جدول المحتويات
معنى الاستنشاق والاستنثار في الوضوء
ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم الأمر بالاستنشاق والاستنثار في أحاديث [ والاستنشاق هو إدخال الماء بالنفس إلى الأنف، والاستنثار إخراجه منه ]، منها حديث أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلْيَجْعَلْ فِي أَنْفِهِ، ثُمَّ لِيَنْثُرْ رواه البخاري (162)، ومسلم (237).
حكم الاستنشاق في الوضوء
- والاختلاف مشهور بين الحنابلة والجمهور في الاستنشاق، فالجمهور يقولون: إنه سنة، ويحملون الأمر الوارد فيه على الندب؛ والصارف عندهم هو قول النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي توضأ كما أمرك الله، وليس فيما أمر الله تعالى في آية المائدة المضمضة والاستنشاق.
قال النووي:
"هَذَا الْأَعْرَابِيَّ صَلَّى ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَلَمْ يُحْسِنْهَا، فَعَلِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَئِذٍ أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ الصَّلَاةَ الَّتِي تُفْعَلُ بِحَضْرَةِ النَّاسِ وَتُشَاهَدُ أَعْمَالُهَا، فَعَلَّمَهُ وَاجِبَاتِهَا وَوَاجِبَاتِ الْوُضُوءِ، فَقَالَ صَلَّى الله عليه وسلم: توضأ كما أمرك الله ، وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ سُنَنَ الصَّلَاةِ وَالْوُضُوءِ، لِئَلَّا يَكْثُرَ عَلَيْهِ فَلَا يَضْبِطَهَا؛ فَلَوْ كَانَتْ الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ وَاجِبَتَيْنِ لَعَلَّمَهُ إيَّاهُمَا؛ فَإِنَّهُ مِمَّا يَخْفَى، لَا سِيَّمَا فِي حَقِّ هَذَا الرجل خَفِيَتْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ الَّتِي تُشَاهَدُ فَكَيْفَ الْوُضُوءُ الَّذِي يَخْفَى" انتهى من "المجموع شرح المهذب (1/364).
- وخالفهم الحنابلة، فحملوا الأمر بالاستنشاق على الوجوب، وقالوا:
" كُلَّ مَنْ وَصَفَ وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُسْتَقْصِيًا ذَكَرَ أَنَّهُ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ، وَمُدَاوَمَتُهُ عَلَيْهِمَا تَدُلُّ عَلَى وُجُوبِهِمَا؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ بَيَانًا وَتَفْصِيلًا لِلْوُضُوءِ الْمَأْمُورِ بِهِ فِي كِتَابِ اللَّهِ " انتهى من "المغني" (1/83).
وليس المقصود مناقشة القولين وبيان الأرجح منهما، فقد سبق ذلك في جواب السؤال (153791) فليراجع.
لكن المقصود بيان حجة القائلين بسنية الاستنشاق، وأن مورد اختيارهم غير نابع من إهمال النصوص أو عدم العناية بها، بل على العكس من ذلك.
هل الاستنثار واجب في الوضوء؟
وأما الاستنثار وهو إخراج الماء من الأنف فقد نقل بعض العلماء الاتفاق على استحبابه وعدم وجوبه.
ولكن الواقع أن في ذلك خلافا بين العلماء القائلين بوجوب الاستنشاق، حتى روي عن الإمام أحمد في هذا روايتان، وجعل المرداوي في الإنصاف (1/327) الرواية بالسنية هي مذهب الإمام أحمد.
ولكن ظاهر كلام ابن قدامة رحمه الله في المغني (1/169) أنه واجب، وهذا هو ظاهر الأمر به في أكثر من حديث، ولأن المقصود هو تنظيف الأنف وتطهيره، وذلك لا يحصل إلا بالاستنثار.
وظاهر كلام الشيخ ابن عثيمين رحمه الله أنه يميل إلى القول بوجوبه، فإنه قال: "وهل يجب الاستنثار؟ قالوا: الاستنثار سُنَّةٌ، ولا شَكَّ أن طهارة الأنف لا تتمُّ إِلا بالاستنثار بعد الاستنشاق؛ حتى يزول ما في الأنف من أذىً " انتهى "الشرح الممتع" (1/209).
وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (1/ 262)
ظَاهِرُ الْأَمْرِ أَنَّهُ لِلْوُجُوبِ، فَيَلْزَمُ مَنْ قَالَ بِوُجُوبِ الِاسْتِنْشَاقِ لِوُرُودِ الْأَمْرِ بِهِ، كَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَأَبِي ثَوْر وابن الْمُنْذِرِ: أَنْ يَقُولَ بِهِ فِي الِاسْتِنْثَارِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ صَاحِبِ الْمُغْنِي يَقْتَضِي أَنَّهُمْ يَقُولُونَ بِذَلِكَ، وَأَن مَشْرُوعِيَّة الِاسْتِنْشَاق لاتحصل الا بالاستنثار.
وَصرح ابن بَطَّالٍ بِأَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ قَالَ بِوُجُوبِ الِاسْتِنْثَارِ، وَفِيهِ تَعَقُّبٌ عَلَى مَنْ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهِ.
وقال أيضا: "الِاسْتِنْثَارَ يَقَعُ عَلَى الِاسْتِنْشَاقِ، بِغَيْرِ عَكْسٍ؛ فَقَدْ يَسْتَنْشِقُ وَلَا يَسْتَنْثِرُ.
وَالِاسْتِنْثَارُ مِنْ تَمَامِ فَائِدَةِ الِاسْتِنْشَاقِ... وَالْمَقْصُودُ مِنْ الِاسْتِنْشَاقِ تَنْظِيفُ دَاخِلِ الْأَنْفِ، وَالِاسْتِنْثَارُ يُخْرِجُ ذَلِكَ الْوَسَخَ مَعَ الْمَاءِ، فَهُوَ مِنْ تَمَامِ الِاسْتِنْشَاقِ" انتهى من "فتح الباري" (6/343).
لفهم أوسع يرجى قراءة الأجوبة التالية: ( 387244، 115745، 164504، 228261).
والله أعلم.