هل يجوز للمرأة أن تهجر زوجها إذا آذاها بكلامه؟

السؤال: 499017

هل يجوز للزوج أن يكسر بخاطر زوجته وأحزانها دائما، وأن يجرحها بالكلام، أنه ندم على الزواج، وزواجهم في هذه الظروف المعيشية الصعبة!؟
كنتُ فتاةً أبلغُ من العمر 18 سنةً عند التعرف على زوجي، تمت الخطبةُ مدةَ سنةٍ، وبعدها عقدنا عقدًا شرعيًّا، وأخرنا البناء؛ لأنه لا يستطيع أن يتزوج حينها، إذ لا يعمل.
عندما تيسرت الأمور قليلًا بعد 4 سنوات، طلبتُ منه الزواج، فقال: إنه لا يقدر على الزواج، وما زال لم يبنِ مستقبله، ضغطتُ عليه، وقلتُ له: نتزوج بما يسر الله تعالى، ونبني أسرةً على طاعة الله تعالى؛ لأنه كلما طالت المدة أصبح يريد أشياء بحجة أنه زوجي، فأردتُ أن نتزوج رسميًّا، الآن تزوجتُ، وأنا حاملٌ في الأشهر الأخيرة، زوجي دائمًا يقول لي: إنني أنا السبب في هذه المعيشة؛ لأنه استمع إلى كلامي، يجرحني بالكلام كثيرًا، بالرغم من أنني لا أُقصّر معه في شيء، وأسعى دومًا لإرضائه، لكنه دائم الشكوى أنه لا يوجد نقود، صار يبعثني إلى بيت أهلي؛ لأنه لا يقدر على الإنفاق، ودائمًا يقول لي: إنه خطأٌ كبيرٌ أننا تزوجنا، وإنني أنا السبب في كل هذا، وإنه نادمٌ على ذلك، جرحني كثيرًا، وكسر قلبي، وظللتُ أبكي، لكنه استخفّ بدموعي، وقال: إنه لم يعد يتأثر بهذه الأساليب.
هل يجوز أن لا أُحادثه؟
انكسر شيءٌ بداخلي، ولا أستطيع أصلًا أن أنظر إليه؛ لأنه كسر خاطري كثيرًا.

ملخص الجواب

يجوز لكِ تقليل الكلام معه أو الامتناع عن الحديث المؤذي فترةً حتى تهدئي، بشرط ألا يكون قصدكِ قطع العلاقة بالكلية، بل حماية نفسك من الأذى، وألا يترتب على ذلك مفسدة أعظم

موضوعات ذات صلة

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

أولاً:

نفهم تمامًا حجم الألم الذي تشعرين به، والكلمات الجارحة التي تتعرضين لها ليست أمراً هيّناً، خصوصاً وأنتِ في أشهر الحمل الأخيرة، وتحتاجين إلى دعم وطمأنينة لا إلى لوم وإيذاء نفسي. أسأل الله أن يفرّج همك ويهدي زوجك.

ثانياً:

يرشد الزوجين إلى التوكل على الله وحسن الظن به بأن الله سيرزقهم، ويكثرا من التضرع والدعاء والشكوى إليه تعالى. (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ) النمل/ 62.

ثالثاً:

يجب على المسلم ألا يعترض على قضاء الله وقدره، لا سيما وأنه قد تزوج بعد تأخره باختياره.

وزوجك –من وصفك– يبدو أنه يعاني من ضغط مالي وشعور بالفشل، وهذا يجعله يفرّغ غضبه فيكِ ظلماً. هذا لا يبرر كلامه، لكنه يساعدك على فهم السبب.

ومع ذلك، فهذا ليس ذنبك. ولا يجوز له شرعاً أن يلقي حمله عليكِ، ولا يجوز له أن يجرحك بهذا الكلام.

وينبغي أن تصبري على الحال، وأن تتخففي من الطلبات، ولا تطلبي من زوجك إلا الضروري.

رابعاً:

الأصل في المعاشرة بين الزوجين أن تكون بالمعروف والبر والإحسان ؛ لقول الله تعالى : (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) النساء/19 ، وقوله سبحانه ( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ) البقرة/228.

ومن ثم فلا ينبغي للزوج أن يجرح زوجته ويهينها بألفاظ غير لائقة؛ وأنه ندم على أنه استعجل في زواجه فإن هذا ليس من المعروف بل من سوء العشرة ، بل كان الواجب عليه أن يشكر الله، ثم يشكر زوجته على أن صبرت عليه أربع سنوات أو أكثر حتى دخل بها. ولربما مكث عشر سنوات وهو لم يتزوج إذا لم تقنعه بالزواج.

 خامساً:

الهجر عقوبة مشروعة للزجر والتأديب، لكن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حرم أن يكون الهجر فوق ثلاث ليالٍ إن كان الهجر لحظ النفس، لأنه غالبا الغضب يزول بعد ثلاث ليال.

عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ ، يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ ) أخرجه البخاري (6077) ومسلم (2560) .

لكن ينبغي على المسلم مراعاة المصلحة الشرعية في تطبيق عقوبة الهجر وعدم الكلام معه؛ لأن المقصود منها هو زجر المهجور وتأديبه ، حتى يترك جرحه لك.

فإن كانت المصلحة في هجره راجحة بحيث يؤدي إلى تقليل الشر وزيادة الخير كان مشروعاً ، أما إن كان الزوج لا يرتدع بذلك بل يزيد الشر، أو كان الهاجر ضعيفًا لا يؤثر هجره، بل متى ترتب على الهجر مفسدة راجحة على مصلحته، لم يكن الهجر مشروعًا حينئذ ، فالتآلف لبعض الناس قد يكون أنفع من الهجر ، والهجر لبعض الناس قد يكون أنفع من التألف .

ولمزيد من التفصيل يمكنكم مراجعة السؤال رقم: (21878)، ورقم: (89601) .  

سادساً:

الأصل أن الزوجة لا تُهجر زوجها؛ لأن هجرها غالباً لا يحقق مقصود الإصلاح، وقد يسبب مشكلات أكبر.

فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِذَا بَاتَتْ الْمَرْأَةُ هَاجِرَةً فِرَاشَ زَوْجِهَا لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ ) أخرجه البخاري (3237) ، ومسلم (1436) .

لكن إن رأت الزوجة أن هجره في الكلام سيوقف أذاه ويقلل اللفظ الجارح، ولن يسبب ضرراً أكبر، جاز لها ذلك؛ لا سيما إن كانت في بيت أهلها، وليست عنده في بيته.

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "شرح رياض الصالحين" (5/164) تعليقًا على الحديث السابق:

" وفي هذا دليل على عظم حق الزوج على زوجته ، ولكن هذا في حق الزوج القائم بحق الزوجة ، أما إذا نشز ولم يقم بحقها ، فلها الحق أن تقتص منه ، وألا تعطيه حقه كاملاً ؛ لقول الله تعالى : ( فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ ) البقرة/194، ولقوله تعالى (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ) النحل/126 ، لكن إذا كان الزوج مستقيمًا قائمًا بحقها فنشزت هي ، وضيعت حقه ، فهذا جزاؤها ، إذا دعاها إلى فراشه فأبت أن تأتي .

والحاصل: أن هذه الألفاظ التي وردت في هذا الحديث هي مطلقة ، لكنها مقيدة بكونه قائمًا بحقها، أما إذا لم يقم بحقها فلها أن تقتص منه ، وأن تمنعه من حقه مثل ما منعها من حقها" انتهى.

سابعاً:

الهجر المقصود هنا هو ترك الكلام والإعراض المؤقت، لا الهجر في الفراش؛ لأن امتناع الزوجة عن فراش زوجها بغير حق كبيرة من الكبائر.

ثامناً:

ينبغي لكلا الزوجين الصبر ومحاولة الإصلاح، وردّ الأذى بالحسنى قدر المستطاع، والبحث عن أسباب الخلاف ومعالجتها، لأن استمرار الحياة الزوجية يحتاج صبراً وتضحية وإحساناً.

ينظر جميع ما تقدم : إجابة سؤال رقم: (177931).

تاسعاً:

ما يمكن فعله الآن:

1. أعطي نفسك مساحة: من حقك الابتعاد قليلاً عن الكلام إذا كنتِ مكسورة ومتألمة.

2. لا تدخلي في نقاشات فيها إهانة، فقط تواصلي معه في الضروري والواجب.

3. احفظي نفسك وحملك؛ صحتك النفسية الآن جزء من صحة الجنين.

4. إن استمر في اللوم والإيذاء اللفظي، فهذا يدخل في سوء العشرة، ولَكِ الحق شرعاً في طلب تدخل من الأهل أو أهل الإصلاح، أو مستشار أسري، أو الكلام مع داعية معروف بهداية الناس.

الحاصل:

يجوز لكِ تقليل الكلام معه أو الامتناع عن الحديث المؤذي فترةً حتى تهدئي، بشرط ألا يكون قصدكِ قطع العلاقة بالكلية، بل حماية نفسك من الأذى، وألا يترتب على ذلك مفسدة أعظم.

والله أعلم.

المراجع

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

answer

موضوعات ذات صلة

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android