هل صحيح أن من يمارس اللواط والسحاق لا تقبل لهم توبة؟

السؤال: 364443

لما بلغت سن التكليف، كنت مارست مع بنت خالتي السحاق ، كنت أعلم أنه لا يجوز، لكن لا أعلم أنه بهذه الحرمة، مؤخرا قرأت حديث: (ثلاثة لا تقبل منهم شهادة أن لا إله إلا الله، الراكب والمركوب، والراكبة والمركوبة، والامام الجائر)، فتدمرت كثيرا، حتى وددت لو إنني لم أسمع بهذا الحديث، فما صحة هذا الحديث؟ وما علاقته بالأحاديث التي تقول بما معناه: (لو وصلت الذنوب عنان السماء لغفر للتائب)، (ومن قال لا إله إلا الله دخل الجنة)، (ومن كان في قلبه ذرة من إيمان دخل الجنة).
أليس الله يغفر الذنوب جميعا إلا أن يشرك به، وما علاقة هذا بقوم لوط، ذلك إن النبي لوط عليه السلام دعاهم إلى التوحيد سنوات طوال رغم فحشهم، أليس لو أنهم آمنوا لغفر لهم؟ وكيف لا يغفر لي، وأنا مؤمنة؟
أعتذر عن طول السؤال، لكنني والله متدمرة، وحياتي أسودت، قد مر على هذا الفعل 10 سنوات، ولم أعد إليه أبدا، وأدعو الله بالليل والنهار، أرجو شرحا، وجوابا مفصلا عن هذا الأمر، جزاكم الله خيرا.

ملخص الجواب

هذا الحديث غير صحيح وهو مخالف للنصوص الشرعية الثابتة الدالة على أن الفواحش مع عظم جرمها إلا أنه لا يكفر بها فاعلها مادام ليس مستحلا لها.

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

أولا:

هذا الحديث رواه الطبراني في "المعجم الأوسط" (3 / 266)، قال: حَدَّثَنَا بَكْرٌ قَالَ: أخبرنا أَبُو عَطَاءٍ بِلَالُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ صَالِحِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ رَاشِدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَرْمَلَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( ثَلَاثَةٌ لَا تُقْبَلُ لَهُمْ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ: الرَّاكِبُ وَالْمَرْكُوبُ، وَالرَّاكِبَةُ وَالْمَرْكُوبَةُ، وَالْإِمَامُ الْجِائِرُ ).

وقال الطبراني: " لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ ابْنِ حَرْمَلَةَ إِلَّا عُمَرُ بْنُ رَاشِدٍ، وَلَا عَنْ عُمَرَ إِلَّا صَالِحُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ، تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو عَطَاءٍ " انتهى.

فهذا الحديث من رواية عمر بن راشد وهو متهم بالكذب.

قال ابن حبان رحمه الله تعالى:

" عمر بن راشد الجاري القرشي: مولى عبد الرحمن بن أبان بن عثمان، كان ينزل "الجار"، وهو الذي يقال له الساحلي: يضع الحديث على مالك وابن أبي ذئب وغيرهما من الثقات، لا يحل ذكره في الكتب إلا على سبيل القدح فيه، فكيف الرواية عنه؟! " انتهى. "المجروحين" (2 / 94).

وقال ابن أبي حاتم رحمه الله تعالى:

" سمعت أبي يقول: كتبت من حديثه ورقتين، ولم أسمع منه، لما وجدته كذبا وزورا " انتهى. "الجرح والتعديل" (6 / 108).

وقال الهيثمي رحمه الله تعالى، عن هذا الحديث:

" رواه الطبراني في الأوسط، وفيه عمر بن راشد المدني الحارثي: وهو كذاب " انتهى. "مجمع الزوائد" (6 / 272).

وحكم الشيخ الألباني رحمه الله تعالى، على هذا الحديث: بأنه "موضوع"، كما في "السلسلة الضعيفة" (11 / 601)، و (14/378).

قال رحمه الله تعالى:

" عمر بن راشد، هو المدني الجاري، قال الحافظ الذهبي في "المغني ":

" قال أبو حاتم: وجدت حديثه كذبا وزورا، وهو، عمر بن راشد مولى بني أمية) الذي تكلم فيه ابن عدي، يقال له: الجاري كان ينزل (الجار)".

قلت: ساق له ابن عدي في "الكامل " (5/ 17 - 18) عدة أحاديث منكرة، وقال في خاتمة الترجمة:

" ليس بالمعروف، وهذه الأحاديث التي أمليتها كلها مما لا يتابعه الثقات عليها".

قلت: فهو الآفة؛ إن سلم ممن دونه " انتهى. "السلسلة الضعيفة" (14 / 378).

فالخلاصة: أن الحديث ضعيف جدا، بل موضوع؛ لأنه من رواية متهم بالكذب.

ثانيا:

ومع كون هذا الحديث غير صحيح، فهو أيضا يخالف النصوص الشرعية الثابتة التي تنص على أن الفواحش مع عظم جرمها إلا أنه لا يكفر بها فاعلها مادام ليس مستحلا لها.

قال ابن أبي العز الحنفي رحمه الله تعالى:

" أهل السنة متفقون كلهم على أن مرتكب الكبيرة لا يكفر كفرا ينقل عن الملة بالكلية ، كما قالت الخوارج؛ إذ لو كفر كفرا ينقل عن الملة لكان مرتدا يقتل على كل حال، ولا يقبل عفو ولي القصاص، ولا تجري الحدود في الزنا والسرقة وشرب الخمر. وهذا القول معلوم بطلانه وفساده بالضرورة من دين الإسلام. ومتفقون على أنه لا يخرج من الإيمان والإسلام ، ولا يدخل في الكفر، ولا يستحق الخلود مع الكافرين، كما قالت المعتزلة، فإن قولهم باطل أيضا؛ إذ قد جعل الله مرتكب الكبيرة من المؤمنين ... " انتهى. "شرح الطحاوية" (ص 321).

وقال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى، معلقا على هذا الحديث:

" هذا الحديث عندي موضوع باطل، ظاهر البطلان؛ لأنه مخالف كما عليه أهل السنة: أن الشهادة لا يبطلها الإخلال بشيء من أعمال الجوارح الواجبة؛ لقوله تعالى: ( إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ )، إلى غير ذلك من النصوص الثابتة التي يرد بها العلماء على أهل الأهواء؛ كالإباضية والخوارج، ومن جرى مجراهم، وضل ضلالهم من جهلة العصر الحاضر.

فالعجب: كيف خلت منه كتب الموضوعات، مثل "موضوعات ابن الجوزي "، و " اللآلي المصنوعة في الأحاديث الموضوعة" للسيوطي، و "ذيل الموضوعات " له؛ فضلا عن " العلل المتناهية " لابن الجوزي، وغيرها " انتهى. "السلسلة الضعيفة" (14 / 379).

ثالثا:

على المسلم أن يبادر إلى التوبة من ذنبه مهما كان نوعه ومهما كان حجمه، ولا ييأس من رحمة الله تعالى، فإن اليأس كبيرة من كبائر الذنوب، ومن صفات أهل الكفر والضلال؛ كما في قول الله تعالى: ( إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ) يوسف (87).

وقال الله تعالى: ( قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ ) الحجر (56).

وعن فَضَالَة بْن عُبَيْدٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: ( وَثَلَاثَةٌ لَا تَسْأَلْ عَنْهُمْ: رَجُلٌ نَازَعَ اللهَ رِدَاءَهُ، فَإِنَّ رِدَاءَهُ الْكِبْرِيَاءُ وَإِزَارَهُ الْعِزَّةُ، وَرَجُلٌ شَكَّ فِي أَمْرِ اللهِ، وَالْقَنُوطُ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ ) رواه الإمام أحمد (39 / 368)، وصححه محققو المسند، وصححه الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (2 / 81).

وعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّهُ قَالَ: ( أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ: الْإِشْرَاكُ بِاللهِ، وَالْأَمْنُ مِنْ مَكْرِ اللهِ، وَالْقَنُوطُ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ، وَالْيَأْسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ ) رواه الطبراني في "المعجم الكبير" (9 / 171)، وصححه الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (5 / 79).

فمن ابتلي بفاحشة اللواط، أو من ابتليت بفاحشة السحاق: عليهم أن يبادروا إلى التوبة والاستغفار، ولا يجمعوا بين ذنب الفاحشة وذنب اليأس من رحمة الله تعالى.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

" أهل الفواحش الذين لم يغضوا أبصارهم، ولم يحفظوا فروجهم: مأمورون بالتوبة، وإنما أمروا بها لتقبل منهم، فالتوبة مقبولة منهم ومن سائر المذنبين، كما قال تعالى: ( أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ )، وقال تعالى: ( وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ )، وسواء كانت الفواحش مغلظة لشدتها وكثرتها - كإتيان ذوات المحارم وعمل قوم لوط أو غير ذلك - وسواء تاب الفاعل أو المفعول به، فمن تاب تاب الله عليه، بخلاف ما عليه طائفة من الناس، فإنهم إذا رأوا من عمل من هذه الفواحش شيئا، أيَّسوه من رحمة الله، حتى يقول أحدهم: من عمل من ذلك شيئا لا يفلح أبدا، ولا يرجون له قبول توبة...

ويقولون: إن هذا لا يعود صالحا، ولو تاب، مع كونه مسلما مقرا بتحريم ما فعل.

ويُدخلون في ذلك من استكره على فعل شيء من هذه الفواحش، ويقولون: لو كان لهذا عند الله خير، ما سلط عليه من فعل به مثل هذا واستكرهه...

والفقيه كل الفقيه: هو الذي لا يُؤْيسُ الناس من رحمة الله، ولا يُجرِّئهم على معاصي الله...

فأنزل الله في حق هذه الأمة: ( وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ )، فخص الفاحشة بالذكر مع قوله: ( أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ )، والظلم يتناول الفاحشة وغيرها، تحقيقا لما ذكرناه من قبول التوبة من الفواحش مطلقا، من اللَّذَينِ يأتيانها، من الرجال والنساء جميعا.

وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا ) ... و قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ، وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً )...

وإنما الغرض أن الله يقبل التوبة من كل ذنب، كما دل عليه الكتاب والسنة.

والفواحش، خصوصا: ما علمت أحدا نازع في التوبة منها، والزاني والمزنى به مشتركان في ذلك إن تابا تاب الله عليهما.

ويبين التوبة، خصوصا من عمل قوم لوط، من الجانبين: ما ذكره الله في قصة قوم لوط؛ فإنهم كانوا يفعلون الفاحشة بعضهم ببعض، ومع هذا فقد دعاهم جميعهم إلى تقوى الله والتوبة منها، فلو كانت توبة المفعول به أو غيره لا تقبل لم يأمرهم بما لا يقبل، قال تعالى: ( كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ )، فأمرهم بتقوى الله المتضمنة لتوبتهم من هذه الفاحشة " انتهى. "مجموع الفتاوى" (15 / 404 – 409).

وأفضل سبيل لمثل حالك هو أن تفرحي بتوفيق الله تعالى لك بالتوبة، وبأن تعرضي عن التفكير في هذه الحادثة، فكلما خطرت ببالك تعوذي بالله من الشيطان الرجيم وتحمدي الله تعالى أن وفقك للتوبة منها ، وتشغلي نفسك بالنافع والمباح من الأفعال والأفكار.

والله أعلم.

المراجع

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android