أولا:
من ثبت عنده صدق النبي صلى الله عليه وسلم وأنه رسول من الله الحكيم الخبير العليم بما كان وما يكون، فلا معنى أن تستوقفه مثل هذه الخواطر.
قال الله تعالى: ( أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ) الملك (14).
وقال الله تعالى: ( لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ) الأنبياء (23).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" وهو سبحانه خالق كل شيء وربه ومليكه، وله فيما خلقه حكمة بالغة، ونعمة سابغة، ورحمة عامة وخاصة، وهو لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، لا لمجرد قدرته وقهره، بل لكمال علمه وقدرته ورحمته وحكمته " انتهى. "مجموع الفتاوى" (8 / 79).
وقال ابن أبي العز الحنفي رحمه الله تعالى:
" اعلم أن مبنى العبودية والإيمان بالله وكتبه ورسله، على التسليم وعدم الأسئلة عن تفاصيل الحكمة في الأوامر والنواهي والشرائع. ولهذا لم يحك الله سبحانه عن أمة نبي صدقت بنبيها وآمنت بما جاء به، أنها سألته عن تفاصيل الحكمة فيما أمرها به ونهاها عنه وبلغها عن ربها، ولو فعلت ذلك لما كانت مؤمنة بنبيها، بل انقادت وسلمت وأذعنت، وما عرفت من الحكمة عرفته، وما خفي عنها لم تتوقف في انقيادها وتسليمها على معرفته، ولا جعلت ذلك من شأنها، وكان رسولها أعظم عندها من أن تسأله عن ذلك " انتهى. "شرح الطحاوية" (ص 261).
ولو فتح الإنسان لنفسه باب هذه الأسئلة والخواطر ، واسترسل معها ولم يقطعها : لم تقف عند حد، ولأفضت به إلى أمور خطيرة تخرجه من الإيمان بالكلية .
وليُعلم أن الشيطان لن يأتي الإنسان ليشككه في إيمانه من أول وهلة ، بل يستدرجه بالأسئلة والشبهات ، شبهة بعد شبهة حتى يخرجه من الإيمان .
والحل الذي أرشدنا إليه النبي صلى الله عليه وسلم لهذه الأسئلة التي يعرضها الشيطان هو الانتهاء عنها وعدم التفكير بها .
روى البخاري (8296) ومسلم (136) عن أَنَس بْن مَالِكٍ : قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (لَنْ يَبْرَحَ النَّاسُ يَتَسَاءَلُونَ حَتَّى يَقُولُوا : هَذَا اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ، فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ) .
قال ابن حجر رحمه الله في "فتح الباري" :
قَوْله ( لَنْ يَبْرَح النَّاس يَتَسَاءَلُونَ ) فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي " يَسْأَلُونَ " وَعِنْد مُسْلِم فِي رِوَايَة عُرْوَة عَنْ أَبِي هُرَيْرَة " لَا يَزَالُ النَّاسُ يَتَسَاءَلُونَ " . قَوْله ( هَذَا اللَّه خَالِق كُلّ شَيْء ) فِي رِوَايَة عُرْوَة " هَذَا خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ " وَلِمُسْلِمٍ أَيْضًا وَهُوَ فِي رِوَايَة الْبُخَارِيّ فِي بَدْء الْخَلْق مِنْ رِوَايَة عُرْوَة أَيْضًا " يَأْتِي الشَّيْطَان الْعَبْد أَوْ أَحَدكُمْ فَيَقُول مَنْ خَلْق كَذَا وَكَذَا حَتَّى يَقُول مَنْ خَلْق رَبّك ؟ " وَفِي لَفْظ لِمُسْلِمٍ " مَنْ خَلَقَ السَّمَاء مَنْ خَلَقَ الْأَرْض ؟ فَيَقُول اللَّهُ " ... وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيق مُحَمَّد بْن سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة " حَتَّى يَقُولُوا هَذَا اللَّهُ خَلَقَنَا " ... وَفِي رِوَايَة الْمُخْتَار بْن فُلْفُل عَنْ أَنَس " عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ إِنَّ أُمَّتك لَا تَزَال تَقُول مَا كَذَا وَكَذَا حَتَّى يَقُولُوا هَذَا اللَّهُ خَلَقَ الْخَلْق " ... فِي رِوَايَة بَدْء الْخَلْق " مَنْ خَلَقَ رَبّك " وَزَادَ فَإِذَا بَلَغَهُ فَلْيَسْتَعِذْ بِاَللَّهِ وَلْيَنْتَهِ , وَفِي لَفْظ لِمُسْلِمٍ " فَمَنْ وَجَدَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَلْيَقُلْ آمَنْت بِاَللَّهِ " وَزَادَ فِي أُخْرَى و " رُسُله " وَلِأَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ مِنْ الزِّيَادَة فَقُولُوا ( اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ ) السُّورَة " ثُمَّ لِيَتْفُلْ عَنْ يَسَاره ثُمَّ لِيَسْتَعِذْ " وَلِأَحْمَد مِنْ حَدِيث " عَائِشَة فَإِذَا وَجَدَ أَحَدكُمْ ذَلِكَ فَلْيَقُلْ آمَنْت بِاَللَّهِ وَرَسُوله " فَإِنَّ ذَلِكَ يَذْهَب عَنْهُ , ...
قَالَ اِبْن بَطَّال : فِي حَدِيث أَنَس الْإِشَارَة إِلَى ذَمّ كَثْرَة السُّؤَال لِأَنَّهَا تُفْضِي إِلَى الْمَحْذُور، كَالسُّؤَالِ الْمَذْكُور , فَإِنَّهُ لَا يَنْشَأ إِلَّا عَنْ جَهْل مُفْرِط. وَقَدْ وَرَدَ بِزِيَادَةٍ مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة بِلَفْظِ " لَا يَزَال الشَّيْطَان يَأْتِي أَحَدكُمْ فَيَقُول مَنْ خَلَقَ كَذَا، مَنْ خَلَقَ كَذَا، حَتَّى يَقُول: مَنْ خَلَقَ اللَّه؟ فَإِذَا وَجَدَ ذَلِكَ أَحَدكُمْ فَلْيَقُلْ آمَنْت بِاَللَّهِ " ... وَقَوْله فِي الْحَدِيث الْآخَر " فَلْيَسْتَعِذْ بِاَللَّهِ وَلْيَنْتَهِ"، أَيْ يَتْرُك التَّفَكُّر فِي ذَلِكَ الْخَاطِر، وَيَسْتَعِيذ بِاَللَّهِ إِذَا لَمْ يَزُلْ عَنْهُ التَّفَكُّر.
وَالْحِكْمَة فِي ذَلِكَ: أَنَّ الْعِلْم بِاسْتِغْنَاءِ اللَّه تَعَالَى عَنْ كُلّ مَا يُوَسْوِسهُ الشَّيْطَان أَمْر ضَرُورِيّ لَا يَحْتَاج لِلِاحْتِجَاجِ وَالْمُنَاظَرَة , فَإِنْ وَقَعَ شَيْء مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ مِنْ وَسْوَسَة الشَّيْطَان، وَهِيَ غَيْر مُتَنَاهِيَة؛ فَمَهْمَا عُورِضَ بِحُجَّةِ، يَجِد مَسْلَكًا آخَر مِنْ الْمُغَالَطَة وَالِاسْتِرْسَال، فَيُضَيِّع الْوَقْت، إِنْ سَلِمَ مِنْ فِتْنَته؛ فَلَا تَدْبِير فِي دَفْعه أَقْوَى مِنْ الْالْتجَاء إِلَى اللَّه تَعَالَى بِالِاسْتِعَاذَةِ بِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ( وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنْ الشَّيْطَان نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاَللَّهِ ) الْآيَة" انتهى .
هذا هو العلاج النبوي، أما البحث عن إجابة لهذه الأسئلة ، فلن ينتهي به الأمر ، لأن تلك الإجابات قد تزيل الشبهة لدى السائل، وقد لا تزيلها. وإذا أزالتها، فتح له الشيطان بابا آخر من الشبهات والأسئلة ، ولا يزال يستدرجه سؤالا بعد سؤال حتى يصل إلى ما أخبرنا به النبي صلى الله عليه وسلم : (من خلق الله ؟)؛ فإغلاق الباب من أول الأمر هو العلاج النبوي .
ثانيا:
الله تعالى قادر على أن يوجد هذا التطور في عصره صلى الله عليه وسلم، وقادر على أن يمكّن النبي صلى الله عليه وسلم من بلوغ أطراف الأرض وعمرانها، في أقصر وقت كما مكّن سليمان عليه السلام، وكما مكّن النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك في ليلة الإسراء والمعراج، وقادر سبحانه أن يعمّر النبي صلى الله عليه وسلم عمر نوح عليه السلام؛ فعدم فعل الله تعالى لذلك، هو دليل على أن حكمة بالغة في بعثة النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك الزمن، وأن ذلك ليس نقصا في رسالته صلى الله عليه وسلم، وليس فيه ظلم لعباده؛ لأنه سبحانه وتعالى مكّن المسلمين من فتح أهم أراضي المعمورة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بوقت قصير، ومن لم تبلغه دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم، بسبب العوائق، أو تقصير المسلمين فهو معذور.
قال الله تعالى: ( وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ) الإسراء (15).
قال ابن كثير رحمه الله تعالى: "... وكذا قوله تعالى: ( وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ) إخبار عن عدله تعالى، وأنه لا يعذب أحدا إلا بعد قيام الحجة عليه بإرسال الرسول إليه...
إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أن الله تعالى لا يدخل أحدا النار إلا بعد إرسال الرسول إليه " انتهى. "تفسير ابن كثير" (5 / 52).
فكل من يدخل النار يدخلها: فبسبب تقصيره في الاستجابة إلى دعوة الرسل عليهم الصلاة والسلام، وليس بسبب عدم بلوغ الدعوة إليه.
ثالثا:
وجود النبي صلى الله عليه وسلم بين أظهر الناس، مع ما فيه من بركة الوحي والبيان ومزيد حجة على الناس؛ إلا أنه لا يلزم منه استجابة جميع الناس للإسلام عند مشاهدته ومشاهدة معجزاته، فقد أرسل الله تعالى كثيرا من الرسل عليهم الصلاة والسلام إلى أقوامهم ومعهم من المعجزات الباهرة إلا أن أكثر الناس كفروا بهم.
قال الله تعالى: ( ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْدًا لِقَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ ) المؤمنون (44).
وأهل مكة مع كون الرسول صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم، ويعلمون أنه الصادق الأمين كانوا أشد الناس عداوة وتكذيبا له ، مع ما رأوه من الآيات .
ومات الكثير منهم على كفره وعداوته للنبي صلى الله عليه وسلم، حتى كان عام فتح مكة ، فشرح الله صدورهم للإسلام جميعا ، وذلك بعد إحدى وعشرين سنة من النبوة .
وقد كان اليهود جيرانا للنبي صلى الله عليه وسلم في المدينة، وعرفوه حق المعرقة، ومع ذلك اختاروا الكفر على الإيمان وحاربوه وحاولوا قتله عدة مرات.
فإن كنت تبحث عن "الصورة" و"عصر الصورة": فهذا أبعد شيء عن هداية الناس، وثقتهم بالوحي النازل من عند الله؛ فما أكثر ما يتلاعب الناس بالصور اليوم، ويخترعونها، ويزيفونها؛ فأية آية هذه التي تبحث عنها يا عبد الله.
وقد قال الله في شان الآيات التي اقترحها المشركون، لَدَدًا، وعنادًا: وَأَقۡسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَيۡمَٰنِهِمۡ لَئِن جَآءَتۡهُمۡ ءَايَةٞ لَّيُؤۡمِنُنَّ بِهَاۚ قُلۡ إِنَّمَا ٱلۡأٓيَٰتُ عِندَ ٱللَّهِۖ وَمَا يُشۡعِرُكُمۡ أَنَّهَآ إِذَا جَآءَتۡ لَا يُؤۡمِنُونَ * وَنُقَلِّبُ أَفۡـِٔدَتَهُمۡ وَأَبۡصَٰرَهُمۡ كَمَا لَمۡ يُؤۡمِنُواْ بِهِۦٓ أَوَّلَ مَرَّةٖ وَنَذَرُهُمۡ فِي طُغۡيَٰنِهِمۡ يَعۡمَهُونَ ۞ وَلَوۡ أَنَّنَا نَزَّلۡنَآ إِلَيۡهِمُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ ٱلۡمَوۡتَىٰ وَحَشَرۡنَا عَلَيۡهِمۡ كُلَّ شَيۡءٖ قُبُلٗا مَّا كَانُواْ لِيُؤۡمِنُوٓاْ إِلَّآ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ يَجۡهَلُونَ [الأنعام: 109-111].
ثالثا:
أعظم معجزات النبي صلى الله عليه وسلم هي القرآن الكريم.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مَا مِنَ الأَنْبِيَاءِ نَبِيٌّ إِلَّا أُعْطِيَ مَا مِثْلهُ آمَنَ عَلَيْهِ البَشَرُ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ وَحْيًا أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَيَّ، فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ القِيَامَةِ ) رواه البخاري (4981) ومسلم (152).
فالقرآن هو الحجة على كل من بلغه.
وقد تولى سبحانه وتعالى حفظ هذه المعجزة لتصل إلى الناس جميعا، إلى قيام الساعة .
قال الله تعالى: ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) الحجر (9).
والله يرشد الناس في كل عصر إلى الآيات الدالة على صدق دعوة النبي صلى الله عليه وسلم.
قال الله تعالى: ( سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ) فصلت (53).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: " ولكل قوم ، بل ولكل إنسان، من الدلائل المعينة التي يريه الله إياها في نفسه وفي الآفاق، ما لا يعرف أعيانها قوم آخرون، قال تعالى: ( سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ).
والضمير في ذلك عائد إلى القرآن عند المفسرين والسلف وعامة العلماء...
فأخبر أنه سيُري الناس في أنفسهم وفي الآفاق من الآيات العيانية المشهورة المعقولة: ما يبين أن الآيات القرآنية المسموعة المتلوة حق، فيتطابق العقل والسمع، ويتفق العيان والقرآن، وتصدق المعاينة للخبر" انتهى. "الجواب الصحيح" (6 / 378 - 379).
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى: " ومن الآيات التي في الأرض مما يحدثه الله فيها كل وقت ما يصدق به رسله فيما أخبرت به، فلا تزال آيات الرسل وأعلام صدقهم وأدلة نبوتهم يحدثها الله سبحانه وتعالى في الأرض إقامة للحجة على من لم يشاهد تلك الآيات التي قاربت عصر الرسل، حتى كأن أهل كل قرن يشاهدون ما يشاهده الأولون أو نظيره، كما قال: ( سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ).
وهذه الإرادة لا تختص بقرن دون قرن؛ بل لا بد أن يري الله سبحانه أهل كل قرن من الآيات ما يبين لهم أنه الله الذي لا إله إلا هو، وأن رسله صادقون.
وآيات الأرض أعظم مما ذكر، وأكثر، فنبه باليسير منها على الكثير.
ثم قال: ( وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ )، لما كان أقرب الأشياء إلى الإنسان نفسه دعاه خالقه وبارئه ومصوره وفاطره من قطرة ماء إلى التبصر والتفكر في نفسه.
فإذا تفكر الانسان في نفسه استنارت له آيات الربوبية، وسطعت له أنوار اليقين، واضمحلت عنه غمرات الشك والريب، وانقشعت عنه ظلمات الجهل.
فإنه إذا نظر في نفسه وجد آثار التدبير فيه قائمة، وأدلة التوحيد على ربه ناطقة شاهدة لمدبره دالة عليه مرشدة إليه " انتهى. "التبيان" (ص 456 – 457).
وأنت ترى الآن كم من العقلاء من سائر الملل والأديان الأخرى ما إن يبحثوا في الإسلام، ويقرأوا عنه، إلا وتراهم قد انشرحت صدورهم له ، وعلموا أنه الحق وأسرعوا بالدخول فيه ، ولم يكن عدم وجود الرسول صلى الله عليه وسلم مانعا لهم من الاقتناع بأن الإسلام حق .
فالرسول صلى الله عليه وسلم قد توفي ، ولحق بالرفيق الأعلى ، ولكن الله تعالى أبقى دينه ودلائله المتنوعة يبينها العلماء والدعاة للناس إلى يوم القيامة .
والله أعلم.