فرط في إخراج الزكاة لسنوات ثم افتقر، فماذا يلزمه؟

السؤال: 434471

أبواي لم يخرجا زكاة المال ولا زكاة الذهب منذ سنوات، مع علمهم بوجوبهما، وقدرتهم على ذلك فيما مضى، والآن افتقرنا وساءت حالتنا المادية بشكل واضح وكبير، ولنا بيتان اثنان، بيت نسكن فيه، وبيت نؤجره، فقلت لهما: أن يبيعا إحدى هذين البيتين، مع العلم أن أي من هذين البيتين إذا بيع قدرنا إن شاء الله إخراج الزكاة التي علينا، وفضل مبلغا لعمل مشروع نكتسب منه المال، إلا إنهم رفضوا؛ وذلك لأنهم أجّروا بيت من البيتين، مع العلم أن هذا المال الذي يأتينا من البيت المستأجر بالكاد يكفي للفواتير التي علينا، ولا يكفي للطعام خلال الشهر، وقد قال لنا المستأجر بنفسه: إنه يمكننا فسخ العقد متى أردنا، كما إنهم يخافان أن نفشل في المشروع، لأنها ليست أول مرة نفشل فيها، فأشرت إليهم هذا الأمر، وقلت لهم: أن ليس لنا عذر؛ لأنه يمكننا أن نبيع بيتا من البيتين، فليس عذرا لأن نؤجل دفع الزكاة، وليس عذرا لأن يكون هذا حالنا من الفقر، وقد أنعم الله علينا ببيت قد يتحسن به حالنا، وعظمت لهما هذا الأمر، وأنكرت عليهم هذا، إلا أنهم زجروني، وأنكروا عليّ هذا، واستهزأوا بي.
فوجهونا، يرحمكم الله تعالى، وأرجوا أن ترسلوا رسالة إلى أبوي.

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

أولاً:

يجب على المسلم إخراج زكاته على الفور، ومن أخر إخراج زكاته لسنوات، وهو قادر على إخراجها: كان آثما. وتبقى الزكاة في ذمته، ويجب عليه إخراجها فورًا، ولا يؤخرها.

قال النووي رحمه الله: "ومن وجبت عليه الزكاةُ، وقدر على إخراجها: لم يجز له تأخيرها؛ لأنه حق ‌يجب ‌صرفه إلي ‌الآدمي، ‌توجهت ‌المطالبة ‌بالدفع ‌إليه؛ فلم يجز له التأخير. كالوديعة إذا طالب بها صاحبها.

فان أخرها وهو قادر علي أدائها: ضمنها؛ لأنه أخر ما يجب عليه، مع إمكان الأداء: فضمنه، كالوديعة" انتهى من "المجموع شرح المهذب" (5/ 331).

وقال رحمه الله: "قد ذكرنا أن مذهبنا أنها إذا وجبت الزكاة، وتمكن من إخراجها، وجب الإخراج على الفور، فإن أخرها أثم، وبه قال مالك وأحمد وجمهور العلماء" انتهى من "المجموع شرح المهذب" (5/ 335).

وقال ابن مفلح رحمه الله: "لا يجوز تأخيرها عن وقت وجوبها مع إمكانه، مع القدرة؛ لقوله تعالى: ‌وآتوا ‌حقه ‌يوم ‌حصاده [الأنعام: 141] والمراد الزكاة، والأمر المطلق للفور، بدليل أن المدخر مستحق العقاب" انتهى من ""المبدع في شرح المقنع" (2/ 388).

وجاء في الموسوعة الفقهية: "ذهب جمهور العلماء، ومنهم الحنفية على المفتى به عندهم، إلى أنه لا يجوز تأخير دفع الزكاة عن وقت استحقاقها، وأنها يجب إخراجها على ‌الفور، لقوله تعالى: ‌وآتوا ‌حقه ‌يوم ‌حصاده.

وهذا في زكاة الزروع ويلحق بها غيرها" انتهى من "الموسوعة الفقهية الكويتية" (10/ 9).

ثانياً:

افتقار والديك بعد الغنى لا يسقط عنهما الزكاة التي فرطا في إخراجها، فإن من وجبت عليه زكاة، وفرط في إخراجها، ثم تلف مالُه الزكوي: فإن الزكاة لا تسقط عنه.

وقد أخطأ والداك في تأخير إخراج زكاتهما من غير عذر شرعي. فعليهما التوبة من هذا الذنب العظيم، والحرص على إخراج ما تعلق بذمتهم فوراً.

قال ابن قدامة رحمه الله:

«الزكاة لا تسقط بتلف المال، فرط أو لم يفرط. هذا المشهور عن أحمد.

وحكى عنه الميموني أنه إذا تلف النصاب قبل التمكن من الأداء، سقطت الزكاة عنه، وإن تلف بعده، لم تسقط. وحكاه ابن المنذر مذهبا لأحمد رضي الله عنه.

وهو قول الشافعي، والحسن بن صالح، وإسحاق، وأبي ثور، وابن المنذر. وبه قال مالك» انتهى من "المغني" (4/ 144).

ثم قال رحمه الله بعد أن ساق الخلاف في ثبوتها في الذمة بتفريط أو بغير تفريط:

«والصحيح، إن شاء الله، أن الزكاة تسقط بتلف المال، إذا لم يفرط في الأداء؛ لأنها تجب على سبيل المواساة، فلا تجب على وجه يجب أداؤها مع عدم المال، وفقر من تجب عليه.

ومعنى التفريط، أن يتمكن من إخراجها فلا يخرجها.

وإن لم يتمكن من إخراجها، فليس بمفرط، سواء كان ذلك لعدم المستحق، أو لبعد المال عنه، أو لكون الفرض لا يوجد في المال، ويحتاج إلى شرائه، فلم يجد ما يشتريه، أو كان في طلب الشراء، أو نحو ذلك" انتهى من "المغني" لابن قدامة (4/ 145).

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:

"والصحيح في هذه المسألة: أنه إن تعدى أو ‌فرط ضمن، وإن لم يتعد ولم يفرط فلا ضمان؛ لأن ‌الزكاة بعد وجوبها أمانة عنده، والأمين إذا لم يتعد ولم يفرط فلا ضمان عليه...

فإن تعدى، بأن وضع المال في مكان يقدر فيه الهلاك، ضمن ما تلف من المال بعد وجوب ‌الزكاة.

وكذلك لو ‌فرط فأخر إخراجها بلا مسوغ شرعي، وتلف المال فإنه يضمن ‌الزكاة" انتهى من "الشرح الممتع على زاد المستقنع" (6/ 45).

ثالثاً:

إذا تلف المال الزكوي الذي وجبت فيه الزكاة، وقد تعلقت الزكاة بذمة صاحب المال فإنه يخرجه من أي مال لديه، فإن لم يكن له مال، فإنه يخرجها متى حصل له المال، ولو أقساطاً، كلما أمكنه أن يخرج شيئا، أخرجه.

سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: " شخص لم يخرج زكاة أربع سنين، ماذا يلزمه؟

فأجاب: هذا الشخص آثم في تأخير الزكاة؛ لأن الواجب على المرء أن يؤدي الزكاة فور وجوبها، ولا يؤخرها؛ لأن الواجبات الأصل وجوب القيام بها فوراً.

وعلى هذا الشخص أن يتوب إلى الله عز وجل من هذه المعصية، وعليه أن يبادر إلى إخراج الزكاة عن كل ما مضى من السنوات، ولا يسقط شيء من تلك الزكاة، بل عليه أن يتوب ويبادر بالإخراج حتى لا يزداد إثماً بالتأخير " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (18/ 295).

رابعاً:

الذي يظهر أنه لا يلزم والديك بيعُ البيت الذي يؤجرانه وينفقان منه، فقد نص الفقهاء أنه يجب عليهما الأداء من غير مضرة.
وبيع البيت لإخراج الزكاة وليس لهما مصدر ينفقان منه ضرر بيّن.

قال ابن قدامة رحمه الله:

"وإن قلنا بوجوبها بعد تلف المال، فأمكن المالكَ أداؤها، أدَّاها، وإلا أُنْظِرَ بها إلى ميسرته، وتمكنه من أدائها من غير مضرة عليه؛ لأنه إذا لزم إنظارُه بدين الآدمي المتعين، فبالزكاة التي هي حق الله تعالى أولى».

وقال المرداوي رحمه الله:

" وإن تعذّر إخراجها من النصاب، لغَيْبةٍ أو غيرها: جاز التأخير إلى القدرة " انتهى من في "الإنصاف" (3/ 186).

وقال الشيخ ابن باز رحمه الله:

«وأما سؤالك عن زكاة الأرضين اللتين تملكهما، فإن كانتا معدتين للتجارة فالواجب تقويمهما في نهاية كل سنة، وتدفع زكاتهما مع القدرة.

فإذا عجزت عن ذلك، جاز التأخير إلى القدرة.

وليس عليك أن تستقرض، بل تبقى الزكاة دينا في ذمتك حتى تستطيع إخراجها لقول الله سبحانه: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وقوله تعالى: وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ» انتهى من "مجموع فتاوى ومقالات متنوعة" لابن باز (14/ 178).

والله أعلم.

المراجع

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android