91

هل ينال المسلم الثواب الموعود على العمل وإن كان يجهله؟

السؤال: 361628

لو أن رجلا قال "سبحان الله وبحده" مائة مرة، فتغفر له خطاياه وإن كانت كزبد البحر، وغيرها من الثواب، السؤال الآن: هب أن من قاله لا يعلم جميع الثواب المترتب على هذا الذكر، وقاله فقط من باب التسبيح، أي لم ينوِ أن تغفر له خطاياه -كما جاء في الحديث- بتردييه هذا الذكر، فهل يحصل له المغفرة والوعد على هذا الذكر؟ أم يكون له أجر الذكر فقط دون هذا الوعد بالمغفرة؟
ولا أخص هذا الذكر، بل وغيره من الأذكار والأعمال التي يجهل الإنسان فضلها ولا ينو تحصيلها بها، بل يفعلها من باب الخير والعمل الصالح فقط؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

لا يشترط للحصول على ثواب العمل الصالح أن ينوي العامل ثوابه المخصوص به، ويشير إلى هذا أمران:

الأمر الأول:

هو أن الشرع لم ينص على اشتراط هذا الأمر، بل علق حصول ثواب الأعمال بأن يكون صاحبها مؤمنا مخلصا.

كما في قوله تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ  النحل (97).

وكما في قوله تعالى: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ العنكبوت (7).

وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُ مِنَ الْعَمَلِ إِلَّا مَا كَانَ لَهُ خَالِصًا، وَابْتُغِيَ بِهِ وَجْهُهُ   رواه النسائي (3140)، وحسّن اسناده الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (1 / 118).

ومن تأمل نصوص فضائل الأعمال تبين له أن الأجر يحصل للعامل وإن لم يقصده، كمثل ما ورد في حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: " كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَصَبْتُ حَدًّا فَأَقِمْهُ عَلَيَّ، قَالَ: وَلَمْ يَسْأَلْهُ عَنْهُ، قَالَ: وَحَضَرَتِ الصَّلاَةُ، فَصَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلاَةَ، قَامَ إِلَيْهِ الرَّجُلُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَصَبْتُ حَدًّا، فَأَقِمْ فِيَّ كِتَابَ اللَّهِ، قَالَ: أَلَيْسَ قَدْ صَلَّيْتَ مَعَنَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لَكَ ذَنْبَكَ، أَوْ قَالَ: حَدَّكَ رواه البخاري (6823) ومسلم (2764).

فالصلاة مكفرة للذنوب، وهذا الصحابي يدل ظاهر الحديث أنه لم يقصد عند صلاته هذا الفضل ولم يعلمه إلا بعد الصلاة واخبار النبي صلى الله عليه وسلم له بذلك، ورغم هذا كانت الصلاة مكفرة لذنبه.

ومن الأدلة الظاهرة على ذلك أيضا: ما وراه البخاري (6799) ومسلم (600): عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ الزُّرَقِيِّ قَالَ: كُنَّا يَوْمًا نُصَلِّي وَرَاءَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرَّكْعَةِ قَالَ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ. قَالَ رَجُلٌ وَرَاءَهُ: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: مَنِ الْمُتَكَلِّمُ؟. قَالَ: أَنَا، قَالَ: رَأَيْتُ بِضْعَةً وَثَلَاثِينَ ‌مَلَكًا ‌يَبْتَدِرُونَهَا، أَيُّهُمْ يَكْتُبُهَا أَوَّلُ.

ومنها: ما وراه مسلم (2567) عن أَبي هريرة رضي الله عنه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: أَنَّ رَجُلًا زَارَ أَخًا لَهُ في قَريَة أُخْرَى، فَأَرْصَدَ الله تَعَالَى عَلَى ‌مَدْرَجَتِهِ ‌مَلَكًا، فَلَمَّا أتَى عَلَيهِ، قَالَ: أيْنَ تُريدُ؟ قَالَ: أُريدُ أخًا لي في هذِهِ القَريَةِ. قَالَ: هَلْ لَكَ عَلَيهِ مِنْ نِعْمَةٍ تَرُبُّهَا عَلَيهِ؟ قَالَ: لا، غَيْرَ أنِّي أحْبَبْتُهُ في الله تَعَالَى، قَالَ: فإنِّي رَسُول الله إلَيْكَ بِأَنَّ اللهَ قَدْ أَحَبَّكَ كَمَا أحْبَبْتَهُ فِيهِ

ومنها: ما روا البخاري (6748) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ ‌بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللهِ ‌لَا ‌يُلْقِي ‌لَهَا ‌بَالًا، يَرْفَعُ اللهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ ‌بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللهِ ‌لَا ‌يُلْقِي ‌لَهَا ‌بَالًا، يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ.

قال التوربشتي، رحمه الله: "قوله: "لا يُلْقِي بها بالاً"، (لا يُلْقِي)؛ أي: لا يَرَى، (بها)؛ أي: بتلك ‌الكلمة، (بالاً)؛ أي: بأسًا، هذا لغتهُ، ومعناه: إنه ليتكلَّمُ بكلمةٍ حقًّ وخيرٍ لا يعرِفُ قَدْرَه؛ يعني: يظنُّها قليلاً، وهو عند الله عظيمُ القَدْر، فيحصلُ بها رضوانُ الله.

وكذلك ربما يتكلَّمُ بشرًّ وهو لا يظنه ذنبًا، وهو عند الله ذنبٌ عظيم، فيحصُلُ له سُخْطُ الله؛ يعني: لا يجوزُ أن يظنَّ الخيرَ حقيرًا، بل ليعملِ الرجلُ بكلِّ خيرٍ، وليتكلَّمْ كلَّ خيرٍ.

وكذلك لا يجوزُ أن يَعُدَّ الشرَّ حقيرًا، بل ليتركِ الرجلُ كلَّ شَرًّ كي لا يصدُرَ منه شَرٌّ، فيحصل له به سُخْطُ الله.

"يهوي"؛ أي: يَسْقُطُ." انتهى، من "المفاتيح في شرح المصابيح" (5/ 171).

الأمر الثاني:

هو أن ما من مسلم يريد أجر العمل، إلا وقلبه مشتمل على قصد عام للثواب والأجر، وهذا يكفي؛ لأن اشتراط أن يكون القصد مفصلا لثواب العمل يدخل الحرج الشديد على المسلم؛ لأن هذا لا يتحقق له إلا بأن يحيط علما بنصوص الكتاب والسنة وما احتوته من أجور الأعمال وفضائلها، ثم عليه أن يستذكر قبل كل عمل كل ما ورد فيه من نصوص تبين أجره وفضله، ولا شك أن هذا عسير، والإسلام جاء باليسر ورفع الحرج.

قال الله تعالى:  يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ   البقرة (185).

وقال الله تعالى: مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ  المائدة (6).

والله أعلم.

المراجع

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android