى. "شرح النووي على مسلم" (1 / 115). وينظر: الآداب الشرعية، لابن مفلح (3/488).

وقال الشوكاني رحمه الله تعالى:

" ولا يخفاك أن الشرع الذي شرعه الله لنا على لسان نبينا صلى الله عليه وسلم قد كمله الله عز وجل، وقال: ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ )، ولم يأتنا دليل يدل على أن رؤيته في النوم بعد موته صلى الله عليه وسلم، إذا قال فيها بقول، أو فعل فيها فعلا يكون دليلا وحجة، بل قد قبضه الله إليه بعد أن كمل لهذه الأمة ما شرعه لها على لسانه، ولم يبق بعد ذلك حاجة للأمة في أمر دينها، وقد انقطعت البعثة لتبليغ الشرائع، وتبيينها بالموت ...." انتهى. "إرشاد الفحول" (2 / 1020).

قال الشيخ د. محمد سليمان الأشقر، رحمه الله، بعد أن ذكر كلام النووي وغيره، وختمه بكلام الشوكاني:

«وهذا عندي هو الوجه المعتمد في الجواب، وأما ما تقدمه من الأجوبة ففيها نظر.

فالخلاصة ما قال الشاطبي: "على الجملة فلا يستدل بالرؤيا في الأحكام إلا ضعيف المنّة. نعم يأتي المرئيّ تأنيساً وبشارة ونذارة خاصة، بحيث لا يقطعون بمقتضاها حكماً، ولا يبنون عليها أصلًا. وهو الاعتدال في أخذها حسب ما فهم من الشرع فيها». انتهى، من "أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم ودلالتها على الأحكام الشرعية" (2/ 147).

والله أعلم.

المراجع

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android