الخميس 18 رمضان 1445 - 28 مارس 2024
العربية

الرد على من استدل بحديث سبيعة الأسلمية على جواز خروج المرأة سافرة متجملة

266483

تاريخ النشر : 26-08-2017

المشاهدات : 35173

السؤال

هناك من احتج بحديث سبيعة رضي الله عنها المخرج في كتاب البخاري : حدثني عبيدالله أن أباه كتب إلى عمر بن عبدالله يأمره أن يدخل على سبيعة بنت الحارث الأسلمية فيسألها عن حديثها ، وعما قال لها رسول الله حين استفتته ، فكتب عمر بن عبدالله إلى عبدالله بن عقبة يخبره أن سبيعة أخبرته أنها كانت تحت سعد بن خولة ـ وهو في بني عامر بن لؤي ، وكان ممن شهد بدراً ـ ، وتوفي عنها في حجة الوداع وهي حامل ، فلم تنشب أن وضعت حملها بعد وفاته ، فلما تعلت من نفاسها تجملت للخطاب ، فدخل عليها أبو السنابل ، وقال لها : مالي أراك تتجملين ؟ لعلك ترجين النكاح ، إنك والله ما أنت بناكح حتى تمر عليك أربعة أشهر وعشرا ، قالت سبيعَة : فلما قال لي ذلك : جمعت علي ثيابي حين أمسيت ، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته عن ذلك ، فأفتاني بأني قد حللت حين وضعت حملي ، وأمرني بالتزوج إن بدى لي ... الحديث ، بتحليل كشف الوجة مع المكياج ، أريد شرحاً للحديث ، ورداً على هذا التأويل .

الجواب

الحمد لله.

الحديث الذي أورده السائل الكريم متفق عليه ، أخرجه البخاري (3991) ، ومسلم (1484) من حديث عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أَنَّ أَبَاهُ كَتَبَ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الأَرْقَمِ الزُّهْرِيِّ: يَأْمُرُهُ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى سُبَيْعَةَ بِنْتِ الحَارِثِ الأَسْلَمِيَّةِ ، فَيَسْأَلَهَا عَنْ حَدِيثِهَا ، وَعَنْ مَا قَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ اسْتَفْتَتْهُ. فَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الأَرْقَمِ ، إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ ، يُخْبِرُهُ أَنَّ سُبَيْعَةَ بِنْتَ الحَارِثِ أَخْبَرَتْهُ: أَنَّهَا كَانَتْ تَحْتَ سَعْدِ ابْنِ خَوْلَةَ ، وَهُوَ مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ ، وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا ، فَتُوُفِّيَ عَنْهَا فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ وَهِيَ حَامِلٌ ، فَلَمْ تَنْشَبْ أَنْ وَضَعَتْ حَمْلَهَا بَعْدَ وَفَاتِهِ ، فَلَمَّا تَعَلَّتْ مِنْ نِفَاسِهَا ، تَجَمَّلَتْ لِلْخُطَّابِ ، فَدَخَلَ عَلَيْهَا أَبُو السَّنَابِلِ بْنُ بَعْكَكٍ ، رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ ، فَقَالَ لَهَا: مَا لِي أَرَاكِ تَجَمَّلْتِ لِلْخُطَّابِ ، تُرَجِّينَ النِّكَاحَ؟ فَإِنَّكِ وَاللَّهِ مَا أَنْتِ بِنَاكِحٍ حَتَّى تَمُرَّ عَلَيْكِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ ، قَالَتْ سُبَيْعَةُ: فَلَمَّا قَالَ لِي ذَلِكَ جَمَعْتُ عَلَيَّ ثِيَابِي حِينَ أَمْسَيْتُ ، وَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ فَأَفْتَانِي بِأَنِّي قَدْ حَلَلْتُ حِينَ وَضَعْتُ حَمْلِي ، وَأَمَرَنِي بِالتَّزَوُّجِ إِنْ بَدَا لِي .

