الثلاثاء 7 شوّال 1445 - 16 ابريل 2024
العربية

كيف دعا موسى ربه وطلب منه المغفرة قبل أن يأتيه الوحي؟

357953

تاريخ النشر : 21-11-2021

المشاهدات : 8498

السؤال

في قوله تعالى: (قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)، كيف دعا موسى ربه، وطلب المغفرة على قتله الإسرائيلي قبل أن يعلم بوجود الله تعالى ويأتيه الوحي؟

ملخص الجواب

الرسل معصومون من الشرك، ويحتمل أن الله تعالى أبقى في بني إسرائيل شيئا من التوحيد الذي بعث به يوسف عليه السلام، فهدى الله إليه موسى عليه السلام قبل بعثته وعصمه به من ضلال فرعون وقومه. وينظر للأهمية الجواب المطول

الجواب

الحمد لله.

قال الله تعالى عن موسى عليه السلام قبل أن يرسل:

وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ ، قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ، قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ القصص/15–17.

فهذه الآية بيّنت توحيد موسى عليه السلام وبعده عن الشرك قبل أن يوحى إليه، وهذا أمر لا إشكال فيه:

أولا:

لأن الله تعالى عصم رسله عليهم السلام من الشرك.

طالع للأهمية جواب سؤال: (عصمة الأنبياء من الكفر والشرك قبل البعثة).

ثانيا:

ولأن قومه قد جاءهم من قبل يوسف عليه السلام بالتوحيد.

كما في قوله تعالى: وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ غافر/34.

قال ابن كثير رحمه الله تعالى:

" وقوله: ( وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ )، يعني: أهل مصر، قد بعث الله فيهم رسولا من قبل موسى، وهو يوسف عليه السلام، كان عزيز أهل مصر، وكان رسولا يدعو إلى الله أمته القبط، فما أطاعوه تلك الساعة إلا لمجرد الوزارة والجاه الدنيوي... " انتهى من "تفسير ابن كثير" (7 / 143).

فتكون بقيّة من دعوته ما زالت في نفوس بني اسرائيل وأهل مصر، خاصة على القول بأن هذا من كلام مؤمن آل فرعون ينصح قومه، فيدّل دلالة واضحة على أن خبر يوسف ودعوته كان معلوما لهم، ولذا ذكّرهم به.

وبيّنت الآية أنهم كانوا على علم بوجود الله تعالى، ولذا قالوا بعد موت يوسف عليه السلام: ( لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا ).

كما كان الحال مع العرب قبل الإسلام ، فقد بقيت فيهم بقية من ملة إبراهيم عليه السلام، فكانوا مع شركهم يخلصون في دعاء الله تعالى أثناء الشدائد، كما في قوله تعالى: ( وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا ) الإسراء/67.

قال الشيخ المفسر محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى:

" لا يخفى على الناظر في هذه الآية الكريمة: أن الله ذم الكفار وعابهم بأنهم في وقت الشدائد والأهوال خاصة يخلصون العبادة له وحده، ولا يصرفون شيئا من حقه لمخلوق، وفي وقت الأمن والعافية يشركون به غيره في حقوقه الواجبة له وحده، التي هي عبادته وحده في جميع أنواع العبادة...

وهذا الذي ذكره الله جل وعلا في هذه الآيات الكريمات: كان سبب إسلام عكرمة بن أبي جهل؛ فإنه لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ذهب فارا منه إلى بلاد الحبشة، فركب في البحر متوجها إلى الحبشة، فجاءتهم ريح عاصف فقال القوم بعضهم لبعض: إنه لا يغني عنكم إلا أن تدعوا الله وحده، فقال عكرمة في نفسه: والله إن كان لا ينفع في البحر غيره، فإنه لا ينفع في البر غيره، اللهم لك علي عهد، لئن أخرجتني منه لأذهبن فلأضعن يدي في يد محمد صلى الله عليه وسلم فلأجدنه رءوفا رحيما. فخرجوا من البحر، فخرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم وحسن إسلامه رضي الله عنه " انتهى من "أضواء البيان" (3 / 725 – 727).

ولأن موسى عليه السلام لما حاور فرعون بيّن أنه كان وقومه على علم بالله تعالى، لكنهم استكبروا وجحدوا.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

" بل القلوب مفطورة على الإقرار به أي بالله تعالى أعظم من كونها مفطورة على الإقرار بغيره من الموجودات.

وأشهر من عرف تجاهله وتظاهره بإنكار الصانع فرعون، وقد كان مستيقنا في الباطن، كما قال له موسى: ( لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ )، وقال تعالى عنه وعن قومه: ( وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا ) " انتهى من"درء تعارض العقل والنقل" (8 / 38).

وقال رحمه الله تعالى:

" الذي عليه جمهور العلماء أن الإقرار بالصانع فطري ضروري مغروز في الجِبِلَّة، ولهذا كانت دعوة عامة الرسل إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وكان عامة الأمة مقرين بالصانع مع إشراكهم به بعبادة ما دونه، والذين أظهروا إنكار الصانع كفرعون، خاطبتهم الرسل خطاب من يعرف أنه حق، كقول موسى لفرعون: ( لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ )... " انتهى من "منهاج السنة" (2 / 270).

فإذا كان فرعون مع شدة ضلاله عالما بالله تعالى لكنه جحد الحق، فالأولى بمن اختاره الله تعالى لرسالته أن يكون الله تعالى قد هداه إلى الإيمان قبل أن يبعثه.

فالحاصل؛ أن الرسل معصومون من الشرك، ويحتمل أن الله تعالى أبقى في بني إسرائيل شيئا من التوحيد الذي بعث به يوسف عليه السلام، فهدى الله إليه موسى عليه السلام قبل بعثته وعصمه به من ضلال فرعون وقومه.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب