أولاً:
بخصوص سؤالك حول جواز سؤال الله عز وجل أن تكون من أخلّائه.
فمما هو متقرر شرعا أنّه لا يشرع للمسلم أن يدعو الله بأمر يخالف ما جرت به حكمته في الخلق، أو يخالف أحكامه في الشرع، أو يطلب ما أختص به بعض عباده دون غيرهم.
قال الله تعالى: ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ [الأعراف: 55].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وقوله تعالى إنه لا يحب المعتدين:
قيل: المراد أنه لا يحب المعتدين في الدعاء، كالذي يسأل ما لا يليق به من منازل الأنبياء وغير ذلك.
وقد روى أبو داود في سننه عن عبد الله بن مغفل أنه سمع ابنه يقول: اللهم إني أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنة إذا دخلتها. فقال: يا بني سل الله الجنة، وتعوذ به من النار، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الطهور والدعاء.
وعلى هذا؛ فالاعتداء في الدعاء تارة بأن يسأل ما لا يجوز له سؤاله من المعونة على المحرمات. وتارة يسأل ما لا يفعله الله، مثل أن يسأل تخليده إلى يوم القيامة، أو يسأله أن يرفع عنه لوازم البشرية: من الحاجة إلى الطعام والشراب، ويسأله بأن يطلعه على غيبه، أو أن يجعله من المعصومين، أو يهب له ولدا من غير زوجة، ونحو ذلك مما سؤاله اعتداء لا يحبه الله ولا يحب سائله" انتهى من "مجموع الفتاوى" (15/ 22).
والخُلَّة: اختص الله بها الله عز وجل إبراهيم عليه والسلام ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
فعن جندب قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم، قبل أن يموت بخمس، وهو يقول: (إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل. فإن الله تعالى قد اتخذني خليلا، كما اتخذ إبراهيم خليلا. ولو كنت متخذ من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكر) رواه مسلم (532).
قال ابن كثير رحمه الله في تفسير قوله تعالى (واتخذ الله إبراهيم خليلا):
وإنما سمي خليل الله لشدة محبة ربه عز وجل له، لما قام به من الطاعة التي يحبها ويرضاها، ولهذا ثبت في الصحيحين من رواية أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خطبهم في آخر خطبة خطبها، قال: «أما بعد، أيها الناس فلو كنت متخذا من أهل الأرض خليلا، لاتخذت أبا بكر بن أبي قحافة خليلا، ولكن صاحبكم خليل الله" انتهى من "تفسير ابن كثير" (2/ 374).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في تفسير قوله تعالى وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا:
"فيها الإشارة إلى أن الخلة أعلى رتبة من المحبة، لاختصاص إبراهيم ومحمد - صلى الله عليه وسلم - بها، ولو كانت بمعنى المحبة، أو في مرتبتها: لكانت ثابتة لجميع من يستحق المحبة، ومن المعلوم أنه لا يصح أن تقول: إن الله اتخذ المؤمنين أخلاء؛ لأن الخلة خاصة" انتهى من "تفسير العثيمين: النساء" (2/ 271).
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: "قد خَصَّ اللهُ نَبيَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بخصائِصَ عظيمةٍ، وحباه بصِفاتٍ كريمةٍ؛ فبعَثَه إلى النَّاسِ عامَّةً، وجعله رحمةً للعالَمِينَ، واتَّخذه خليلًا كما اتخذ إبراهيمَ خليلًا" " مجموع فتاوى ابن باز" (6/ 259).
ومما سبق نعلم أنّ الخلة: اختص الله بها إبراهيم ومحمدا عليهما الصلاة والسلام؛ لذا لا ينبغي أن يطلب المرء هذه المنزلة لأنها مما اختص الله بها بعض عباده، فيكون طلبها من الاعتداء.
ولكن ليدعُ أن ينال محبة الله وولايته، وأن يجعله ممن يحبهم ويحبونه.
وفي السنة المأثورة من الأدعية ما يغني عن الدعاء بطلب الخلة.
ثانياً:
أما بخصوص الدعاء الذي لا ينبغي أن نسأله، فهو ما فيه اعتداء؛ والاعتداء في الدعاء له صور كثيرة، منها: أن يدعو الإنسان بقطيعة رحم، أو يدعو بما هو ممنوع قدرا، أو شرعا.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يزال يستجاب للعبد؛ ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم) رواه مسلم (2736)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"ومن الاعتداء في الدعاء: أن يسأل العبدُ ما لم يكن الرب ليفعله. مثل: أن يسأله منازل الأنبياء وليس منهم، أو المغفرة للمشركين، ونحو ذلك.
أو يسأله ما فيه معصية الله، كإعانته على الكفر والفسوق والعصيان" انتهى من "مجموع الفتاوى" (1/130).
وقال ابن القيم رحمه الله: " وكل سؤال يناقض حكمة الله، أو يتضمن مناقضة شرعه وأمره، أو يتضمن خلاف ما أخبر به: فهو اعتداء لا يحبه الله، ولا يحب سائله". انتهى من "بدائع الفوائد" (3/ 13).
كما أن عليه تجنب ما جاء النهي عن الدعاء به مثل:
§ تمني الموت من أجل بلاء نزل به، ففي الحديث عن خباب رضي الله عنه قال:
"لَوْلَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَانَا أَنْ نَدْعُوَ بِالْمَوْتِ لَدَعَوْتُ بِهِ ". رواه البخاري (5989).
وعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ، فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ مُتَمَنِّيًا لِلْمَوْتِ فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتِ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتِ الوفاة خيراً لي) رواه البخاري (5990).
§ الدعاء بتعجيل العقوبة، فإنّ النبي صلى الله عليه وسلم ولمَّا رأى رجلاً من المسلمين قد ضعف حتى صار مثل الفرخ قال له: " هل كنت تدعو بشيء أو تسأله إياه؟ قال: نعم، كنت أقول: اللهم ما كنت معاقبي به في الآخرة فافعله في الدنيا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سبحان الله ! لا تطيقه أو لا تستطيعه، أفلا قلت: " اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار " ؟ فدعا الله له فشفاه " رواه مسلم (2688).
§ الدعاء على الأهل والمال، لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاء، فيستجيب لكم) رواه مسلم (3009).
وعلى المسلم الحصيف أن يتخير الأدعية المأثورة، فإنها جامعة لكل خير، ولا يمنع ذلك من أن يدعو الله بما فيه حاجة خاصة به، يسأل الله ان يعطيه إياها أو يرفعها عنه دون تمحل وتفصيل لا حاجة له به.
فعن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُغَفَّلٍ، سَمِعَ ابْنَهُ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْقَصْرَ الْأَبْيَضَ، عَنْ يَمِينِ الْجَنَّةِ إِذَا دَخَلْتُهَا، فَقَالَ: أَيْ بُنَيَّ، سَلِ اللَّهَ الْجَنَّةَ، وَتَعَوَّذْ بِهِ مِنَ النَّارِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِنَّهُ سَيَكُونُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ قَوْمٌ يَعْتَدُونَ فِي الطَّهُورِ وَالدُّعَاءِ) رواه أبو داود (96) وصححه الألباني.
والله أعلم