الغنى عند جمهور العلماء هو حصول الكفاية، سواء ملك النصاب أم لا، خلافا للحنفية.
ما ضابط الغنى الذي يمنع أخذ الزكاة؟
السؤال: 500852
هل هو مسكين من لم يستطع على أضحية العيد، ويعد من أهل الكفارات والزكاة؟
ملخص الجواب
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
أولا:
الفقير من لا يجد شيئا، أو يجد دون نصف كفايته، والمسكين من لا يجد تمام الكفاية.
قال النووي رحمه الله: "والمسكين: من قدر على مال أو كسب، يقع موقعاً من كفايته، ولا يكفيه" انتهى من "المنهاج مع شرحه مغني المحتاج" (4/ 176).
وقال البهوتي رحمه الله في "كشاف القناع" (2/ 271): " (والفقير: من لا يجد شيئا ألبتة)، أي قطعا. (أو يجد شيئا يسيرا من الكفاية دون نصفها: من كسب أو غيره، مما لا يقع موقعا من كفايته) كدرهمين من عشرة ...
(الثاني: المساكين والمسكين: من يجد معظم الكفاية، أو نصفها)، من كسب أو غيره، مِفْعِيل: من السكون، وهو الذي أسكنته الحاجة " انتهى.
وعلى هذا فينظر في دخل الإنسان، إن كان له راتب أو عقار مؤجر ونحو هذا، فإن كان لا يكفيه إلى نهاية الشهر، فهو مسكين، يصرف له من الزكاة.
قال الشيخ ابن عثيمن رحمه الله: "الفقراء: يقول العلماء: هم الذين لا يجدون شيئاً من الكفاية، أو يجدون دون نصفها.
فمثلاً: إذا كان هناك رجل عنده عائلة، ليس له كسب لا من عمل، ولا من تجارة، ولا من غلة وقف، نسمي هذا فقيراً.
مثال آخر: رجل عنده راتب وظيفة مقداره (2000) ريال؛ لكن عنده عائلة كبيرة لا يكفيها إلا ستة آلاف ريال في الشهر، والراتب (2000) ريال في الشهر، ما هذا؟ فقير.
لماذا؟ لا يجد نصف الكفاية؛ لأن راتبه (2000) ريال، ومصروفه (6000) آلاف.
إذاً: فهو لا يجد نصف الكفاية.
مثال ثالث: رجل عنده راتب (3000) ريال؛ لكنه ينفق في ضروراته (6000) ريال، هذا مسكين؛ لأن المسكين يجد نصفها فما فوق؛ لكن لا يجد الكل" انتهى من جلسات رمضانية لابن عثيمن، الدرس الثالث.
ويمكن أن ينظر إلى مجموع دخله السنوي، لا سيما إذا كان له عقار أو أرض تؤجر سنويا، وكان هذا دخله.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "أما المسكين فهو أحسن حالاً من الفقير؛ لأنه يملك نصف الكفاية، ودون تمام الكفاية.
مثال ذلك: لو أن رجلاً عنده مغل، وقف أو عقارات، يؤجره، يبلغ عشرة آلاف ريال، لكنه يحتاج في السنة إلى خمسة عشر ألف ريال فنعطيه خمسة آلاف ريال.
فهذان الصنفان يعطيان ما يكفيهما لمدة سنة" انتهى من "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (18/ 525).
والفقهاء المتقدمون على هذا، ينظرون إلى دخله السنوي، ويتممون له كفايته.
ثانيا:
الأضحية سنة مؤكدة، وذهب بعض أهل العلم إلى جوبها، وهو مذهب الحنفية.
وينظر: جواب السؤال رقم: (70291).
وهي في حق من يجد أضحية، أو ثمنها، فاضلا عن كفايته وكفاية عياله أيام العيد.
قال الخطيب الشربيني رحمه الله: " والمخاطب بها المسلم الحر البالغ العاقل المستطيع...
قال الزركشي: ولا بد أن تكون فاضلة عن حاجته وحاجة من يمونه، على ما سبق في صدقة التطوع؛ لأنها نوع صدقة اهـ. .
وظاهر هذا أنه يكفي أن تكون فاضلة عما يحتاجه في يومه وليلته، وكسوة فصله، كما مر في صدقة التطوع.
وينبغي أن تكون فاضلة عن يوم العيد وأيام التشريق، فإنه وقتها، كما أن يوم العيد وليلة العيد وقت زكاة الفطر، واشترطوا فيها أن تكون فاضلة عن ذلك" انتهى من "مغني المحتاج" (6/ 123).
ثالثا:
ربط فقهاء الحنفية الموجبون للأضحية بين الغنى والأضحية، والغني عندهم من ملك نصاب الزكاة، فاضلا عن حوائجه الأصلية، فهذا الذي تلزمه الأضحية.
قال الكاساني الحنفي رحمه الله في "بدائع الصنائع" (5/ 64) في شروط وجوب الأضحية :
"ومنها الغنى؛ لما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: من وجد سعة فليضح شرط - عليه الصلاة والسلام – السعة، وهي الغنى، ولأنا أوجبناها بمطلق المال، ومن الجائز أن يستغرق الواجب جميع ماله، فيؤدي إلى الحرج، فلا بد من اعتبار الغنى، وهو أن يكون في ملكه مائتا درهم، أو عشرون دينارا، أو شيء تبلغ قيمته ذلك، سوى مسكنه وما يتأثث به، وكسوته وخادمه وفرسه، وسلاحه وما لا يستغني عنه، وهو نصاب صدقة الفطر، وقد ذكرناه وما يتصل به من المسائل في صدقة الفطر" انتهى.
وقال في "الاختيار لتعليل المختار" (1/ 122):
" واعلم أن الغني على مراتب ثلاثة:
غني يحرّم عليه السؤال، ويُحل له أخذ الزكاة، وهو أن يملك قوت يومه، وستر عورته، وكذلك الحكم فيمن كان صحيحا مكتسبا، لقوله - عليه الصلاة والسلام -: "من سأل عن ظهر غنى فإنه يستكثر من جمر جهنم"، قيل: يا رسول الله، وما ظهر غنى؟ قال: "أن يعلم أن عند أهله ما يغديهم ويعشيهم".
وغني يحرم عليه السؤال والأخذ، ويوجب عليه صدقة الفطر والأضحية، وهو أن يملك ما قيمته نصاب، فاضلا عن الحوائج الأصلية من غير أموال الزكاة كالثياب والأثاث والعقار والبغال والحمير ونحوه. قال - عليه الصلاة والسلام -: لا تحل الصدقة لغني "، قيل: ومن الغني؟ قال: " من له مائتا درهم.
وغني يحرم عليه السؤال والأخذ، ويوجب عليه صدقة الفطر والأضحية، ويوجب عليه أداء الزكاة، وهو ملك نصاب كامل نام على ما بيناه" انتهى.
وأما الجمهور فلا يوجبون الأضحية كما تقدم، ولا يعلقون الغنى بملك النصاب، بل الغنى عندهم: حصول الكفاية، وليس ملك النصاب، فقد يملك نصاب الزكاة ولا يجد تمام الكفاية، فيكون مسكينا، وتحل له الزكاة.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (2/ 493): "واختلف العلماء في الغنى المانع من أخذها. ونقل عن أحمد فيه روايتان: أظهرهما، أنه ملك خمسين درهما، أو قيمتها من الذهب، أو وجود ما تحصل به الكفاية على الدوام؛ من كسب، أو تجارة، أو عقار، أو نحو ذلك.
ولو ملك من العروض، أو الحبوب أو السائمة، أو العقار، ما لا تحصل به الكفاية، لم يكن غنيا، وإن ملك نصابا، هذا الظاهر من مذهبه، وهو قول الثوري والنخعي وابن المبارك وإسحاق...
والرواية الثانية، أن الغنى ما تحصل به الكفاية، فإذا لم يكن محتاجا حرمت عليه الصدقة، وإن لم يملك شيئا، وإن كان محتاجا حلت له الصدقة، وإن ملك نصابا، والأثمان وغيرها في هذا سواء.
وهذا اختيار أبي الخطاب وابن شهاب العكبري، وقول مالك والشافعي...
وقال أصحاب الرأي: الغنى الموجب للزكاة هو المانع من أخذها، وهو ملك نصاب تجب فيه الزكاة، من الأثمان، أو العروض المعدة للتجارة، أو السائمة، أو غيرها" انتهى.
والمذهب عند الحنابلة على الرواية الثانية.
قال البهوتي رحمه الله في "كشاف القناع" (2/ 272): "والغنى هنا ما تحصل به الكفاية، فإذا لم يكن محتاجا، حرمت عليه الزكاة، وإن لم يملك شيئا، وإن كان محتاجا حلت له، ولو ملك نصابا فأكثر، لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث قبيصة فحلت له المسألة، حتى يصيب قواما من عيش، أو سدادا من عيش رواه مسلم. والسداد: الكفاية. وذكر أحمد قول عمر: " أعطوهم وإن راحت عليهم من الإبل كذا وكذا ".
وأما حديث ابن مسعود مرفوعا: من سأل وله ما يغنيه، جاءت مسألته يوم القيامة خدوشا، أو كدوشا في وجهه. قالوا يا رسول الله، وما غناه؟ قال: خمسون درهما أو حسابها من الذهب رواه الخمسة، فأجيب عنه بضعف الخبر. وحمله المَجْد على أنه صلى الله عليه وسلم قاله في وقت كانت الكفاية الغالبة فيه بخمسين درهما، ولذلك جاء التقدير عنه بأربعين، وبخمس أواق، وهي مائتا درهم" انتهى.
فالجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة على أن الغنى حصول الكفاية، فمن لم تحصل له الكفاية فهو مسكين، ولو ملك نصابا.
والحنفية على أن الغنى: ملك النصاب.
وقالوا: تجب الأضحية على الغني وهو من ملك النصاب.
وعلى مذهبهم يقال: الذي لا يستطع الأضحية هو من لا يملك النصاب، وهو مسكين.
والجمهور على أن الأضحية تشرع لمن يجدها، أو يجد ثمنها، فاضلا عن كفايته وكفاية عياله أيام العيد، وقد لا يكون هذا غنيا يملك النصاب، ولا غنيا يجد الكفاية طول العام.
والراجح مذهب الجمهور في الأضحية، وفي تحديد مفهوم الغنى، وأن المدار على وجود الكفاية لا وجود النصاب، فقد يجد النصاب، ولا يجد الكفاية، فتحل له الزكاة.
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "من وجبت عليه الزكاة لوجود النصاب، ولكنه فقير فهل تحل له الزكاة؟
فأجاب: " ليس كل من تجب عليه الزكاة، لا تحل له الزكاة، فيكون هو يُزَكِّي ويُزَكَّى عليه " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين"(18/ 340).
وهذا معنى ما تقدم عن البهوتي رحمه الله أن هناك غنى يوجب الزكاة، وهو ملك النصاب، وهناك غنى يمنع أخذ الزكاة، وهو وجود الكفاية.
والله أعلم.
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
هل انتفعت بهذه الإجابة؟