أولا :
يجوز للأب أن يوزع أملاكه، كلها أو بعضها، على أولاده، في حياته. وتكون هدية منه لأولاده ، ويجب عليه العدل بينهم .
لما رواه البخاري (2586) ومسلم (1623) عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ أَنَّ أَبَاهُ أَتَى بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنِّي نَحَلْتُ ابْنِي هَذَا غُلَامًا فَقَالَ : (أَكُلَّ وَلَدِكَ نَحَلْتَ مِثْلَهُ ؟) قَالَ: لَا، قَالَ: ( فَارْجِعْهُ ).
ومعنى (نحلت ابني غلاما) أي أعطيته غلاما .
ورواه البخاري (2587) بلفظ : ( فَاتَّقُوا اللَّهَ ، وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ ) قَالَ : فَرَجَعَ فَرَدَّ عَطِيَّتَهُ.
وذهب جمهور العلماء إلى أن العدل أن يسوي بين جميع الأولاد ، ذكورا وإناثا .
وذهب الإمام أحمد إلى أن العدل أن يعطي الذكر ضعف الأنثى ، كما في الميراث ، لأنه لا أعدل من قسمة الله تعالى .
جاء في "الموسوعة الفقهية" (11/360) :
"اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالأْنْثَى مِنَ الأْوْلاَدِ .
فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ مَعْنَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالأْنْثَى مِنَ الأْوْلاَدِ : الْعَدْل بَيْنَهُمْ فِي الْعَطِيَّةِ بِدُونِ تَفْضِيلٍ ؛ لأِنَّ الأْحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي ذَلِكَ لَمْ تُفَرِّقْ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالأْنْثَى .
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ ، وَالإْمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ ، وَهُوَ قَوْلٌ مَرْجُوحٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: إِلَى أَنَّ الْمَشْرُوعَ فِي عَطِيَّةِ الأْوْلاَدِ الْقِسْمَةُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ مِيرَاثِهِمْ : أَيْ لِلذَّكَرِ مِثْل حَظِّ الأْنْثَيَيْنِ ؛ لأِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَسَمَ لَهُمْ فِي الإْرْثِ هَكَذَا ، وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ ، وَهُوَ الْعَدْل الْمَطْلُوبُ بَيْنَ الأْوْلاَدِ فِي الْهِبَاتِ وَالْعَطَايَا" انتهى .
وينظر جواب السؤال رقم: (186217) .
ثانيا :
لا تلزم الهبة إلا إذا قبضها الموهوب له ، فإذا مات الواهب قبل القبض ، بطلت الهبة ، وبقيت في ملك الواهب .
جاء في "الشرح الممتع" (11/70-72) للشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" إذا تمت الهبة بالإيجاب والقبول ، بأن قال : وهبتك كتابي الفلاني ، فقال : قبلت ، ولم يسلمه له ، ثم رجع ، فرجوعه جائز ؛ لأن الهبة لا تلزم إلا بالقبض .
والدليل على أن الهبة لا تلزم إلا بالقبض : أن أبا بكر رضي الله عنه ، وهب عائشة رضي الله عنها ثمرة نخل ، ثم لما مرض رجع فيها ، وقال لها : لو أنك جذذتيه كان لك ، أما الآن فهو ميراث ، فدل هذا على أنها لا تلزم إلا بالقبض" انتهى بتصرف يسير .
وينظر جواب السؤال رقم: (238814) .
وقبض الأرض يكون بالتمكين من التصرف بها بلا مانع . وهو ما يعبر عنه العلماء بـ (التخلية).
قال ابن قدامة رحمه الله :
"وَقَبْضُ كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ ...
وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُنْقَلُ وَيُحَوَّلُ ، فَقَبْضُهُ التَّخْلِيَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُشْتَرِيهِ ، لَا حَائِلَ دُونَهُ ، لِأَنَّ الْقَبْضَ مُطْلَقٌ فِي الشَّرْعِ ، فَيَجِبُ الرُّجُوعُ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ ، وَالْعَادَةُ فِي قَبْضِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مَا ذَكَرْنَا" انتهى، "المغني" (6/186) .
وقال الرحيباني الحنبلي رحمه الله في " مطالب أولي النهى " (3/153) :
" وقبض أرض وبناء وشجر: بتخلية بائع بينه وبين مشتر بلا حائل ؛ لأن القبض مطلق في الشرع ، فيرجع فيه إلى العرف ، والعرف في ذلك ما سبق .
وفائدة هذا القبض تظهر في رهن وقرض وهبة لمقبوض ، فكل ما قبض بنوع مما ذكر ، يصح رهنه وقرضه وهبته ، كغيره من المملوكات" انتهى.
وقال ابن قدامة رحمه الله:
"وإذا مات الواهب أو الموهوب له قبل القبض ، بطلت الهبة ، سواء كان قبل الإذن في القبض ، أو بعده ...
قال أحمد في رجل أهدى هدية ، فلم تصل إلى المهدَى إليه حتى مات ؛ فإنها تعود إلى صاحبها ما لم يقبضها" انتهى من "المغني" (8/243) .
فإذا كان جدك قد سلم الأرض لأبيك ، وخلى بينه وبينها ، بحيث يمكنه التصرف فيها ، وإذا أراد أن يبنيها فلا يمانعه أحد : فإن القبض يكون قد تم ، ولا يشترط أن يتصرف فيها بالفعل ، بل يكفي أن يكون حصلت التخلية ، وتحديد الأرض ، والتمكين منها .
فإذا كانت الأرض قد تم قبضها بهذا المعنى ، فقد انتقلت ملكيتها إلى أبيكم ، فإذا توفي انتقلت إلى ورثته ، ومنهم والده (جدك) يكون له منها السدس ، والباقي يكون لك ولإخوتك ولوالدتك .
فإذا مات الجد ، فيكون لأعمامك الحق في السدس الذي ورثه من أبيك ، ويسلمون باقي الأرض لكم ، لأنها ملككم .
أما إذا كانت الأرض لم تسلم إلى أبيكم ، ولم يقبضها ، بل بقيت تحت يد الجد ، هو الذي يتصرف فيها ، فإنه بموته تبطل الهبة ، وتبقى الأرض ملكا لجدكم ، فإذا مات الجد اقتسم أولاده هذه الأرض ميراثا ، لأنه لا حق لكم فيها .
والله أعلم.