هل يعاقب المتألي على الله بمثل ما قال؟

السؤال: 520631

هل يعاقب من يتألى على الله تعالى بجنس ما قاله؟ فمثلا لو قال لفلان والله لن يرزقك الله هل يحبط عمله كما في الحديث؟ أم إن الله تعالى ينزل العقوبة على المتألي فلن يرزقه هو؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

من قال لغيره: والله لن يرزقك الله، فهذا تألٍّ على الله محرم.

وقد روى مسلم (2621) عَنْ جُنْدَبٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَدَّثَ " أَنَّ رَجُلًا قَالَ: وَاللهِ لَا يَغْفِرُ اللهُ لِفُلَانٍ، وَإِنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ: مَنْ ذَا الَّذِي يَتَأَلَّى عَلَيَّ أَنْ لَا أَغْفِرَ لِفُلَانٍ، فَإِنِّي قَدْ غَفَرْتُ لِفُلَانٍ، وَأَحْبَطْتُ عَمَلَكَ ".

والتألّي: الحلف. والمتألي على الله آثم، لكن لا نجزم بكونه يعاقب بعدم الرزق، بل أمره إلى الله تعالى، وأما حبوط عمله ففيه تفصيل.

قال النووي رحمه الله في "شرح مسلم" (16/ 174): " معنى يتألى يحلف والألية اليمين... ويُتأول حبوط عمل هذا، على أنه أسقطت حسناته في مقابلة سيئاته، وسمي إحباطا مجازا، ويحتمل أنه جرى منه أمر آخر أوجب الكفر، ويحتمل أن هذا كان في شرع من قبلنا وكان هذا حكمهم" انتهى.

وقال ابن الجوزيّ رَحِمَهُ اللهُ: "يتألى بمعنى يحلف، والأليّة: اليمين، والإحباط: الإبطال، وهذا المتألي جَهِل سَعَة الكرم، فعوقب بإحباط العمل" انتهى من "كشف المشكل" (2/ 55).

وقال القرطبي رحمه الله في "المفهم" (6/ 607): " و(قول المتألي: والله لا يغفر الله لفلان) ظاهر في أنه قطع بأن الله تعالى لا يغفر لذلك الرجل، وكأنه حكم على الله، وحجر عليه.

وهذه نتيجة الجهل بأحكام الإلهية، والإدلال على الله تعالى بما اعتقد أن له عنده من الكرامة والحظ والمكانة، وكذلك المذنب من الخسة والإهانة؛ فإن كان هذا المتألي مستحلا لهذه الأمور، فهو كافر، فيكون إحباطُ عمله لأجل الكفر، كما يَحبط عمل الكفار. وأما إن لم يكن مستحلا لذلك، وإنما غلب عليه الخوف، فحكم بإنفاذ الوعيد، فليس بكافر، ولكنه مرتكب كبيرة، فإنه قانط من رحمة الله، فيكون إحباط عمله بمعنى أن ما أوجبت له هذه الكبيرة من الإثم يربي على أجر أعماله الصالحة، فكأنه لم يبق له عمل صالح.

وقوله: "من ذا الذي يتألى علي ألا أغفر لفلان" استفهام على جهة الإنكار والوعيد، ويستفاد منه: تحريم الإدلال على الله تعالى، ووجوب التأدب معه في الأقوال والأحوال، وأن حق العبد أن يعامل نفسه بأحكام العبودية، ومولاه بما يجب له من أحكام الإلهية والربوبية" انتهى.

فالواجب على هذا المتألي على الله أنه لا يرزق فلانا، أن يتوب إلى الله تعالى، وأن يعلم مدى جهله؛ فإن الله تكفل برزق عباده، يرزق المؤمن والكافر، والبر والفاجر، كما قال: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) هود/6

ومن تاب تاب الله عليه، وبدل سيئاته حسنات، كما قال: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى) طه/82

وقال: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) الفرقان/68-70.

والله أعلم.

المراجع

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android