97

لماذا ترك الإمام أحمد جملة من الآثار والأحاديث لم يدخلها في المسند؟

السؤال: 526482

لماذا لم يذكر الإمام أحمد في مسنده بعض الأثار أو الأحاديث التي رواها عبد الله عن أبيه في كتاب "السنّة"؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

أولا:

مصطلح "المسند" على الرأي المشهور عند أهل الحديث، هو الحديث المتصل إسناده من المحدث أو المصنف إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

قال الخطيب البغدادي رحمه الله تعالى:

"‌‌ معرفة ما يستعمله أصحاب الحديث من العبارات في صفة الأخبار، وأقسام الجرح والتّعديل مختصرا.

وصفهم للحديث بأنّه مسند: ‌يريدون ‌أنّ ‌إسناده ‌متّصل ‌بين ‌راويه وبين من أسند عنه، إلّا أنّ أكثر استعمالهم هذه العبارةَ هو فيما أُسْنِد عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم خاصّة.

واتّصال الإسناد فيه أن يكون كلّ واحد من رواته سمعه ممّن فوقه، حتّى ينتهي ذلك إلى آخره، وإن لم يبيّن فيه السّماع، بل اقتصر على العنعنة " انتهى. "الكفاية" (ص21).

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:

"والذي يظهر لي بالاستقراء من كلام أئمة الحديث وتصرفهم: أن المسند عندهم: ما أضافه من سمع النبي صلى الله عليه وسلم، إليه، بسند ظاهره الاتصال" انتهى. "النكت" (1 / 507).

وعلى هذا المعنى صنف عدد من أئمة الحديث المسانيد، لكن لم يرتبوها على الكتب والأبواب، كحال الصحاح والسنن، بل رتبوها على الصحابة، حيث يجمعون حديث كل صحابي على حدة.

قال الكتاني رحمه الله تعالى:

"‌‌ومنها كتب ليست على الأبواب ولكنها على المسانيد:

جمع مسند: وهي الكتب التي موضوعها جعل حديث كل صحابي على حدة، صحيحا كان أو حسنا أو ضعيفا " انتهى. "الرسالة المستطرفة" (ص60).

فعلى هذا الوجه صنف الإمام أحمد رحمه الله تعالى "المسند".

قال محققو المسند:

"ويظهر أن الإمام أحمد قد توخّى ترتيب الصحابة في مسنده حسب اعتبارات عدة، منها الأفضلية، والسابقة في الإِسلام، والشرافة النسبية، وكثرة الرواية، إذ بدأ مسندَه بمسانيد الخلفاء الأربعة، ثم مسانيد بقية العشرة المبشرين بالجنة، ثم مسند أهل البيت، ثم مسانيد المكثرين من الرواية كالعبادلة الأربعة: ابن عباس، وابن مسعود، وابن عمر، وابن عمرو، ثم مسند المكيّين، ثم مسند المدنيين، ثم مسند الشاميين، ثم مسند الكوفيين، ثم مسند البصريين، ثم مسند الأنصار، ثم مسند النساء " انتهى. "مسند أحمد" (1 / 51).

والإمام أحمد في جمعه للمسند، لم يقصد استيعاب كل ما عنده من روايات، بل اختار منها.

روى ابن أبي يعلى في "طبقات الحنابلة" (1 / 385)، وأبو موسى المديني في "خصائص المسند" (ص 30 — 31): عن حَنْبَل بن إِسْحَاقَ، قال: " جَمَعَنَا عَمِّى [أي الإمام أحمد] لي ولصَالحٍ ولعَبْدِ الله، وقَرَأَ عَلَيْنَا "المُسْنَدَ".

وَمَا سَمِعَه منه -يَعْنِي تَامًّا - غَيرُنَا.

وقَالَ لَنَا: إِنَّ هذَا الكِتَابَ قَدْ جَمَعْتُهُ وانتَقَيْتُهُ من أَكْثرِ من سَبْعِمَائَةٍ وخَمسين ألفًا، فما اختَلَفَ المُسلمون فيه من حَدِيْثِ رَسُوْلِ الله، فارجِعُوا إليهِ، فإِنْ وَجَدْتُمُوْهُ فيه، وإلَّا فَلَيْسَ بحُجَّةٍ " انتهى.

فلذا قد توجد مرويات للإمام أحمد في مصنفاته الأخرى، أو مصنفات تلاميذه، وهي ليست في المسند.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

" لكن أحمد صنف كتابا في فضائل أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وغيرهم، وقد يروي في هذا الكتاب ما ليس في "المسند"، وليس كل ما رواه أحمد في "المسند" وغيره يكون حجة عنده، بل يروي ما رواه أهل العلم.

وشرطه في "المسند": أن لا يروي عن المعروفين بالكذب عنده، وإن كان في ذلك ما هو ضعيف. وشرطه في "المسند" مثل شرط أبي داود في سننه.

وأما كتاب الفضائل: فيروي ما سمعه من شيوخه، سواء كان صحيحا أو ضعيفا، فإنه لم يقصد أن لا يروي في ذلك إلا ما ثبت عنده … " انتهى. "منهاج السنة النبوية" (7 / 96).

ثانيا:

مما سبق يتبيّن أن وجود جملة من الأحاديث والآثار في "كتاب السنة" لعبد الله ابن الإمام أحمد، وخلو "المسند" منها، هو أمر لا إشكال فيه؛ لأمور:

الأمر الأول:

أن الإمام أحمد لم يقصد في "المسند" الاستيعاب، فقد يترك جملة من الأحاديث، لوجود معناها في أحاديث قد ذكرها في "المسند".

قال ابن القيم رحمه الله تعالى معلقا على كلام حنبل بن إسحاق السابق:

" هذه الحكاية قد ذكرها حنبل في "تاريخه"، وهي صحيحة بلا شك، لكن لا تدل على أن كل ما رواه في "المسند" فهو صحيح عنده، فالفرق بين أن يكون كل حديث لا يوجد له أصل في "المسند"، فليس بحجة، وبين أن يقول: كل حديث فيه فهو حجة، وكلامه يدل على الأول، لا على الثاني.

وقد استشكل بعض الحفاظ هذا من أحمد، وقال: "في "الصحيحين" ‌أحاديث ‌ليست ‌في "‌المسند".

وأجيب عن هذا بأن تلك الألفاظ بعينها، وإن خلا المسند عنها، فلها فيه أصول ونظائر وشواهد، وأما أن يكون متن صحيح، لا مطعن فيه، ليس له في "المسند" أصل ولا نظير: فلا يكاد يوجد؛ البتة " انتهى. "الفروسية المحمدية" (ص208).

الأمر الثاني:

أن المسند مخصص للأحاديث المسندة، كما سبق بيانه، وهذا ظاهر من قول الإمام أحمد السابق الذي ذكره حنبل بن إسحاق ففيه: " فما اختَلَفَ المُسلمون فيه من حَدِيْثِ رَسُوْلِ الله، فارجِعُوا إليهِ".

فلم يقصد فيه جمع أقوال الصحابة والتابعين والأئمة، أما عبد الله ابن الإمام أحمد فكان في حاجة لذكر أقوالهم؛ للدلالة على مذهب السلف في المسألة التي يذكر فيها هذه الأقوال.

الأمر الثالث:

ربما يكون الإمام أحمد أعرض عن ذكر بعض الأحاديث في "المسند" لضعفها، وساقها ابنه عبد الله في كتاب "السنة"، مع علمه بضعفها، لوجود ما يشهد لمعناها من أحاديث أو آثار، وهذه طريقة لبعض أهل العلم.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

"وقد يروي الإمام أحمد وإسحاق وغيرهما أحاديث تكون ضعيفة عندهم؛ لاتهام رواتها بسوء الحفظ ونحو ذلك، ‌ليعتبر ‌بها ‌ويستشهد ‌بها، ‌فإنه قد يكون لذلك الحديث ما يشهد له أنه محفوظ، وقد يكون له ما يشهد بأنه خطأ، وقد يكون صاحبها كذاباً  في الباطن، ليس مشهورا بالكذب، بل يروي كثيرا من الصدق، فيروى حديثه.

وليس كل ما رواه الفاسق يكون كذبا، بل يجب التبين من خبره، كما قال تعالى: ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ) فيُروى، لتنظر سائر الشواهد: هل تدل على الصدق أو الكذب؟

وكثير من المصنفين يعز عليه تمييز ذلك على وجهه، بل يعجز عن ذلك، فيروي ما سمعه كما سمعه، والدرَك على غيره، لا عليه، وأهل العلم ينظرون في ذلك وفي رجاله وإسناده " انتهى. "منهاج السنة النبوية" (7 / 53).

والله أعلم.

المراجع

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android