وفي لفظ عند أحمد في المسند (26715) وصححه الشيخ الألباني في "التعليقات الحسان" (4283) :" وَلَدَتْ سُبَيْعَةُ الْأَسْلَمِيَّةُ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِنِصْفِ شَهْرٍ ، فَخَطَبَهَا رَجُلَانِ أَحَدُهُمَا شَابٌّ ، وَالْآخَرُ كَهْلٌ ، فَحَطَّتْ إِلَى الشَّابِّ ، فَقَالَ الْكَهْلُ: لَمْ تَحْلُلْ ، وَكَانَ أَهْلُهَا غَيْبًا ، وَرَجَا إِذَا جَاءَ أَهْلُهَا أَنْ يُؤْثِرُوهُ بِهَا ، فَجَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ: «قَدْ حَلَلْتِ فَانْكِحِي مَنْ شِئْتِ ".

ومعنى الحديث إجمالا : أن سُبيعة بنت الحارث الأسلمية تُوفي عنها زوجها وهي حامل ، فما هي إلا أيام ووضعت حملها ، فرأت أن العدة قد انتهت ، وأرادت أن تتزوج ، فتجملت للخطاب ، واكتحلت ، فخطبها اثنان : أحدهما أبو السنابل وكان كهلا ، وآخر شاب ، فرغبت في الشاب ، ولم ترغب في أبي السنابل ، فلما علم بذلك أبو السنابل ، أفتاها أن عدتها لم تنته بعد ، وأنه لا يحل لها الزواج الآن ، وكان أهلها غائبين ، فرجا أبو السنابل أن يعودوا فيوافقوا على زواجه ، فلما سمعت سُبيعة فتوى أبي السنابل لها ، ذهبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم تستفتيه ، فأخبرها أن عدتها انتهت بوضع حملها ، وأن لها أن تتزوج إن أرادت.

أما ما جاء في السؤال ، من أن البعض يستدل بحديث سُبيعة هذا على جواز أن تخرج المرأة إلى الشوارع سافرة الوجه ، واضعة على وجهها المساحيق: فهذا الاستدلال فاسد ولا يصح، وبيان ذلك كما يلي:

أولا : أنه لم يرد قط في أي رواية للقصة أن سُبيعة خرجت إلى الشارع سافرة ، أو أن أبا السنابل رآها في الشارع سافرة ، بل لفظ الرواية :" فَدَخَلَ عَلَيْهَا أَبُو السَّنَابِلِ ".

ثانيا : أنه لم يرد قط في الرواية أنها كشفت وجهها في بيتها أمام أبي السنابل، بل الذي ورد ما يلي:

  1.  في رواية البخاري ومسلم " تَجَمَّلَتْ لِلْخُطَّابِ "
  2. في رواية عبد الرزاق في المصنف (11723) :" وَقَدِ اكْتَحَلَتْ وَلَبِسَتْ "
  3.  في رواية ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (3277) " وَقَدْ تَهَيَّأْتُ لِلنِّكَاحِ وَتَخَضَّبْتُ ".
  4.  قال ابن حجر في "الفتح" (9/475) :"وفِي رِوَايَة الْأَسْوَدَ فَتَطَيَّبَتْ وَتَصَنَّعَتْ ". انتهى ، ولم أقف عليها مسندة .

فمما سبق تنحصر الروايات في كونها اكتحلت وتخضبت ولبست ، ومعلوم أنها كانت معتدة ، فرأت أن عدتها قد انقضت بوضعها جنينها ، فقامت فلبست ثوب زينة ، وتكحلت في عينها ، وخضبت كفيها ، فتركت حال المعتدة ، والمحادَّة ، وعادت إلى شأن المرأة ، وما تعتاده من زينة بيتها .

وغاية ما هنالك أن يكون أبو السنابل رآى عينيها مكتحلة وكفيها مخضبة ، وعليها ثوب غير ثياب العدة ، وليس في أي رواية أنه رأى وجهها .

ثالثا : أن أبا السنابل إنما كان من الخطاب الذين أرادوا خطبتها ، ويدل على ذلك رواية البخاري (5318) من طريق عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ الأَعْرَجِ ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ ، أَخْبَرَتْهُ عَنْ أُمِّهَا أُمِّ سَلَمَةَ ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ امْرَأَةً مِنْ أَسْلَمَ يُقَالُ لَهَا سُبَيْعَةُ ، كَانَتْ تَحْتَ زَوْجِهَا ، تُوُفِّيَ عَنْهَا وَهِيَ حُبْلَى ، فَخَطَبَهَا أَبُو السَّنَابِلِ بْنُ بَعْكَكٍ ، فَأَبَتْ أَنْ تَنْكِحَهُ ، فَقَالَ:" وَاللَّهِ مَا يَصْلُحُ أَنْ تَنْكِحِيهِ حَتَّى تَعْتَدِّي آخِرَ الأَجَلَيْنِ " .

وهنا ذكر أنه خطبها فأبت أن تتزوجه ، وبذلك يتبين أنها عندما اكتحلت وخضبت كفيها ، ولبست ثيابا غير ثياب الإحداد : كان ذلك منها إعلاما للخطاب أنها انتهت عدتها ، وأنها لا مانع يمنعها من الزواج . ومن هؤلاء الذين رغبوا بها فدخل عليها خاطبا أبو السنابل .

ولذا قال ابن العطار في "العدة في شرح العمدة" (3/1337) :" وفي الحديث أحكام: .... ومنها: جواز تجمل المرأة للخطاب ، بشرط ألَّا يكون فيه زور في ملبس أو خَلْق ؛ من تفليج سن ، أو وصل شعر ، أو تحمير وجنة ، أو كثرة مال ، أو غير ذلك مما يُرَغِّب في نكاحها عادة ؛ فإنه كذب وغش، والله أعلم ". انتهى .
وقال ابن حجر في "الفتح" (9/475) :" وفِيهِ جَوَازُ تَجَمُّلِ الْمَرْأَةِ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا لِمَنْ يَخْطُبُهَا ، لِأَنَّ فِي رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ الَّتِي فِي الْمَغَازِي : فَقَالَ مَالِي أَرَاك تجملت للخطاب . وَفِي رِوَايَة بن إِسْحَاقَ : فَتَهَيَّأَتْ لِلنِّكَاحِ وَاخْتَضَبَتْ . وَفِي رِوَايَةِ مُعَمِّرٍ عَنِ الزُّهْرِي عِنْدَ أَحْمَدَ : فَلَقِيَهَا أَبُو السَّنَابِلِ وَقد اكتحلت". انتهى .

فإذا ثبت أن أبا السنابل جاء يخطبها ، وأنها تجملت للخطاب ، وهو منهم ، فحتى لو ثبت أنها كشفت وجهها أمامه ، مكتحلة ، وقد خضبت كفيها : فهذا لا مانع من إظهاره للخاطب .

رابعا : مما يؤكد على كون ذلك التجمل كان في بيتها للخطاب : أنها عندما أرادت الذهاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم لسؤاله واستفساره ، تهيأت لحال الخروج من البيت ؛ فجمعت عليها ثيابها وذهبت ليلا ، فقد جاء في رواية البخاري :" قَالَتْ سُبَيْعَةُ: فَلَمَّا قَالَ لِي ذَلِكَ جَمَعْتُ عَلَيَّ ثِيَابِي حِينَ أَمْسَيْتُ ، وَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ ".

قال ابن حجر في "الفتح" (9/475) :" وفيه الرجوع في الوقائع إلى الأعلم ، ومباشرة المرأة السؤال عما ينزل بها ولو كان مما يستحي النساء من مثله . لكن خروجها من منزلها ليلا ، يكون أستر لها، كما فعلت سُبيعة ". انتهى

والله أعلم . 

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب