109

التفصيل في حكم مانع الزكاة

السؤال: 435329

كيف نجمع بين قوله تعالى: ( فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَوٰةَ فَإِخْوَٰنُكُمْ فِى ٱلدِّينِ )، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أُمِرْتُ أنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حتَّى يَشْهَدُوا أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وأنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللَّهِ، ويُقِيمُوا الصَّلَاةَ، ويُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذلكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وأَمْوَالَهُمْ إلَّا بحَقِّ الإسْلَامِ، وحِسَابُهُمْ علَى اللَّهِ)، وبين قوله صلى الله عليه وسلم: (ما مِنْ صاحِبِ ذهَبٍ ولا فِضَّةٍ لا يؤدِّي منها حقَّها إلَّا إذا كان يومُ القيامةِ، صُفِّحَتْ له صفائِحُ من نارٍ، فأُحمِيَ عليها في نارِ جهنَّمَ، فيُكوى بها جنبُه وجبينُه وظهرُه، كلَّما برُدَتْ أُعيدَت له، في يومٍ كان مقدارُه خمسينَ ألفَ سَنةٍ، حتَّى يُقضَى بين العبادِ؛ فيُرَى سبيلَه؛ إمَّا إلى الجنَّة وإمَّا إلى النَّار) آية، والحديث الأول يدل على أن يحرم دم إنسان إذا أقام صلاة ودفع زكاة، يعني أصبح مسلما، ولكن حديث ثاني إن تارك الزكاة يبقى تحت مشيئة، فكيف كافر يبقى تحت المشيئة؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

تارك الزكاة من غير جحود لا يكفر؛ لما روى مسلم (987) عن أبي هُرَيْرَةَ، قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ، لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا، إِلَّا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحُ مِنْ نَارٍ، فَأُحْمِيَ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ، فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ وَجَبِينُهُ وَظَهْرُهُ، كُلَّمَا بَرَدَتْ أُعِيدَتْ لَهُ، فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ، فَيَرَى سَبِيلَهُ، إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِمَّا إِلَى النَّارِ .

ومن كان تحت المشيئة: فهو مسلم من أهل الكبائر.

وإلى هذا ذهب جماهير أهل العلم، فلم يروا كفر مانع الزكاة، المقر بوجوبها، ولم يقاتِل عليها.

فإن منع الزكاة، ولم يقاتل عليها: قتل حدا عند الجمهور، واستدلوا له بحديث ابن عمر رضي الله عنهما الآتي:

قال في "مطالب أولي النهى" (1/ 283): " (وَمَنْ تَرَكَ زَكَاةً) تَهَاوُنًا، (أَوْ) تَرَكَ (صَوْمًا، أَوْ) تَرَكَ (حَجًّا، تَهَاوُنًا: قُتِلَ حَدًّا)؛ لَا كُفْرًا، وَذَلِكَ (بَعْدَ اسْتِتَابَةٍ، وَامْتِنَاعٍ) " انتهى.

وإن منع الزكاة، وقاتل على منعها: كان كافرا، على الصحيح، وقوتل قتال المرتدين؛ لإجماع الصحابة على قتال مانعي الزكاة، ومعاملتهم معاملة الكفار.

ويستدل لذلك بآية التوبة، وبحديث ابن عمر أن صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا، عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ، وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللهِ  رواه البخاري (25)، مسلم (22). ولفظ البخاري: إِلَّا بِحَقِّ الإِسْلاَمِ.

قال الإمام أبو عُبيد القاسم بن سلاّم (ت 224هـ)، رحمه الله، في كتابه الإيمان، ص17: "والمصدق لهذا جهاد أبي بكر الصديق رحمة الله عليه بالمهاجرين والأنصار على منع العرب الزكاة، كجهاد رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الشرك سواء، لا فرق بينهما في سفك الدماء وسبي الذرية واغتنام المال، فإنما كانوا مانعين لها غير جاحدين بها" انتهى.

وقال القاضي أبو يعلى رحمه الله في مسائل الإيمان، ص330 : "وأيضاً فإنه إجماع الصحابة، وذلك أنهم نسبوا الكفر إلى مانع الزكاة، وقاتلوه، وحكموا عليه بالردة، ولم يفعلوا مثل ذلك بمن ظهرت منه الكبائر، ولو كان الجميع كفاراً لسَوّوا بين الجميع" انتهى.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "الفتاوى" (28/519): "وقد اتفق الصحابة والأئمة بعدهم على قتال مانعي الزكاة، وإن كانوا يصلون الخمس، ويصومون شهر رمضان.

وهؤلاء لم يكن لهم شبهة سائغة، فلهذا كانوا مرتدين، وهم يقاتلون على منعها، وإن أقروا بالوجوب كما أمر الله" انتهى.

وقال: "والصحابة لم يقولوا: أنت مقر بوجوبها، أو جاحد لها؟ هذا لم يُعْهَدْ عن الخلفاء والصحابة، بل قد قال الصديق لعمر رضي الله عنهما: "والله لو منعوني عقالا، أو عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، لقاتلتهم على منعها " فجعل المبيح للقتال مجرد المنع، لا جحد الوجوب.

وقد رويَ أن طوائف منهم كانوا يقرون بالوجوب، لكن بَخِلوا بها، ومع هذا فسيرة الخلفاء فيهم جميعهم سيرة واحدة، وهي قتل مقاتلتهم، وسبي ذراريهم، وغنيمة أموالهم، والشهادة على قتلاهم بالنار، وسموهم جميعهم أهل الردة.

وكان من أعظم فضائل الصديق رضي الله عنه عندهم: أن ثبته الله عند قتالهم، ولم يتوقف كما توقف غيره، فناظرهم حتى رجعوا إلى قوله.

وأما قتال المقرين بنبوة مسيلمة، فهؤلاء لم يقع بينهم نزاع في قتالهم" انتهى من "الدرر السنية" (9/418).

وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: "مانعو الزكاة قسمان: قسم يمنع ولا يقاتل: هذا تؤخذ منه جبرا، ويبقى على إسلامه، ويكون إسلامه ناقصا ضعيفا، على خطر من عذاب الله يوم القيامة إلا أن يتوب.

وقسم يمنع ويقاتل، ولا يسلم، كما فعل أهل الردة في عهد الصديق رضي الله عنه: هذا يقاتل قتال المرتدين، كمن ترك الصلاة" انتهى من دروس شرح المنتقى للشيخ ابن باز

وسئل الشيخ عبد الرحمن البراك حفظه الله: "قولُ الشَّوكانيِّ إنَّ مانعي الزكاةِ ليسَ جميعُهم مرتدًّا وكافرًا، معَ قولِ مَن يقولُ بردَّتِهم وكفرِهم جميعًا، هل هما قولانِ لأهلِ السُّنَّةِ، وما الصَّوابُ في ذلكَ؟

الجواب : الَّذين امتنعُوا في عهدِ أبي بكرٍ: ظاهرُ حالِهم الكفرُ، كما قلْنا إنَّهم قاتلُوا دونها، فقتالُهم يدلُّ على إصرارِهم وجحدِهم لوجوبِها، كيفَ يقاتلونَ وهم يعتقدونَ وجوبَها عليهم" انتهى من موقع الشيخ البراك

فتبين بهذا أن الأدلة المذكورة لا تعارض بينهما، وهي تنتظم حالات منع الزكاة.

والله أعلم.

 

المراجع

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android