الجمعة 10 شوّال 1445 - 19 ابريل 2024
العربية

حكم استعمال الكحول في التعقيم والتطهير والدهانات والعطور

323921

تاريخ النشر : 23-12-2020

المشاهدات : 40867

السؤال

في إطار دراسة العلوم الطبيعية بالجامعة يطلب منا الأساتذة استخدام الإثانول تركيزه 60% لتنظيف الطاولة قبل وبعد التجارب العلمية على الميكروبات، أحيانا التجارب نفسها تطلب استعمال الإثانول. فهل يمكن استخدام الإثانول (وهو خمر) في إطار البحث العلمي والتجارب العلمية ؟

ملخص الجواب

استعمال الكحول في التعقيم والتطهير محل خلاف بين العلماء، مبني على اختلافهم في حقيقة الكحول، وكونه مسكرا بنفسه أم لا، وكون الخمر نجسة أم لا، وكون المحرم هو شربها فقط أم سائر وجوه الانتفاع. ولا شك أنه إذا وجد بديل لهذا الكحول فإن الأحوط تركه مطلقا.

الجواب

الحمد لله.

أقوال أهل العلم في استعمال الكحول في التطهير والتعقيم

اختلف العلماء في استعمال الكحول في التطهير والتعقيم والعطور ونحو ذلك، على قولين:

الأول: أنه لا يجوز ذلك؛ لأن الكحول هو المادة المسببة للإسكار، فهو خمر، والخمر نجسة في قول جمهور الفقهاء، فلا يجوز لمسها أو دهن الجسم بها، وعلى فرض أنها طاهرة، فإنه يجب اجتناب استعمالها مطلقا.

قال القرطبي رحمه الله في تفسيره (6/ 288): " فهم الجمهور من تحريم الخمر، واستخباث الشرع لها، وإطلاق الرجس عليها، والأمر باجتنابها، الحكم بنجاستها.

وخالفهم في ذلك ربيعة والليث بن سعد والمزني صاحب الشافعي، وبعض المتأخرين من البغداديين والقرويين فرأوا أنها طاهرة، وأن المحرم إنما هو شربها.

وقد استدل سعيد بن الحداد القروي على طهارتها بسفكها في طرق المدينة، قال: ولو كانت نجسة لما فعل ذلك الصحابة رضوان الله عليهم، ولنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه كما نهى عن التخلي في الطرق.

والجواب، أن الصحابة فعلت ذلك، لأنه لم يكن لهم سروب [حفر في الأرض] ولا آبار يريقونها فيها، إذ الغالب من أحوالهم أنهم لم يكن لهم كنف في بيوتهم. وقالت عائشة رضي الله عنها: إنهم كانوا يتقذرون من اتخاذ الكنف في البيوت، ونقلها إلى خارج المدينة فيه كلفة ومشقة، ويلزم منه تأخير ما وجب على الفور.

وأيضا فإنه يمكن التحرز منها، فإن طرق المدينة كانت واسعة، ولم تكن الخمر من الكثرة بحيث تصير نهرا يعم الطريق كلها، بل إنما جرت في مواضع يسيرة يمكن التحرز عنها.

هذا، مع ما يحصل في ذلك من فائدة شهرة إراقتها في طرق المدينة، ليشيع العمل على مقتضى تحريمها من إتلافها، وأنه لا ينتفع بها، وتتابع الناس وتوافقوا على ذلك. والله أعلم.

فإن قيل: التنجيس حكم شرعي ولا نص فيه، ولا يلزم من كون الشيء محرما أن يكون نجسا، فكم من محرم في الشرع ليس بنجس.

قلنا: قوله تعالى: (رجس) يدل على نجاستها، فإن الرجس في اللسان النجاسة، ثم لو التزمنا ألا نحكم بحكم، إلا حتى نجد فيه نصا لتعطلت الشريعة، فإن النصوص فيها قليلة، فأي نص يوجد على تنجيس البول والعذرة والدم والميتة وغير ذلك؟ وإنما هي الظواهر والعمومات والأقيسة. وسيأتي في سورة" الحج" ما يوضح هذا المعنى إن شاء الله تعالى.

السابعة- قوله: (فاجتنبوه) يقتضي الاجتناب المطلق الذي لا يُنتفع معه بشيء بوجه من الوجوه، لا بشرب ولا بيع ولا تخليل ولا مداواة ولا غير ذلك. وعلى هذا تدل الأحاديث الواردة في الباب، وروى مسلم عن ابن عباس أن رجلا أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم راوية خمر، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هل علمت أن الله حرمها؟) قال: لا، قال: فسار رجلا ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بم ساررته؟) قال: أمرته ببيعها، فقال: (إن الذي حرم شربها حرم بيعها)، قال: ففتح المزادة حتى ذهب ما فيها. فهذا حديث يدل على ما ذكرناه، إذ لو كان فيها منفعة من المنافع الجائزة، لبينه رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما قال في الشاة الميتة: (هلا أخذتم إهابها فدبغتموه فانتفعتم به) الحديث" انتهى.

وممن ذهب إلى وجوب اجتناب الكحول المسكر في العطور والتعقيم وغيره: اللجنة الدائمة للإفتاء.

جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (22/106) : " ما حكم الاستمتاع بالكحول أو الخمر عموما ، أي : استخدامه في دهان الأثاث وفي العلاج والوقود والتنظيف والتعطير والتطهير واتخاذه خلا.

الجواب : ما أسكر شرب كثيره فهو خمر ، وقليله وكثيره سواء ، سواء سمي كحولا أم سمي باسم آخر، والواجب إراقته وتحريم الإبقاء عليه لاستخدامه والانتفاع به، في تنظيف أو تطهير أو وقود أو تعطير أو تحويله خلا أم غير ذلك من أنواع الانتفاع .

أما ما لم يسكر شرب كثيره ، فليس بخمر، ويجوز استعماله في تعطير وعلاج وتطهير جروح ونحو ذلك .

عبد الله بن قعود ... عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز " انتهى .

القول الثاني: جواز استعمال الكحول في التعقيم والتطهير، بناء على أمور:

1-أن الخمر ليست نجسة نجاسة حسية.

2-أنه على فرض أن الخمر نجسة، فإن المحرم هو شربها فقط.

3-أن الكحول وإن كان المادة المسببة للإسكار، فإنه لا يُسكر بمجرده، بل إذا شُرِبَ صِرفًا فإما أن يقع شاربُه في سبات وإما أن يذهب عقله، ولا يُسكر إلا إذا مُزِجَ بثلاثة أمثاله ماءً، ثم استُقطِر، فيصير عندها خمرًا، ولا يلزم من نجاسةِ مُركَّبٍ، نجاسةُ مفرداته، وإنما يحرم شرب الكحول الصرف للضرر، لا للإسكار، ولا للنجاسة التي هي فرع على كونه مسكرا.

وقد تقدم في النقل عن القرطبي ذكر من ذهب إلى طهارة الخمر، وجواز استعمالها في غير الشرب.

وممن قال بطهارة الخمر: الشوكاني والصنعاني، وصديق حسن خان.

وممن ذهب إلى أن الكحول ليس خمرا: جماعة من المعاصرين كالسيد رشيد رضا، والشيخ محمد بخيت المطيعي، والشيخ ابن عثيمين، والمنظمة الإسلامية للعلوم الطبية.

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " استعمال الكحول في تعقيم الجروح: لا بأس به للحاجة لذلك، وقد قيل إن الكحول تذهب العقل بدون إسكار، فإن صح ذلك فليست خمرا، وإن لم يصح وكانت تسكر فهي خمر، وشربها حرام بالنص والإجماع.

وأما استعمالها في غير الشرب، فمحل نظر:

فإن نظرنا إلى قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)، قلنا: إن استعمالها في غير الشرب حرام، لعموم قوله: (فاجتنبوه).

وإن نظرنا إلى قوله تعالى في الآية التي تليها: (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) ، قلنا: إن استعمالها في غير الشرب جائز، لعدم انطباق هذه العلة عليه.

وعلى هذا فإننا نرى أن الاحتياط عدم استعمالها في الروائح.

وأما في التعقيم فلا بأس به لدعاء الحاجة إليه، وعدم الدليل البين على منعه. قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى ص 270 جـ 24 من مجموع الفتاوى: "التداوي بأكل شحم الخنزير لا يجوز، وأما التداوي بالتلطخ به، ثم يغسله بعد ذلك؛ فهذا مبني على جواز مباشرة النجاسة في غير الصلاة، وفيه نزاع مشهور، والصحيح أنه يجوز للحاجة، وما أبيح للحاجة جاز التداوي به" اهـ.

فقد فرق شيخ الإسلام ـ رحمه الله تعالى ـ بين الأكل وغيره، في ممارسة الشيء النجس، فكيف بالكحول التي ليست بنجسة؟ لأنها إن لم تكن خمرا فطهارتها ظاهرة، وإن كانت خمرا فالصواب عدم نجاسة الخمر..." انتهى من "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (11/ 256).

وجاء في توصيات "المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية في الكويت" عام 1995م:

"مادة الكحول غير نجسة شرعاً، بناءً على ما سبق تقريره من أن الأصل في الأشياء الطهارة، سواء كان الكحول صرفاً، أم مخففاً بالماء، ترجيحاً للقول بأن نجاسة الخمر وسائر المسكرات معنوية غير حسية، لاعتبارها رجساً من عمل الشيطان.

وعليه؛ فلا حرج شرعاً من استخدام الكحول طبياً، كمطهر للجلد والجروح والأدوات وقاتل للجراثيم، أو استعمال الروائح العطرية [ماء الكولونيا] التي يستخدم الكحول فيها كمذيب للمواد العطرية الطيارة، أو استخدام الكريمات التي يدخل الكحول فيها" انتهى.

والحاصل:

أن استعمال الكحول في التعقيم والتطهير محل خلاف بين العلماء، مبني على اختلافهم في حقيقة الكحول، وكونه مسكرا بنفسه أم لا، وكون الخمر نجسة أم لا، وكون المحرم هو شربها فقط أم سائر وجوه الانتفاع.

ولا شك أنه إذا وجد بديل لهذا الكحول فإن الأحوط تركه مطلقا.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب