السبت 11 شوّال 1445 - 20 ابريل 2024
العربية

الجواب عن الاستدلال بحديث بلال وأرجى عمل عمله على جواز البدعة الإضافية

294707

تاريخ النشر : 10-10-2021

المشاهدات : 8898

السؤال

كنت فى نقاش مع أخ حنبلي المذهب حول الاحتفال بأعياد الميلاد الشخصية، فأخبرني أن الأمر ليس ببدعة، ولا مانع فى ذلك، طالما أن الإنسان لا يوسع دائرة الاحتفال، ولا يسرف فى الأمر، مستدلا على ذلك بأن النبى صلى الله عليه وسلم رأى فى المنام سيدنا بلال وهو ينعم بالجنة، وكان لا يعلم بما يفعل سيدنا بلال، وعندما سأله علم أنه يصلى سنة الوضوء، ولم يكن النبي قد أقر ذلك، ولم ينكر عليه فعله. فهل ما ذكره استدلالا صحيحا؟ وهل يكفينى أنا كامرأة من العوام أن استدل على الحكم الشرعى برأى الجمهور، أم يحسن لي أن أتبع مذهبا من المذاهب الأربعة؟ وماذا عن القضايا المستحدثة التى لم يقف عليها أصحاب المذاهب الأربعة؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

الاحتفال بعيد الميلاد قد يفعل عادة، كما هو الأكثر، وقد يفعل عبادة كالاحتفال بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم ومولد بعض الصالحين.

1 - فإن فعل عادة، فهو عادة دخيلة مأخوذة عن غير المسلمين، وفي الاحتفال بذلك تشبه بهم وهو مذموم ممنوع؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ) رواه أبو داود (4031)، وصححه الألباني في "صحيح سنن أبي داود".

وقد حرصت الشريعة على منع التشبه بالكفار والمشركين في عاداتهم التي يختصون بها كالهيئة واللباس والتحية وغير ذلك.

وليس لنا -أهل الإسلام- من مناسبة نعتاد الاحتفال بها، وتتكرر كل عام، -وهذا معنى العيد-إلا عيد الفطر وعيد الأضحى؛ لما روى أبو داود (1134)، والنسائي (1556) عَنْ أَنَسٍ قَالَ : "قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا، فَقَالَ : مَا هَذَانِ الْيَوْمَانِ؟ قَالُوا : كُنَّا نَلْعَبُ فِيهِمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا : يَوْمَ الْأَضْحَى ، وَيَوْمَ الْفِطْرِ) وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (2021).

ففي هذا منع إحداث الأعياد، والاقتصار على ما جعله الله لهذه الأمة من هذين العيدين الكريمين.

وينظر للفائدة: جواب سؤال: (الاحتفال في المناسبات والأعياد ، ما يجوز منه ، وما لا يجوز)، ورقم: (26804).

2 - وإن فعل الاحتفال تعبدا، كان بدعة ضلالة مردودة على صاحبها؛ لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ) رواه البخاري (2697)، ومسلم (1718).

وقوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ) رواه مسلم (1718).

جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (3/ 88):

" أولا: العيد اسم لما يعود من الاجتماع على وجه معتاد إما بعود السنة أو الشهر أو الأسبوع أو نحو ذلك ؛ فالعيد يجمع أمورا ، منها : يوم عائد كيوم عيد الفطر ويوم الجمعة، ومنها : الاجتماع في ذلك اليوم، ومنها : الأعمال التي يقام بها في ذلك اليوم من عبادات وعادات.

ثانيا: ما كان من ذلك مقصودا به التنسك والتقرب أو التعظيم كسبا للأجر، أو كان فيه تشبه بأهل الجاهلية أو نحوهم من طوائف الكفار : فهو بدعة محدثة ممنوعة داخلة في عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد رواه البخاري ومسلم. مثال ذلك الاحتفال بعيد المولد، وعيد الأم، والعيد الوطني؛ لما في الأول من إحداث عبادة لم يأذن بها الله، ولما في ذلك التشبه بالنصارى ونحوهم من الكفرة، ولما في الثاني والثالث من التشبه بالكفار ...

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز" انتهى.

والحاصل :

أن الاحتفال بميلاد الإنسان، وجعل ذلك كل عام، يجعله عيدا، وهو دائر بين أن يكون تشبها بالكفار، أو بدعة محدثة.

ثانيا:

لا حجة في حديث بلال رضي الله على تسويغ شيء من البدع؛ فإن بلالا رضي الله لم يستحدث شيئا في الدين، وسنة الوضوء ثابتة من قوله صلى الله عليه وسلم.

أما حديث بلال فقد رواه البخاري (1149)، ومسلم (2458) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِبِلاَلٍ عِنْدَ صَلاَةِ الفَجْرِ: ( يَا بِلاَلُ حَدِّثْنِي بِأَرْجَى عَمَلٍ عَمِلْتَهُ فِي الإِسْلاَمِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ دَفَّ نَعْلَيْكَ بَيْنَ يَدَيَّ فِي الجَنَّةِ) قَالَ: مَا عَمِلْتُ عَمَلًا أَرْجَى عِنْدِي: أَنِّي لَمْ أَتَطَهَّرْ طَهُورًا، فِي سَاعَةِ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ، إِلَّا صَلَّيْتُ بِذَلِكَ الطُّهُورِ مَا كُتِبَ لِي أَنْ أُصَلِّيَ".

قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: "دَفَّ نَعْلَيْكَ يَعْنِي تَحْرِيكَ".

وسنة الوضوء ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وليست من اجتهاد بلال رضي الله عنه، ولا اختراعه . روى البخاري (159)، ومسلم (226) عن عثمان رضي الله أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لاَ يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ).

وروى مسلم (234) عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهُ، ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، مُقْبِلٌ عَلَيْهِمَا بِقَلْبِهِ وَوَجْهِهِ، إِلَّا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ).

قال النووي رحمه الله  : "يستحب ركعتان عقب الوضوء للأحاديث الصحيحة فيها " انتهى من"المجموع شرح المهذب" (4 /53).

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله في شرح حديث عثمان: قوله: (ثم صلى ركعتين (: فيه استحباب صلاة ركعتين عقب الوضوء " انتهى من "فتح الباري" (1/ 260).

وفي فضل المحافظة على الوضوء: روى أحمد (22433)، وابن ماجه (278) عَنْ ثَوْبَانَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اسْتَقِيمُوا، وَلَنْ تُحْصُوا، وَاعْلَمُوا أَنَّ خَيْرَ أَعْمَالِكُمُ الصَّلَاةَ، وَلَا يُحَافِظُ عَلَى الْوُضُوءِ إِلَّا مُؤْمِنٌ) وصححه الألباني، وشعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند.

فهل زاد بلال عن ذلك؟!

كان بلال رضي الله عنه إذا أحدث توضأ، وإذا توضأ صلى، وهذا عمل بالسُّنَّتين الثابتين قولا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: المحافظة على الوضوء، وصلاة ركعتين بعده، مع الترغيب العام المعلوم في الصلاة في كل وقت، كقوله: (وَالصَّلَاةُ نُورٌ) رواه مسلم (223).

وقوله: (اعلم أنك لن تسجد لله سجدة إلا رفع الله لك بها درجة، وحط عنك بها خطيئة) رواه أحمد (22140) وصححه شعيب.

ولو أن مسلما بلغته هذه الأحاديث، ولم تبلغه قصة بلال، فاستنبط منها أنه كلما أحدث توضأ، وكلما توضأ صلى ركعتين، هل يقول عنه أحد إنه ابتدع؟!

والجواب معلوم، وهو أن ذلك خارج عن حد البدعة، وبلال رضي الله عنه لم يزد على ذلك، فلا يقال: إنه أحدث عبادة أو خصها بوقت لم يرد، بل قد عمل بالوارد، كلما أحدث توضأ، وكلما توضأ أتى بسنة الوضوء.

وأما من خص يوم ولادته بالاحتفال، وجعل ذلك كل عام، فقد اتخذه عيدا، فإن اعتقد ذلك قربة، كان مبتدعا ولا شك.

والعجب من مروجي البدع، واستسهالهم نسبة الابتداع إلى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ليسوّغوا ما هم عليه، ومعلوم أن كل بدعة ضلالة، والصحابة أبعد الناس عن البدع، حقيقية كانت أو إضافية، ولهذا أنكروا على من يتخذ للعبادة كيفيّة لم ترد، أو يخصص لها وقتا لم يرد.

ثالثا:

يلزم العامي أن يسأل من يثق فيه من أهل العلم؛ لقوله تعالى: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) النحل/43.

ولا يلزمه أن يعلم على أي مذهب اعتمد مفتيه. وليس للعامي أن يستدل بنفسه، أو ينقل أن مذهب الجمهور كذا، أو مذهب الشافعي، مثلا ، أو غيره من الأئمة كذا؛ فإن هذا لا يتهيأ ـ عادة ـ إلا لطالب علم ، يفهم مسالك ذلك.

والحاصل: أن وظيفة العامي، أن يسأل من يثق في علمه ودينه، عما ينزل به من النوازل، وينوبه من الحوادث والمسائل.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب