السبت 11 شوّال 1445 - 20 ابريل 2024
العربية

إذا ضاق الوقت بين إدراك عرفة أو صلاة العشاء، فماذا يفعل؟

403788

تاريخ النشر : 15-04-2023

المشاهدات : 1389

السؤال

لو أن محرما بالحج سعى إلى عرفة، فقرب وقت طلوع الفجر ليلة النحر ولم يصلِ صلاة العشاء، فأيهما اشتغل به فاته الآخر فماذا يفعل؟ قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: الأصح يذهب لإدراك الوقوف ويؤخر الصلاة فإنه يجوز تأخير الصلاة بعذر الجمع. السؤال هنا: كيف يمكن التأخير ويجمع صلاة العشاء؟ أتمنى شرح هذه النقطه من كتاب الإيضاح في مناسك الحج والعمرة للإمام النووي باب الوقوف في عرفات ص٢٩٣.

الجواب

الحمد لله.

قال الإمام النووي رحمه الله تعالى:

" لو أن محرما بالحج سعى إلى عرفة فقرب منها قبل طلوع الفجر ليلة النحر بحيث بقي بينه وبينها قدر يسع صلاة العشاء، ولم يكن بعد صلى العشاء ، فقد تعارض في حقه أمر الوقوف وصلاة العشاء ، فأيهما اشتغل به فاته الآخر فكيف يفعل؟

فيه ثلاثة أوجه لأصحابنا:

أصحها : أنه يذهب لإدراك الوقوف، فإنه يترتب على فواته مشاق كثيرة ، من وجوب القضاء ، ووجوب الدم للقضاء، وربما تعذر القضاء، وفيه تغرير عظيم بالحج ، فينبغي أن يحافظ عليه ، ويؤخر الصلاة، فإنه يجوز تأخيرها بعذر الجمع، وهذا أشد حاجة منه " انتهى من "الإيضاح" (ص 293).

صورة هذه المسألة: هي في حق من هو خارج عرفة ويسعى لإدراك الوقوف، ولم يصل العشاء بعد، واقترب طلوع الفجر، فإن صلى العشاء ثم أكمل سيره لم يدرك الوقوف.

فصحح الإمام النووي رحمه الله تعالى أنه يؤخر العشاء لهذه الحاجة الماسة، وقاس هذا على جواز إخراج الصلاة عن وقتها بجمعها مع التالية كالظهر مع العصر، والمغرب مع العشاء لعذر عارض، فإذا جاز هذا جاز تأخير العشاء إلى ما بعد الفجر، من باب أولى، لأن المشقة في تأخيرها هنا أشد من المشقة التي تجيز الجمع.

قال رحمه الله تعالى في كتابه "المجموع" (2/12):

" والصلاة يجوز تأخيرها بعذر الجمع الذي ليس فيه هذه المشقة – مشقة فوات الحج - ولا قريب منها، مع إمكان قضائها في الحال " انتهى.

فليس قصده إذن أن العشاء تجمع جمع تأخير.

والذي يترجح في هذه المسألة؛ هو الوجه الثالث الذي ذكره بقوله:

" أنه يجمع بينهما [أي : بين الصلاة في الوقت ، وإدراك الوقوف بعرفة] فيصلي صلاة شدة الخوف، فيحرم بالصلاة ويشرع فيها ويعدو ذاهبا إلى الموقف، وهذا عذر من أعذار صلاة شدة الخوف، والله تعالى أعلم " انتهى من "الإيضاح" (ص 293 – 294).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

" وإن لم يصل العشاء إلى آخر ليلة النحر، وخاف إن نزل لها فاته الحج، فقياس المذهب أنه يصلي صلاة الخائف؛ لأن تفويت كل واحدة من العبادتين غير جائز، وفوات الحج أعظم ضررا في دينه ونفسه من فوت قتل كافر " انتهى من "شرح العمدة - المناسك" (3/656).

وقوله: " فوت قتل كافر": مراده: أن صلاة شدة الخوف شرعت لئلا يفوته قتل الكافر في الجهاد. مع أن فوت قتل المسلم للكافر، أخف من فوات صلاة العشاء، أو فوات إدراك الوقوف بعرفة.

وقال المرداوي رحمه الله تعالى:

" لو خاف فوت الوقوف إن صلى صلاةَ آمنٍ، فقيل: يصلى صلاة خائف. اختاره الشيخ تقى الدين. قلت: وهو الصواب. وقيل: تقدم الصلاة ولو فات الوقوف. قلت: وفيه بعد، وإن كان ظاهرَ كلام الأكثر... " انتهى من "الإنصاف" (9/173).

وقال ابن القيم رحمه الله تعالى:

" وأما الذي ضاق عليه وقت الوقوف بعرفة والصلاة؛ فإن الواجب في حقه تقوى الله بحسب الإمكان، وقد اختلف في تعيين ذلك الواجب على ثلاثة أقوال في مذهب أحمد وغيره:

أحدها: أن الواجب في حقه معيّنا إيقاع الصلاة في وقتها؛ فإنها قد تضيقت، والحج لم يتضيق وقته، فإنه إذا فعله في العام القابل لم يكن قد أخرجه عن وقته، بخلاف الصلاة.

والقول الثاني: أنه يقدم الحج، ويقضى الصلاة بعد الوقت؛ لأن مشقة فواته، وتكليفُه إنشاء سفر آخر، أو إقامة في مكة إلى قابل: ضرر عظيم تأباه الحنيفية السمحة، فيشتغل بإدراكه، ويقضى الصلاة بعد الوقت.

والثالث: يقضى الصلاة وهو سائر إلى عرفة، فيكون في طريقه مصليا، كما يصلى الهارب من سيل أو سبع أو عدو اتفاقا، أو الطالب لعدو يخشى فواته، على أصح القولين. وهذا أقيس الأقوال وأقربها إلى قواعد الشرع ومقاصده؛ فإن الشريعة مبناها على تحصيل المصالح بحسب الإمكان، وأن لا يفوت منها شيء، فإن أمكن تحصيلها كلها حصلت، وإن تزاحمت ولم يمكن تحصيل بعضها إلا بتفويت البعض، قدم أكملها وأهمها وأشدها طلبا للشارع " انتهى من "مفتاح دار السعادة" (2 / 904 – 905).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب