الواجب على المكلف، على جهة العموم: أن يرضي والديه، بكل ما أمكنه، وأن يطيعهما في أمرهما ونهيهما، فذلك من تمام برهما.
عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: رِضَى الرَّبِّ فِي رِضَى الوَالِدِ ، وَسَخَطُ الرَّبِّ فِي سَخَطِ الْوَالِدِ رواه الترمذي (1899)، وصححه الألباني في "صحيح سنن الترمذي" (2 / 340).
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى:
" وفي هذا الحديث: ذكر غاية البر ونهايته التي هي رضى الوالدين؛ فالإحسان موجب وسبب، والرضى أثر ومسبَّب. فكل ما أرضى الوالدين من جميع أنواع المعاملات العرفية، وسلوك كل طريق ووسيلة ترضيهما، فإنه داخل في البر " انتهى. "بهجة قلوب الأبرار" (ص 216).
وليس معنى ذلك أن كل ما أمر به الوالدان يجب على الولد تنفيذه وطاعتهما فيه، بل لما قال بعض العلماء عن طاعة الوالدين : "فما أمراه ائتمر، وما نهياه انتهى" ، قَيَّد ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية بقوله : "وهذا فيما كان منفعةً لهما ، ولا ضرر عليه فيه ظاهر " انتهى من "الآداب الشرعية" لابن مفلح (1/464) .
وينظر للفائدة حول ضوابط وجوب بر الوالدين: جواب السؤال رقم: (174831).
وعدم صومك ليس فيه منفعة لوالدتك ، فلا تجب طاعتها في ذلك ، بل هي تأمرك بخلاف أمر النبي صلى الله عليه وسلم الذي أمر من لم يستطع النكاح من الشباب أن يصوم ، فتكون الطاعة المقدمة هي لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكن يجب عليك ألا تظهر عصيانها ، بل تكتم عنها صيامك بقدر استطاعتك ، فإن لم تستطع كتمانه في بعض الأيام ، وخشيت من إغضابها إن علمت به ، فلا حرج عليك في الفطر ، وتحاول إرضاءها ، وإقناعها بأنك بذلك تطيع الرسول صلى الله عليه وسلم ، وهذا هو الخير ، كل الخير لك .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
" وطاعتهما في ترك طاعة الله، غير الواجبة: أمرها إليه؛ لأن المستحب أمره إلى الإنسان إن شاء فعل وإن شاء لم يفعل، لكنه إذا أراد أن يفعل ينبغي أن يداريهما فيخفي ما أمكن إخفاؤه من عمله الصالح " انتهى. "لقاء الباب المفتوح" (83 / 23 ترقيم الشاملة).
وسُئل رحمه الله تعالى:
" أب يمنع ابنه من حضور مجالس الذكر والدروس العلمية، ونتج عن ذلك أن هذا الولد ترك الالتزام، واتجه للأفلام وما شابهه من المحرمات، هل يعتبر فعل هذا الوالد من الصد عن سبيل الله؟ وهل يطاع في هذه الحالة؟
فأجاب:
إذا نهاك أبوك أو أمك عن حضور المجالس فلا تطعه؛ لأن حضور مجالس الذكر خير، ولا يعود على الوالدين بالضرر، فلهذا نقول: لا تطعهما ولكن احرص على أن تداريهما، ومعنى المداراة: ألا تبين أنك تذهب إلى حلق الذكر كأنك تذهب إلى أصحابك أو ما أشبه ذلك " انتهى. "لقاء الباب المفتوح" (99 / 10 ترقيم الشاملة).
والله أعلم.