ما سبب استحباب افتتاح قيام الليل بركعتين خفيفتين؟

السؤال: 363163

إذا كان من المستحب بدء قيام الليل بركعتين خفيفين، فإذا قمت الليل قبل النوم وصليت هاتين الركعتين وركعتين بعدهما، ثم استيقظت في الثلث الأخير وأردت قيام الليل أيضاً فهل أصلي الركعتين الخفيفتين في بدء القيام مرة أخرى أم لا؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

أولا:

يستحب افتتاح قيام الليل بركعتين خفيفتين.

عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: ( كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ لِيُصَلِّيَ، افْتَتَحَ صَلَاتَهُ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ ) رواه مسلم (767).

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ( إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنَ اللَّيْلِ، فَلْيَفْتَتِحْ صَلَاتَهُ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ ) رواه مسلم (768).

ومن كان يصلي شطرا من قيام الليل ثم ينام ثم يستيقظ ويستكمل المتبقي من الركعات، هل يكرّر هاتين الركعتين؟

القول بتكريرهما وعدمه متوقف على معرفة علة وسبب مشروعيتهما.

فبعض أهل العلم رأى أن السبب هو تنشيط الجسد بعد النوم، فلا يكّلفه قياما طويلا مباشرة عقب النوم.

قال القاضي عياض رحمه الله تعالى:

" وقوله: ( إذا قام من الليل افتتح صلاته بركعتين خفيفتين )، وفى الحديث الآخر: " أمره بذلك لمن قام به ": ووجه الحكمة فيه رياضة النفس والجسد بهما، وذهاب الكسل عنه فيهما، ليستقبل قيام ليله بنشاط واجتماع نفس، وعلى أتم وجوه الخشوع والكمال " انتهى. "اكمال المعلم" (3 / 138).

وقال النووي، رحمه الله:

"قولهما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل ليصلي افتتح صلاته بركعتين خفيفتين، وفي حديث أبي هريرة الأمر بذلك: هذا دليل على استحبابه ‌لينشط ‌بهما ‌لما بعدهما" انتهى، من "شرح النووي على مسلم" (6/ 54).

وقال القرطبي في "المفهم" (2/373) : "هذا أمر على جهة الإرشاد إلى ما يدفع به بقايا النوم ، وينشِّط إلى الصلاة" انتهى .

فعلى هذا القول:

إنما يشرع بدء صلاة الليل بركعتين خفيفتين: إذا كان قيامه تهجدا، يعني: بعد نومة سبقته.

وأما إن كان يصلي من أول الليل، كما هو شأن صلاة التراويح، عند عامة الناس: فإنه يبدأ صلاته مباشرة، ولا يحتاج، أو لا يستحب له أن يبدأ بهاتين الركعتين.

قال ابن رسلان: "من السُنَّة أن يفتتح المتهجد صَلاته برَكعتَين خَفيفتين؛ لينشط بهما لما بعدهما" انتهى، من "شرح سنن أبي داود لابن رسلان" (1/ 494).

وعلى ذلك أيضا: إذا صلى ما شاء أن يصلي، ثم نام، ثم استيقظ ليصلي من آخر الليل، أو نحوه: فإنه يشرع له أن يبدأ بركعتين خفيفتين، يطرد عنه كسل النوم، ويبادر بحل عقد الشيطان.

ثانيا:

ذهب بعض أهل العلم إلى أن هاتين الركعتين: من سنة الوضوء.

قال الملا علي القاري رحمه الله تعالى:

" (افتتح صلاته بركعتين خفيفتين): قال في الأزهار: المراد بهما ركعتا الوضوء، ويستحب فيهما التخفيف؛ لورود الروايات بتخفيفهما قولا وعملا. اهـ.

والأظهر أن الركعتين من جملة التهجد يقومان مقام تحية الوضوء؛ لأن الوضوء ليس له صلاة على حدة.

فيكون فيه إشارة إلى أن من أراد أمرا يشرع فيه قليلا ليتدرج، قال الطيبي: ليحصل بهما نشاط الصلاة ويعتاد بهما، ثم يزيد عليهما بعد ذلك " انتهى. "مرقاة المفاتيح" (3 / 264).

والقول الأول: هو أرجح القولين، وأظهرهما من حيث الدليل، وظاهر السنة، وهو المشهور عند العلماء، وشراح الحديث.

وقد ترجم الإمام ابن حبان في "صحيحه" على حديث أبي هريرة: (يعقد الشيطان على قافية أحدكم)، بقوله:

"ذِكْرُ اسْتِحْبَابِ ‌حَلِّ ‌عُقَدِ ‌الشَّيْطَانِ الَّتِي عَلَى قَافِيَةِ الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ عِنْدَ نَوْمِهِ بِانْتِبَاهِهِ لِصَلَاةِ اللَّيْلِ". انتهى. "صحيح ابن حبان: التقاسيم والأنواع" (1/ 228).

وقال أبو الفضل العراقي في "طرح التثريب" (3/85) : "هَلْ يَحْصُلُ انْحِلَالُ عُقْدَةِ الشَّيْطَانُ الْأَخِيرَةِ بِمُجَرَّدِ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ أَوْ بِتَمَامِهَا؟ الظَّاهِرُ الثَّانِي ، فَإِنَّهُ لَوْ أَفْسَدَهَا قَبْلَ تَمَامِهَا لَمْ يَحْصُلْ بِذَلِكَ غَرَضٌ.

