السبت 18 شوّال 1445 - 27 ابريل 2024
العربية

هل المعصية التي يسهل الوصول لها أعظم إثما؟

461211

تاريخ النشر : 08-11-2023

المشاهدات : 1527

السؤال

هل كلما سَهُلَ الوصول إلى المعصية كان الإثم أعظم؟ ومثله مع الأجر يعني هل لو كان صعب الوصول إلى الطاعة كان الأجر أعظم؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

لا نعلم ما يفيد أن المعصية إذا سهل الوصول إليها عظم إثمها، بل ربما دلت السنة على ما هو عكس ذلك، وهو أن المرء إذا طلب المعصية، وحرص عليها، مع تعسر سبلها عليه، وعدم تيسرها له، أو قلة الداعي في نفسه لها، والحامل له عليها: كان ذلك أعظم في إثمه، وأشد في عقوبته.

فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ : شَيْخٌ زَانٍ ، وَمَلِكٌ كَذَّابٌ ، وَعَائِلٌ مُسْتَكْبِرٌ رواه مسلم (107).

قال النووي – رحمه الله - :

وأما تخصيصه صلى الله عليه وسلم في الرواية الأخرى الشيخ الزاني ، والملِك الكذاب ، والعائل المستكبر بالوعيد المذكور ، فقال القاضي عياض : سببه : أن كل واحد منهم التزم المعصية المذكورة مع بُعدها منه ، وعدم ضرورته إليها ، وضعف دواعيها عنده ، وإن كان لا يُعذر أحدٌ بذنب ، لكن لما لم يكن إلى هذه المعاصي ضرورة مزعجة ، ولا دواعي معتادة : أشبه أقدامهم عليها المعاندة ، والاستخفاف بحق الله تعالى ، وقصد معصيته ، لا لحاجة غيرها .

فان الشيخ لكمال عقله ، وتمام معرفته بطول ما مرَّ عليه من الزمان ، وضعف أسباب الجماع ، والشهوة للنساء ، واختلال دواعيه لذلك عنده ما يريحه من دواعي الحلال في هذا ، ويخلي سرَّه منه ، فكيف بالزنى الحرام ؟! وإنما دواعي ذلك : الشباب ، والحرارة الغريزية ، وقلة المعرفة ، وغلبة الشهوة ؛ لضعف العقل ، وصغر السن ... ." انتهى، من "شرح صحيح مسلم" (2/117).

وما جاء في كلام القاضي عياض وغيره ، من أن عظم إثم هؤلاء راجع إلى استخفافهم بمعصية الله، وعدم مبالاتهم بها، قرره كثير من أهل العلم في مثل هذا المقام.

قال ابن القيم رحمه الله: "وهاهنا أمر ينبغي التفطن له، وهو أن الكبيرة قد يقترن بها - من الحياء والخوف، والاستعظام لها - ما يلحقها بالصغائر، وقد يقترن بالصغيرة - من قلة الحياء، وعدم المبالاة، وترك الخوف، والاستهانة بها - ما يلحقها بالكبائر، بل يجعلها في أعلى رتبها.

وهذا أمر مرجعه إلى ما يقوم بالقلب، وهو قدر زائد على مجرد الفعل، والإنسان يعرف ذلك من نفسه ومن غيره" انتهى من "مدارج السالكين" (1/337).

وقال في معرض كلامه عن العقبات السبع التي يضل بها الشيطان المؤمن: "العقبة الرابعة: وهي عقبة الصغائر، فكال له منها بالقفزان، وقال: ما عليك إذا اجتنبت الكبائر ما غشيت من اللمم، أوما علمت بأنها تكفر باجتناب الكبائر وبالحسنات؟! ولا يزال يهون عليه أمرها حتى يُصر عليها، فيكون مرتكب الكبيرة الخائف الوجل النادم أحسن حالاً منه، فالإصرار على الذنب أقبح منه، ولا كبيرة مع التوبة والاستغفار، ولا صغيرة مع الإصرار" انتهى من "مدارج السالكين" (1/239).

 وبين شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن الإصرار على الصغائر قد يكون أعظم من الكبائر فقال: "فإن الزنا من الكبائر، وأما النظر والمباشرة فاللمم منها مغفور باجتناب الكبائر، فإن أصر على النظر أو على المباشرة صار كبيرة، وقد يكون الإصرار على ذلك أعظم من قليل الفواحش؛ فإن دوام النظر بالشهوة وما يتصل به من العشق والمعاشرة والمباشرة، قد يكون أعظم بكثير من فساد زنا لا إصرار عليه؛ ولهذا قال الفقهاء في الشاهد العدل: أن لا يأتي كبيرة ولا يصر على صغيرة، وفي الحديث المرفوع "لا صغيرة مع إصرار ولا كبيرة مع استغفار"، بل قد ينتهي النظر والمباشرة بالرجل إلى الشرك، كما قال تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ [البقرة: 165]" انتهى من "مجموع الفتاوى" (15/293).

ثانيا:

الطاعة قد يزيد ثوابها بالمشقة الحاصلة معها؛ كما في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَلا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ ؟ قَالُوا : بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ , قَالَ: إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ , وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ , وَانْتِظَارُ الصَّلاةِ بَعْدَ الصَّلاةِ , فَذَلِكُمْ الرِّبَاطُ , فَذَلِكُمْ الرِّبَاطُ رواه مسلم (251).

قال النووي رحمه الله :"( إسباغ الوضوء ) : تمامه . و ( المكاره ) تكون بشدة البرد ، وألم الجسم ، ونحو ذلك " انتهى من "شرح مسلم" (3/141).

وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها : (إن لك من الأجر على قدر نصبك ونفقتك) رواه الحاكم وصححه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (1116) وأصل الحديث في الصحيحين.

قال النووي في "شرح مسلم" : قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (عَلَى قَدْر نَصَبك أَوْ قَالَ : نَفَقَتك ): هَذَا ظَاهِر فِي أَنَّ الثَّوَاب وَالْفَضْل فِي الْعِبَادَة يَكْثُر بِكَثْرَةِ النَّصَب وَالنَّفَقَة , وَالْمُرَاد النَّصَب الَّذِي لا يَذُمّهُ الشَّرْع , وَكَذَا النَّفَقَة " انتهى .

فالمشقة المصاحبة للعبادة تزيد من ثوابها، وإن كان لا يشرع طلب المشقة كما بينا في جواب السؤال رقم: (113215).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب