أولا :
إذا نذر المسلم أن يفعل طاعة وجب عليه الوفاء بها ، لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلا يَعْصِهِ) رواه البخاري (6696) .
ويتأكد هذا الوجوب إذا كان النذر معلقا على حصول شيء ، كما في حالتك .
وقد توعد الله تعالى من يعاهدونه على فعل الطاعة إذا حصل لهم مقصودٌ ما ثم يخلفون .
قال الله تعالى، وهو يحكي حال المنافقين وفعالهم : (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكَذِبُونَ * أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) التوبة /75-78 .
قال ابن القيم رحمه الله : "إذَا قَالَ : إنْ سَلَّمَنِي اللَّهُ تَصَدَّقْت , أَوْ لأَتَصَدَّقَنَّ , فَهُوَ وَعْدٌ وَعَدَهُ اللَّهَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَفِيَ بِهِ , وَإِلا "دَخَلَ فِي قَوْلِهِ : ( فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ) ؛ فَوَعْدُ الْعَبْدِ رَبَّهُ : نَذْرٌ ؛ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَفِيَ لَهُ بِهِ .
والنذر المعلق أَوْلَى بِاللُّزُومِ مِنْ أَنْ يَقُولَ ابْتِدَاءً : " لِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا " ... وَإِخْلَافُهُ يُعْقِبُ النِّفَاقَ فِي الْقَلْبِ" انتهى، بتصرف .
ثانيا :
ما تركته من السنن التي نذرت فعلها ، يجب عليك قضاؤها ، لأنها بالنذر صارت واجبة ، وفيها شَبَه بالفرائض ، فإذا فاتت ، وجب قضاؤها .
سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء عن امرأة نذرت أن تصوم ثلاثين يوما كل سنة مدى الحياة إن شفاها الله ، وقد شفاها الله ، وقد صامت بعض سنوات ، ولكنها تركت النذر عدة سنوات بسبب الحمل والرضاعة، فماذا تفعل ؟
فأجابوا : "عليك الاستمرار في صيام ما نذرتيه كل سنة، وأن تقضي ما تركتيه من الشهور في أوقات الاستطاعة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه ، وقد مدح الله المؤمنين الموفين بالنذر في قوله عز وجل في سورة: هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ بقوله: يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا .
ونسأل الله لك الإعانة وأن يوفق الجميع لما يحب ويرضى.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز" انتهى، "فتاوى اللجنة الدائمة" (23/308) .
فينبغي أن تجتهد في تحديد عدد الركعات التي تركتها ، وتقضيها ، على قدر استطاعتك .
ثالثًا :
وهل يجب مع القضاء كفارة يمين ؟
في ذلك خلاف بين الأئمة ، فذهب الإمام أحمد إلى وجوب الكفارة ، لفوات الصفة التي وقع عليها النذر .
قال المرداوي رحمه الله في "الإنصاف" (11/141) : "وإن نذر صوم شهر معين ، فلم يصمه لغير عذر ، فعليه القضاء ، وكفارة يمين؛ بلا نزاع.
وإن لم يصمه لعذر ، فعليه القضاء ـ بلا نزاع ـ ، وفي الكفارة روايتان ( يعني عن الإمام أحمد ) والمذهب : أن عليه الكفارة أيضاً" انتهى بتصرف. وقوله: "بلا نزاع" في الموضعين؛ يعني: عند الحنابلة. وإلا، ففي أصل المسألة نزاع بين الفقهاء.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله فيمن " نذر أن يصوم عشرة أيام من شهر ما ، ثم لم يصمها في ذلك الشهر، وصامها في الشهر الثاني، فنقول له : إن عليك كفارة يمين ، لأن نذره تضمن شيئين : تضمن صيام عشرة أيام ، وأن تكون في هذا الشهر المعين ، فلما فاته أن تكون في هذا الشهر المعين، لزمته كفارة اليمين لفوات الصفة ، وأما الأيام فقد صامها" انتهى من " مجموع فتاوى ابن عثيمين" (19/ 377) .
وتجب عليك كفارة واحدة ، لأنه نذر واحد.
والله أعلم .