الخميس 9 شوّال 1445 - 18 ابريل 2024
العربية

حكم فضلات الوزغ في المسجد

304707

تاريخ النشر : 25-07-2019

المشاهدات : 41020

السؤال

لدينا وزغ كثير في المسجد ، وأنا أعلم أننا مأمورين بقتله ، ولكن لم نستطع لسرعته واختفاءه ، فهل نأثم بتركه لعدم القدرة على قتله ؟ وما حكم الغائط الخارج منه ؛ لأننا نجده دوما على فراش المسجد ، ونبعده من دون غسل مكانه دون غسل ؟ وهل يدخل في حكم المشقة تجلب التيسير ؟ وهل يعفى عن نجاسته أم هو من مما لا نفس له سائلة ؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

صح الأمر بقتل الوزغ، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم : (289055).

والأوامر الشرعية متعلقة بالاستطاعة، فإذا عجز الإنسان عن قتله، فلا حرج عليه في ذلك.

قال الله تعالى:  فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ  التغابن /16.

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:   فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ  رواه البخاري (7288) ، ومسلم (1337).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

" فمن استقرأ ما جاء به الكتاب والسنة تبين له أن التكليف مشروط بالقدرة على العلم والعمل، فمن كان عاجزا عن أحدهما، سقط عنه ما يعجزه ، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها..." انتهى من "مجموع الفتاوى" (21 / 634).

ثانيا:

قد جاء الأمر بتطهير المساجد وتنظيفها.

قال الله تعالى:   فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ   النور/36 - 37.

قال ابن كثير رحمه الله تعالى:

" فقال: ( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ ) أي: أمر الله تعالى برفعها، أي: بتطهيرها من الدنس واللغو، والأفعال والأقوال التي لا تليق فيها " انتهى من "تفسير ابن كثير" (6 / 62).

وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى:

" أي: يتعبد لله ( فِي بُيُوتٍ ) عظيمة فاضلة، هي أحب البقاع إليه، وهي المساجد. ( أَذِنَ اللَّهُ ) أي: أمر ووصى ( أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ ) هذان مجموع أحكام المساجد، فيدخل في رفعها، بناؤها، وكنسها، وتنظيفها من النجاسة والأذى، وصونها عن المجانين والصبيان الذين لا يتحرزون عن النجاسة، وعن الكافر، وأن تصان عن اللغو فيها، ورفع الأصوات بغير ذكر الله " انتهى من "تفسير السعدي" (ص 569).

وعَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: " أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ فِي الدُّورِ، وَأَنْ تُنَظَّفَ وَتُطَيَّبَ " رواه أبو داود (455) والترمذي (594) ، وصححه الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (2 / 354).

فالمطلوب تنظيف المسجد وتطهيره، وما دمتم عاجزين عن قتل هذا الوزغ  الذي يكثر في المسجد ؛ فينبغي أن تسعوا لصيانة المسجد منه بترميم الشقوق، ووضع ما يمنع دخوله على النوافذ، ونحو ذلك، ما أمكن.

وأن تصونوه عن فضلاتها، وتنظفوه منها ، كلما وجدتم شيئا منها في المسجد.

ثالثا:

أثبت كثير من أهل العلم أن الوزغ من الحيوانات التي لها نفس – أي الدم - سائلة.

قال أبو عبيد القاسم بن سلام:

" وأما الحيات والأوزاغ: فإنها عندنا مفارقة لكل ما سمينا، وذلك لأن لها دما في رؤوسها " انتهى من "الطهور" (ص 255).

جاء في "النتف في الفتاوى" للسغدي الحنفي (1/37-38):

" وعند الفقهاء الهوام على وجهين:

مَا لَهُ دم سَائل، مثل الْفَأْرَة والحية والوزغة والقنفذ : فإن مَا يخرج مِنْهَا ، وسؤرها : مَكْرُوه .. وبولها: نجس .. " انتهى.

وقال ابن عابدين:

" قوله: ( وسؤر سواكن بيوت طاهر للضرورة (مكروه) تنزيها في الأصح ).

قوله: ( وسواكن بيوت ) أي: مما له دم سائل كالفأرة والحية والوزغة، بخلاف ما لا دم له كالخنفس والصرصر والعقرب فإنه لا يكره كما مر " انتهى من "حاشية ابن عابدين" (1 / 224).

وفي بعض كلام الأحناف: ما يفهم منه تفريقهم بين الوزغة الكبيرة، فهي التي لها دم سائل، بخلاف الصغيرة .

انظر: "فتاوى قاضيخان" (1/4)، "حاشية ابن عابدين" (1/185).

وينظر: "الموسوعة الفقهية" (40/74).

وقال محمد بن أحمد الدسوقي المالكي رحمه الله تعالى:

" ليس مما لا دم له: الوزغ ، والسحالي ، وشحمة الأرض؛ بل هي مما له نفس سائلة، فهي ذات لحم ودم " انتهى من"حاشية الدسوقي" (1 / 49).

وقال البهوتي، رحمه الله: "(وميتة غير الآدمي، و) غير ... ؛ (إلا الوزغ والحية): فميتتهما نجسة؛ لأن لهما نفسا سائلة" انتهى من "شرح منتهى الإرادات" (1/107).

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:

" (الوزغ) قال أصحابنا رحمهم الله: للوزغ نفس سائلة؛ نص عليه الإمام أحمد، يعني: له دم يسيل ..." . انتهى من "شرح بلوغ المرام" (1 / 109).

رابعا:

من المعلوم أن ما له نفس سائلة ، مما لا يؤكل لحمه : فإن فضلاته نجسة، يجب توقيها في بقعة الصلاة.

قال ابن عبد البر رحمه الله تعالى:

" وأجمع العلماء على غسل النجاسات كلها، من الثياب والبدن ، وألا يصلى بشيء منها في الأرض، ولا في الثياب.

وأما العذرات ، وأبوال ما لا يؤكل لحمه : فقليل ذلك وكثيره، رجس نجس ، عند الجمهور من السلف، وعليه فقهاء الأمصار " انتهى  من "الاستذكار" (3 / 205).

فعلى هذا القول بأن له نفسا سائله ، وأن فضلاته نجسة: فالواجب أن تُكسح هذه الفضلات، وتكنس من على بساط المسجد، إذا كانت كثيرة ظاهرة، كما ذكر.

وما دامت يابسة ، فإنها يكفي إزالتها بالكنس ونحوه ، ثم يصلي عليها الناس بعد ذلك ، ولا حرج .

فإن بقي بعد كنسها شيء يسير، مما يفوت الكانس عادة : فلا حرج أيضا في الصلاة على هذا البساط ، لعموم البلوى به ، على ما ذكرتم ، ومشقة الاحتراز منها.

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:

" وللعلماء رحمهم الله تعالى في مسألة يسير النجاسة أقوال ...

القول الثالث: أنه يعفى عن يسير سائر النجاسات.

وهذا مذهب أبي حنيفة، واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، ولا سيما ما يبتلى به الناس كثيرا كبعر الفأر، وروثه، وما أشبه ذلك، فإن المشقة في مراعاته، والتطهر منه: حاصلة، والله تعالى يقول: ( وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) " انتهى من"الشرح الممتع" (1 / 466).

وأما إن كنت رطبة، قد ظهر أثر رطوبتها في بساط المسجد وفراشه: فالواجب غسل ما لوثته هذه النجاسة، بعد رفعها من على البساط ، وإزالتها منه ، ثم يطهر محلها بغسله بالماء.

عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: " أَنَّ أَعْرَابِيًّا بَالَ فِي المَسْجِدِ ، فَقَامُوا إِلَيْهِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لاَ تُزْرِمُوهُ ) ، ثُمَّ دَعَا بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ فَصُبَّ عَلَيْهِ " رواه البخاري (6025) ، ومسلم (284).

سُئلت "اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء":

" هل يكفي مسح النجاسة الساقطة على الفرش والبسط بالإسفنج ثلاث مرات، أم ماذا يعمل المسلم في ذلك؟

فأجابت:  لا يكفي مسح النجاسة الساقطة على ما ذكر، بل يصب عليها الماء حتى يغلب على ما سقط عليها من النجاسة من بول ونحوه، وإن كان للنجاسة جرم وجب إزالته.

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

عبد الله بن قعود ، عبد الله بن غديان ، عبد الرزاق عفيفي ، عبد العزيز بن عبد الله بن باز " انتهى من " فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الأولى" (5 / 365).

وسُئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:

" ما صفة تطهير الفرش الكبير من النجاسة؟ وهل العصر في الغسل للنجاسة معتبر بعد إزالة عينها؟

فأجاب رحمه الله تعالى: صفة غسل الفرش الكبيرة من النجاسة: أن يزيل عين النجاسة أولاً ، إذا كانت ذات جرم. فإن كانت جامدة أخذها، وإن كانت سائلة كالبول: نشفه بإسفنج حتى ينتزعه.

ثم بعد ذلك يصب الماء عليه ، حتى يظن أنه زال أثره، أو زالت النجاسة... " انتهى من " فتاوى نور على الدرب" (3 / 283 - 284).

وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم : (213577) .

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب