إذا جعل البائع خصما لمن بلغت مشترياته حدًّا معينا ، فإن ذلك لا بأس به ، وهو جائز .
والتكييف الفقهي لهذه المعاملة : أن العقد قد وقع واستقر على الثمن الأول ، (أي : بلا خصم) ، ثم وعد البائعُ المشتريَ أنه سيعطيه هدية (وهي هذا الخصم) إذا بلغت مشترياته حدًّا معينا ، وهذا لا بأس به .
ولا يشكل على ذلك أن الهبة معلقة على شرط قد يحصل وقد لا يحصل ، ولا أن مقدار الهبة مجهول ، بناء على اختلاف قيمة المشتريات ، كما في السؤال .
لأن الراجح من أقوال أهل العلم أن تعليق الهبة على الشرط جائزة ، وأن هبة المجهول جائزة .
وقد دلت السنة على جواز تعليق الهبة على شرط .
روى البخاري (2296) ومسلم (2314) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَوْ قَدْ جَاءَ مَالُ الْبَحْرَيْنِ قَدْ أَعْطَيْتُكَ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا) فَلَمْ يَجِئْ مَالُ الْبَحْرَيْنِ حَتَّى قُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَلَمَّا جَاءَ مَالُ الْبَحْرَيْنِ أَمَرَ أَبُو بَكْرٍ فَنَادَى: مَنْ كَانَ لَهُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِدَةٌ أَوْ دَيْنٌ فَلْيَأْتِنَا ، فَأَتَيْتُهُ ، فَقُلْتُ : إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِي : كَذَا وَكَذَا ، فَحَثَى لِي حَثْيَةً ، فَعَدَدْتُهَا فَإِذَا هِيَ خَمْسُ مِائَةٍ، وَقَالَ : خُذْ مِثْلَيْهَا.
وجاء في المعايير الشرعية: "مستند مشروعية تعليق الهبة على إتمام الإجارة: هو أن الهبة تقبل التعليق، وقد وهب النبي صلى الله عليه وسلم النجاشي هبة معلقة على وجوده حيا حين وصول حاملها إليه" انتهى.
وأما هبة المجهول ، فمذهب الإمام مالك رحمه الله جوازها ، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، فقال : "تنازع العلماء في هبة المجهول ، فجوزه مالك ... ولم يجوز ذلك الشافعي ، وكذلك المعروف في مذهب أبي حنيفة وأحمد ... ومذهب مالك في هذا أرجح" انتهى ، "مجموع فتاوى" شيخ الإسلام ابن تيمية (31/270) .
وقال ابن رشد رحمه الله: "ولا خلاف في المذهب: في جواز هبة المجهول، والمعدوم المتوقع الوجود، وبالجملة كل ما لا يصح بيعه في الشرع من جهة الغرر" انتهى من "بداية المجتهد" (4/ 114).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "وجاز هبة المجهول على القول الراجح؛ لأنها تبرع" انتهى من "الشرح الممتع" (9/ 193).
وقد بحث الدكتور خالد المصلح هذه المسألة [وهي إعطاء البائع للمشتري هدية إذا بلغت مشترياته حدا معينا] في كتابه "الحوافز التجارية التسويقية" ورجَّح أنها جائزة ، ونقل ذلك عن الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ، فقال : "وممن قال بجواز هذا النوع من الهدايا شيخنا العلامة محمد بن عثيمين رحمه الله ، ففي جواب له عن هذا النوع من الهدايا قال: "إذا كانت السلعة التي يبيعها هذا التاجر، الذي جعل الجائزة لمن تجاوزت قيمة مشترياته كذا وكذا، إذا كانت السلع تباع بقيمة المثل في الأسواق: فإن هذا لا بأس به" انتهى نقلا من "الحوافز التجارية التسويقية" د. خالد المصلح، ص110 .
والله أعلم .