وَرَأَيْت وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمَّا سُئِلَ عَنْ الْحِكْمَةِ فِي افْتِتَاحِ صَلَاةِ اللَّيْلِ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ، أَجَابَ عَنْ ذَلِكَ: بِأَنَّ الْحِكْمَةَ فِيهِ اسْتِعْجَالُ حَلِّ عُقَدِ الشَّيْطَانِ.

وَهُوَ مَعْنًى حَسَنٌ بَدِيعٌ، وَمُقْتَضَاهُ مَا رَجَّحْته مِنْ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إلَّا بِتَمَامِ الصَّلَاةِ.

وَلَا يَخْدِشُ فِي هَذَا الْمَعْنَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُنَزَّهٌ عَنْ عَقْدِ الشَّيْطَانِ عَلَى قَافِيَتِهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: إنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَعَلَ ذَلِكَ تَشْرِيعًا لِأُمَّتِهِ لِيَقْتَدُوا بِهِ فَيَحْصُلَ لَهُمْ هَذَا الْمَقْصُودُ . وَاَللَّهُ أَعْلَم" انتهى.

وقال الفيومي، رحمه الله: "وقد ذكروا له معنيين أحدها الإسراع والمبادرة إلى ‌حل ‌عقد ‌الشيطان كما ورد في قوله صلى الله عليه وسلم "يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد" الحديث. وفي رواية ابن ماجه "يعقد الشيطان في حبل على قافية رأس أحدكم". والحبل هنا مجاز، ولطوله مناسبة لقوله صلى الله عليه وسلم "عليك ليل طويل"...

والثاني: إذا قام من الليل وشرع في الصلاة فربما بقيت عنده بقايا نوم وشوائب فإذا صلى ركعتين حصل له إدمان على الطاعة وإقبال على العبادة". انتهى، من "فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب" (2/ 534).

وقد سئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين، رحمه الله : ما تقولون في ‌إمام ‌يفتتح صلاة القيام بجماعته بركعتين خفيفتين من إحدى عشرة ركعة فما صحة فعله؟

‌‌فأجاب:

"فعله هذا ليس بصحيح، افتتاح القيام الذي هو التراويح بركعتين خفيفتين غير صحيح؛ لأن افتتاح قيام الليل بركعتين خفيفتين إنما يكون لمن نام، ووجه ذلك: أن الإنسان إذا نام عقد الشيطان على قافيته ثلاث عقد، فإذا قام وذكر الله انحلت عقدة، فإذا تطهر انحلت العقدة الثانية، فإذا صلى انحلت العقدة الثالثة، ولهذا صار الأفضل لمن قام الليل بعد النوم أن يفتتح قيام الليل بركعتين خفيفتين ثبتت بذلك السنة من قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفعله، أما التراويح فإنها تفعل قبل النوم فلا تفتتح بركعتين خفيفتين". انتهى، من "اللقاء الشهري" (8/ 31 بترقيم الشاملة آليا).

وقال الشيخ رحمه الله، أيضا:

"الخير كل الخير فيما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم، قال عليه الصلاة والسلام: (اكلفوا من العمل ما تطيقون) أي: لا تكلفوا أنفسكم، وإنما الذي تطيقون، وقال صلى الله عليه وسلم: (أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل) أي: الذي يديم عليه الإنسان وإن قل، فإذا حصل لك في آخر الليل قبل الفجر بنصف ساعة، تقوم وتتوضأ وتقرأ ما ينبغي أن يقرأ عند الاستيقاظ، وتصلي ولو ثلاث ركعات (الوتر) وتداوم على هذا، فهو خير والحمد لله.

لكن ‌ابدأ ‌صلاة ‌الليل بعد النوم بركعتين خفيفتين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك ويأمر به؛ أن تبدأ صلاة الليل بركعتين خفيفتين، والحكمة من هذا: أن الإنسان إذا نام فإن الشيطان يعقد على ناصيته ثلاث عقد، ثم إذا قام من نومه وذكر الله انحلت عقدة، ثم إذا توضأ انحلت العقدة الثانية، ثم إذا صلى انحلت العقدة الثالثة، فكان ينبغي أن يجعل الصلاة أول ما يصلي بعد النوم ركعتين خفيفتين، وهذا سهل، نصف ساعة قبل صلاة الفجر تداوم عليها يكون هذا العمل عند الله عز وجل أحب ما يكون، فإن أحب ما يكون أن تداوم على العمل الصالح". "اللقاء الشهري" (59/ 6 بترقيم الشاملة آليا).

والحاصل:

أن صلاة ركعتين خفيفتين في أول قيام الليل: إنما تستحب لمن كان يصلي التهجد؛ أي بعد ما نام قبله.

فإن صلى أول الليل، من غير النوم: لم تستحب هاتان الركعتان في حقه.

وإن صلى ما صلى، ثم نام، ثم قام ليصلي: استحب أن يبدأ تهجده بركعتين خفيفتين، تطردان عنه ما بقي ما كسل النوم، ويبادر بهما حقل عقد الشيطان.

والله أعلم.

المراجع

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android