الخميس 18 رمضان 1445 - 28 مارس 2024
العربية

كيف نوفق بين قوله تعالى : (إنما يخشى الله من عباده العلماء) ، ووجود علماء يحلون بعض المحرمات ؟

293874

تاريخ النشر : 02-08-2018

المشاهدات : 7479

السؤال

ذكر أحد العلماء أنه يجوز للرجل مصافحة المرأة وأحل الاستماع للموسيقى والإستمناء وحلق اللحية إلخ وهو رجل له درايةً واسعة فيما يتعلق بالتفسير وقد تفوّق بعلمه على معظم العلماء الآخرين الذين يخشون الله. قال الله تعالى :  إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ   فاطر/28 ، فلماذا يحظى الناس الذين خلت قلوبهم من خشية الله بعلم أكثر من أولئك الذين يخافون الله تعالى ؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

العلم النافع يقود إلى الخشية، كما قال الله تعالى:  إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ  فاطر/28، فكلما زاد العلم الحقيقي زادت الخشية.

والمنتسبون للعلم أصناف:

1-فمنهم من هو عالم بالدنيا، كافر بالله تعالى، كما قال الله:  يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ  الروم/7 .

2-ومنهم من هو عالم بالشرع ، لكن انتكس وضل ، فهذا لا يخشى الله ، كما قال الله:  وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ  الأعراف/175، 176 .

3-ومنهم من يبيع دينه بعرض من الدنيا، فيكتم الحق، ويحرف الكلم عن مواضعه، كما قال الله:  وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ  آل عمران/187 .

4-ومنهم من هو عالم بالشرع لكنه مراء، يطلب العلم ليقال عالم، فهذا بشرِّ المنازل، وهو من أول من تسعّر بهم النار، ومثل هذا بعيد عن الخشية.

وأما العالم المخلص، فإن علمه يقوده للخشية.

قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره (6/ 482): " (إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) : أَيْ إِنَّمَا يَخْشَاهُ حَقَّ خَشْيَتِهِ : الْعُلَمَاءُ الْعَارِفُونَ بِهِ ، لِأَنَّهُ كُلَّمَا كَانَتِ الْمَعْرِفَةُ لِلْعَظِيمِ الْقَدِيرِ الْعَلِيمِ ، الْمَوْصُوفِ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ ، الْمَنْعُوتِ بِالْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى كُلَّمَا كَانَتِ الْمَعْرِفَةُ بِهِ أَتَمُّ ، وَالْعِلْمُ بِهِ أَكْمَلَ : كَانَتِ الْخَشْيَةُ لَهُ أَعْظَمَ وَأَكْثَرَ" انتهى.

وقال السعدي رحمه الله : " فكل من كان بالله أعلم ، كان أكثر له خشية ، وأوجبت له خشية الله ، الانكفاف عن المعاصي ، والاستعداد للقاء من يخشاه، وهذا دليل على فضيلة العلم، فإنه داع إلى خشية الله، وأهل خشيته هم أهل كرامته، كما قال تعالى: رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ" انتهى من تفسيره ص688

فالعلماء أصناف وأنواع، من حيث الخشية وتحصيل العلم الحقيقي النافع.

ثانيا:

المفاضلة بين العلماء في درجة العلم ليست سهلة، فإن ذلك لا يكون إلا لأمثالهم من العلماء، وأما العوام فقد يغترون بفصاحة الإنسان ، وحسن حديثه ، أو جمال عرضه ، أو لكونه ينتقي ما يلفت انتباههم، أو لكونه يظهر على الشاشات ، ويغيب عنهم من هو فوقه في العلم والفضل بمراحل.

والحاصل :

أن أهل العلم الحقيقي النافع : هم أهل الخشية .

وقد يوجد من هو معدود في العلماء ظاهرا ، وهو أخبث الناس طوية، وأعظمهم جرأة على محارم الله تعالى، ولهذا تراه يوالي الكفار، أو يحل الربا، أو يدافع عن الظلمة، ويحرف الدين.

فلا ينبغي الاغترار بكل من ينتسب إلى العلم. 

ثالثا:

إذا عرف العالم بالتساهل في الفتيا، والبحث عن الرخص، فإنه يجتنب، وقد كان الفقهاء يسمونه: المفتي الماجن.

نقل السرخسي الحنفي عن أبي حنيفة رحمه الله: " لا يجوز الحجر إلا على ثلاثة: على المفتي الماجن، وعلى المتطبب الجاهل، وعلى المُكاري المفلس؛ لما فيه من الضرر الفاحش ، إذا لم يحجر عليهم .

فالمفتي الماجن يفسد على الناس دينهم، والمتطبب الجاهل يفسد أبدانهم، والمكاري المفلس يتلف أموالهم، فيمنعون من ذلك دفعا للضرر" انتهى من "المبسوط"(24/ 157).

وقال النووي رحمه الله: "يحرم التساهل في الفتوى ، ومن عرف به حرم استفتاؤه .

فمن التساهل : أن لا يتثبت ، ويسرع بالفتوى قبل استيفاء حقها من النظر والفكر .

فإن تقدمت معرفته بالمسئول عنه فلا بأس بالمبادرة ، وعلى هذا يحمل ما نقل عن الماضين من مبادرة .

ومن التساهل أن تحمله الأغراض الفاسدة على تتبع الحيل المحرمة ، أو المكروهة ، والتمسك بالشبه ، طلبا للترخيص لمن يروم نفعه ، أو التغليظ على من يريد ضره .

وأما من صح قصده ، فاحتسب في طلب حيلة لا شبهة فيها ، لتخليصٍ من ورطة يمين ونحوها؛ فذلك حسن جميل . وعليه يحمل ما جاء عن بعض السلف من نحو هذا ؛ كقول سفيان: إنما العلم عندنا الرخصة من ثقة ، فأما التشديد فيحسنه كل أحد " انتهى من "المجموع" (1/79).

وقال ابن القيم رحمه الله: " وبالجملة، فلا يجوز العمل والإفتاء في دين اللَّه تعالى بالتشهي والتخير ، وموافقة الغرض ، فيطلب القول الذي يوافق غرضه ، وغرض من يحابيه فيعمل به، ويفتي به ، ويحكم به، ويحكم على عدوه ويفتيه بضده، وهذا من أفسق الفسوق وأكبر الكبائر، واللَّه المستعان" انتهى من "إعلام الموقعين" (6/ 124).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب