أولا:
القذف هو الرمي بالزنا أو اللواط.
قال في "منار السبيل"(2/372):" باب حد القذف: وهو: الرمي بالزنى، وهو من الكبائر المحرمة، لقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) ، وقوله صلى الله عليه وسلم: (اجتنبوا السبع الموبقات. قالوا: وما هن يا رسول الله؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات)" متفق عليه...
وإنما يجب بشروط تسعة:
أربعة منها في القاذف. وهو: أن يكون: بالغا، عاقلا، مختارا، فلا حد على صغير، ومجنون، ونائم، ومكره؛ لحديث: "رفع القلم عن ثلاثة"...
... وخمسة في المقذوف. وهو كونه: حرا، مسلما، عاقلا، عفيفا عن الزنى ، يطأ ويوطأ مثله؛ لقوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ) الآية، مفهومه أنه لا يجلد بقذف غير المحصن.
والمحصن هو المسلم الحر العاقل العفيف عن الزنى، فلا يجب الحد على قاذف الكافر والمملوك والفاجر، لأن حرمتهم ناقصة، فلم تنهض لإيجاب الحد...
ومن قذف أهل بلدة أو جماعة لا يتصور الزنى منهم: عُزِّر، ولا حد؛ لأنه لا عار عليهم بذلك، للقطع بكذب القاذف" انتهى.
وينظر: "كشاف القناع" (6/ 104).
وهناك ألفاظ تحتمل الزنا وغيره، وهي ألفاظ الكناية، فمن أتى بها، أثم، ثم إن فسرها بتفسير يحتمل غير القذف، فإنه يُعزر، ولا يحد حد القذف، وذلك كقوله: مخنث، وفاجرة، فإن قال: أردت بالمخنث المتطبع بطبائع الإناث ، وبالفاجرة الكاذبة مثلا، لم يحد، لكنه عصى بذلك، فاستحق التعزير.
قال الجلال المحلي في" شرحه على المنهاج مع حاشية قليوبي" (4/ 29): " (وقوله) للرجل (يا فاجر يا فاسق) يا خبيث، (ولها) أي للمرأة (يا خبيثة) يا فاجرة يا فاسقة ... (كناية)؛ لاحتماله القذف وغيره." انتهى.
ويدخل في ذلك-أي في الكناية- قوله: فلانة رخيصة؛ فإنه يحتمل القذف، وأنها استرخصت عرضها، وبذلته في غير نكاح، ويحتمل غير القذف، وأنها بذلت مفاتنها، دون عِرضها أو فرجها، أو أنها لا تعرف قيمة العفة والحشمة، فاسترخصت نفسها وظهرت بزينتها.
ثانيا:
إذا لم يقصد الإنسان بهذا اللفظ الرمي بالزنا، فقد أتى محرما من القول، يستحق به التعزيز.
قال البهوتي رحمه الله في "كشاف القناع" (6/ 112) بعد ذكر ألفاظ من كنايات القذف: "... فهذه الألفاظ التي سبقت كناية؛ لاحتمالها غير الزنا كما قدمته.
(إن فسره) أي ما سبق (بالزنا: فهو قذف)؛ لأنه أقر على نفسه بما هو الأغلظ عليه.
(وإن فسره بما يحتمله، غير القذف: قُبل)؛ لأنه يحتمل غير الزنا كما ذكرناه، (مع يمينه). وفي الترغيب: هو قذف، بنيَّته، ولا يحلف منكرها. (وعُزّر.
وإن كان نوى الزنا بالكناية: لزمه الحد باطنا، ويلزمه إظهارُ نيته)؛ لأنه حق آدمي " انتهى.
والواجب حفظ اللسان، والحذر من الوقوع في عرض مسلم أو مسلمة، ولو كانت متبرجة.
قال تعالى: ( وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ* يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ) الانفطار/10 - 12.
وقال: (إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) ق/17 - 18.
وروى البخاري (6478) ومسلم (2988) عن أبي هريرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ).
وروى البخاري (6477) ومسلم (2988) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ، مَا يَتَبَيَّنُ فِيهَا، يَزِلُّ بِهَا فِي النَّارِ أَبْعَدَ مِمَّا بَيْنَ المَشْرِقِ).
وروى أحمد (15852) والترمذي (2319) وابن ماجه (3969) عن بِلَال بْن الحَارِثِ المُزَنِيَّ، صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ فَيَكْتُبُ اللَّهُ لَهُ بِهَا رِضْوَانَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ فَيَكْتُبُ اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا سَخَطَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ) فَكَانَ عَلْقَمَةُ [الراوي عن بلال] يَقُولُ: " كَمْ مِنْ كَلَامٍ قَدْ مَنَعَنِيهِ حَدِيثُ بِلَالِ بْنِ الْحَارِثِ " وصححه الألباني في "صحيح الترمذي".
فليمسك الإنسان لسانه، وليحذر فلتاته، فإن أكثر ما يورد الناس في النار: حصائد ألسنتهم.
وينظر في تحريم قذف المسلمة المتبرجة: جواب السؤال رقم: (199049).
والله أعلم.