الخميس 18 رمضان 1445 - 28 مارس 2024
العربية

مسألة الترادف في القرآن

288185

تاريخ النشر : 11-08-2018

المشاهدات : 41205

السؤال

سمعت أحد الأشخاص يقول : إن القرآن ليس به مترادفات ، وإلا لماذا يستخدم القرآن لفظين إن كان لهما نفس المعنى؟ وإن استخدم لفظين في نفس المعنى فهذا يعتبر عبث والقرآن لا يعبث ، ويقول : إن السبب وراء القول بأن القرآن به مترادفات هو الشعر العربي قديما ؛ لأنهم يهتمون بالوزن والقافية أكثر من دقة اللفظ فإذا لم يناسب اللفظ الوزن ، أتى بلفظ آخر مشابه له ، ووقع الخلط بين الألفاظ وأخطاء في التفسير بسبب ذلك.

الجواب

الحمد لله.

أولًا:

الترادف، هو: الألفاظ المفردةُ الدالة على شيء واحد باعتبارٍ واحد.

انظر: "المزهر" للسيوطي(1/ 316).

وصورة هذه القضية أن الترادف: هو توالي كلمتين مختلفتين ، فأكثر ، للدلالة على شيء واحد ، باعتبار واحد، مثل: (البر) و (القمح) و (الحنطة)، فهذه ألفاظ مختلفة لشيء واحد.

وعلامة صحة الترادف: إمكان حلول أحد اللفظين محل الآخر، لو حذفت أحدهما ، دون تأثر المعنى بذلك الإحلال ، والتبديل .

ثانيًا:

اختلف العلماء في وقوع الترادف في القرآن:

1- فمنهم من ذهب إلى وجود الترادف، فيجمع للمعنى أو الشيء الواحد ألفاظاً ذات عدد، دون إشارة إلى كونها لغات فيه. وهذا هو مذهب "أبي مسحل الأعرابي ق 2هـ" في  "كتاب النوادر "و"ابن السكيت - 244 هـ" في "الألفاظ" . وللفيروزابادى، صاحب القاموس - 817 هـ - كتاب اسمه "الروض المسلوف، فيما له اسمان إلى ألوف" وكتاب آخر في "أسماء العسل" ذكروا أنه جمع فيه منها ثمانين اسماً.

2- ومنهم من يميز دلالة خاصة لكل لفظ من الألفاظ التي تطلق على الشيء الواحد ، أو تتوارد على معنى من المعاني. وهو مذهب "أبي منصور الثعالبي" في "فقه اللغة" وأبي هلال العسكري في "الفروق اللغوية" وأحمد بن فارس في "الصاحبي في فقه اللغة" وأبي الفتح ابن جنى في "الخصائص" ، وهم من علماء العربية في القرن الرابع للهجرة.

والخلاف بين المذهبين قديم.

انظر:

"الإعجاز البياني"، د. عائشة عبدالرحمن: (209)، "المقدمات الأساسية"، للجديع: (405).

ولعل أقرب الأقوال، أنه على القول بثبوته، فلا يظن كثرة وقوعه في كلام العرب.

أما في القرآن، فطائفة على وجوده، وطائفة على عدمه، والقول بعدم وقوعه في القرآن : أقرب ؛ إذ من قال بوجوده فيه : لم يذكر له مثالًا صالحًا .

نعم، يوجد في القرآن استعمال الألفاظ المتقاربة المعاني، مثل:

(الخوف) و (الخشية)، و (الخشوع) و (الخضوع)، لا على سبيل الترادف، وإنما بمجيء اللفظ مستقلا عن الآخر.

وهذه الألفاظ وشبهها : لو توالت في سياق واحد ؛ فهي ليست من باب الترادف على التحقيق، وذلك لما بينها من دقيق الفارق في المعنى.

فجدير بالمتدبر للقرآن ألا يركن في تأمله ، وتدبره إلى فكرة "الترادف" ، ويدع التماس الفروق بين السياقات ، والنكات اللفظية واللغوية التي يحتملها كل سياق ، بحسبه .

يقول ابن تيمية: " فإن الترادف في اللغة قليل، وأما في ألفاظ القرآن فإما نادر وإما معدوم، وقَلَّ أن يعبر عن لفظ واحد بلفظ واحد يؤدي جميع معناه ، بل يكون فيه تقريب لمعناه، وهذا من أسباب إعجاز القرآن "  مقدمة في أصول التفسير" (17).

ويقول الزركشي: " فعلى المفسر مراعاة الاستعمالات ، والقطع بعدم الترادف ما أمكن ؛ فإن للتركيب معنى غير معنى الإفراد .

ولهذا منع كثير من الأصوليين وقوع أحد المترادفين موقع الآخر في التركيب ، وإن اتفقوا على جوازه في الإفراد " .

ثم ضرب أمثلة لما يظن فيه الترادف ، وليس كذلك ، فمن ذلك : الخوف والخشية .

يقول الزركشي: " لا يكاد اللغوي يفرق بينهما.

ولا شك أن الخشية أعلى من الخوف ، وهي أشد الخوف، فإنها مأخوذة من قولهم شجرةٌ خَشِيَّةٌ : إذا كانت يابسة ، وذلك فوات بالكلية .

والخوف من قولهم ناقةٌ خَوْفَاء : إذا كان بها داء ، وذلك نقص ، وليس بفوات .

ومن ثمة : خُصَّت الخشية بالله تعالى، في قوله سبحانه ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب.

وفرق بينهما أيضًا: بأن الخشية تكون من عِظم المَخشِي، وإن كان الخاشي قويًا .

والخوف يكون من ضعف الخائف، وإن كان المَخُوف أمرا يسيرا .

ويدل على ذلك : أن الخاء والشين والياء في تقاليبها : تدل على العظمة، قالوا: شيخ للسيد الكبير، والخيش لما عظُم من الكتان .

والخاء والواو والفاء في تقاليبها: تدل على الضعف، وانظر إلى الخوف لما فيه من ضعف القوة.

وقال تعالى: ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب : فإن الخوف من الله لعظمته ، يخشاه كل أحد ، كيف كانت حاله . وسوء الحساب ربما لا يخافه من كان عالمًا بالحساب ، وحاسب نفسه قبل أن يحاسب ، قال تعالى: إنما يخشى الله من عباده العلماء، وقال لموسى: لا تخف أي لا يكن عندك من ضعف نفسك ما تخاف منه من فرعون .

فإن قيل: ورد: يخافون ربهم ؟

قيل: الخاشي من الله بالنسبة إلى عظمة الله : ضعيف فيصح أن يقول يخشى ربه لعظمته ، ويخاف ربه أي لضعفه بالنسبة إلى الله تعالى .

وفيه لطيفة: وهي أن الله تعالى لما ذكر الملائكة وهم أقوياء ، ذكر صفتهم بين يديه فقال: يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون ؛ فبين أنهم عند الله ضعفاء .

ولما ذكر المؤمنين من الناس ، وهم ضعفاء لا حاجة إلى بيان ضعفهم ، ذكر ما يدل على عظمة الله تعالى، فقال: يخشون ربهم .

ولما ذكر ضعف الملائكة بالنسبة إلى قوة الله تعالى، قال: ربهم من فوقهم " .

انتهى من "البرهان في علوم القرآن "(4/ 78 - 79).

والخلاصة : الترادف في اللغة قليل، وأما في ألفاظ القرآن فإما نادر وإما معدوم .

والله أعلم 

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب