الخميس 18 رمضان 1445 - 28 مارس 2024
العربية

هل يصح تفسير الاستواء على العرش بالجلوس أو القعود

السؤال

هل يجوز للمسلم القول بأن الله يجلس على العرش؟ وهل يجوز أن نقول بينما الله يجلس فوق العرش يقوم بفعل كذا وكذا ؟ أرجو العلم أن من قال ذلك لم يقصد الاستهزاء بالله ، ولكنه استخدم كلمة الجلوس على العرش ، فهل يكفي أن يطلب من الله المغفرة ، وأن يعقد العزم على عدم فعل ذلك مرة أخرى ؟ وسؤالي عن ذلك ؛ لأنني أعلم خطورة الحديث عن الله بشكل غير لائق ، ويمكن أن تخرج الشخص من الملة في بعض الحالات، فهل يقع ما ذكرت في مثل هذه الحالات؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

الثابت في حق الله تعالى هو استواؤه على العرش، على ما يليق بجلاله ، وكماله ، سبحانه .

وقد ورد ذلك في سبعة مواضع من كتاب الله، منها قوله تعالى: (إنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ) الأعراف/54

والمشهور في تفسير الاستواء: أنه العلو والارتفاع.

قال البخاري في صحيحه: " باب : ( وكان عرشه على الماء ) ، ( وهو رب العرش العظيم ) .

قال أبو العالية: استوى إلى السماء: ارتفع... وقال مجاهد: استوى: علا على العرش".

وقال البغوي رحمه الله: (ثم استوى إلى السماء): قال ابن عباس وأكثر مفسري السلف: أي ارتفع إلى السماء) انتهى من تفسير البغوي (1/78)، ونقله الحافظ في الفتح (13/417)، وقال: "وقال أبو عبيدة والفراء وغيرهما بنحوه".

وأما الجلوس : فقد ورد في أحاديث لم تصح .

لكن أثبته بعض السلف تفسيرا للاستواء، كما جاء عن الإمام خارجة بن مصعب الضبعي، أخرجه عبد الله بن أحمد في السنة (1/ 105) .

وأثبت الحافظ الدارقطني: القعود، في أبيات مشهورة له.

وعلى فرض ثبوت هذا "اللفظ" ، فإنه يجب اعتقاد نفي التشبيه.

قال شيخ الإسلام رحمه الله: " فإذا عرف أن ما وُصفت به الملائكة ، وأرواح الآدميين ، من جنس الحركة والصعود والنزول وغير ذلك، لا يماثل حركة أجسام الآدميين ، وغيرها مما نشهده بالأبصار في الدنيا، وأنه يمكن فيها ما لا يمكن في أجسام الآدميين = كان ما يوصف به الرب من ذلك أولى بالإمكان ، وأبعد عن مماثلة نزول الأجسام .

بل نزوله لا يماثل نزول الملائكة وأرواح بني آدم، وإن كان ذلك أقرب من نزول أجسامهم.

وإذا كان قعود الميت في قبره ، ليس هو مثل قعود البدن، فما جاءت به الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم من لفظ (القعود والجلوس) ، في حق الله تعالى، كحديث جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه، وحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وغيرهما = أولى أن لا يماثل صفات أجسام العباد" انتهى من مجموع الفتاوى (5/527).

والأقرب التوقف في هذا اللفظ لعدم وروده في الكتاب والسنة الصحيحة ولا في أقوال الصحابة رضي الله عنهم.

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " فأما تفسير استواء الله تعالى على عرشه باستقراره عليه ، فهو مشهور عن السلف، نقله ابن القيم في النونية وغيره.

وأما الجلوس والقعود : فقد ذكره بعضهم، لكن في نفسي منه شيء. والله أعلم" انتهى من مجموع فتاوى ابن عثيمين (1/ 196).

وقال الشيخ البراك حفظه الله : " ورد في بعض الآثار نسبة الجلوس إلى الله تعالى، وأنه يجلس على كرسيه كيف شاء سبحانه . وربما أطلق بعض الأئمة هذا اللفظ أيضاً .

وسياق كلام الشيخ [يعني : شيخ الإسلام ابن تيمية] يشعر بأن الاستواء يتضمن القعود .

لكن الأولى التوقف في إطلاق هذا اللفظ ؛ إلا أن يثبت " انتهى من "شرح الرسالة التدمرية" ص 188

وبناء على ما سبق :

فلا نرى التعبير بلفظ الجلوس، إنما يقال: استوى على العرش، ويفسر الاستواء بالعلو والارتفاع.

ومن تمسك بما جاء عن بعض السلف، فلا إنكار عليه .

لكن يقال له: لا ينبغي أن يقال هذا أمام العامة، فربما كان فتنة لهم، وربما حملهم على التشبيه.

وقد بان بذلك أن هذا التعبير ليس كفرا، بل هو تفسير لصفة الاستواء، مختلف فيه .

وذكرنا أن الأظهر : التوقف في إطلاق هذا اللفظ .

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب