الجمعة 19 رمضان 1445 - 29 مارس 2024
العربية

هل صحيح أن الخلفاء الراشدين الأربعة أفتوا بأن أكل لحم البعير لا ينقض الوضوء ؟

242340

تاريخ النشر : 12-04-2016

المشاهدات : 25710

السؤال


هل صحيح أن الخلفاء الراشدين الأربعة أفتوا بأن أكل لحم البعير لا ينقض الوضوء ؟

الجواب

الحمد لله.


نسبة القول بأن أكل لحم الإبل لا ينقض الوضوء إلى الخلفاء الراشدين ، ذكره بعض أهل العلم ، كالنووي وغيره .

قال النووي رحمه الله :
" وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ ( أَحَدُهَا ) : لَا يَجِبُ الْوُضُوءُ بِأَكْلِ شَيْءٍ ، سَوَاءٌ مَا مَسَّتْهُ النَّارُ ، وَلَحْمُ الْإِبِلِ ، وَغَيْرُ ذَلِكَ ، وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ ، وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَأَبِي طَلْحَةَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ وَأَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنهم " انتهى من " المجموع " (2/67) .

وقد أنكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، نسبة ذلك القول إلى الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم ، فقال رحمه الله :
" وَأَمَّا مَنْ نَقَلَ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ ، أَوْ جُمْهُورِ الصَّحَابَةِ ، خِلَافَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ ، وَأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَتَوَضَّئُونَ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ : فَقَدْ غَلِطَ عَلَيْهِمْ ، وَإِنَّمَا تَوَهَّمَ ذَلِكَ لِمَا نُقِلَ عَنْهُمْ : " أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَتَوَضَّؤُونَ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ " .
وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّ أَكْلَ مَا مَسَّ النَّارَ لَيْسَ هُوَ سَبَبًا عِنْدَهُمْ لِوُجُوبِ الْوُضُوءِ ، وَالَّذِي أَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْوُضُوءِ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ ، لَيْسَ سَبَبُهُ مَسَّ النَّارِ ، كَمَا يُقَالُ : كَانَ فُلَانٌ لَا يَتَوَضَّأُ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ ، وَإِنْ كَانَ يَتَوَضَّأُ مِنْهُ إِذَا خَرَجَ مِنْهُ مَذْيٌ " .
انتهى من " القواعد النورانية " (ص/31) .

وقال الشيخ الألباني رحمه الله :
" إن صح الحديث عنه صلى الله عليه وسلم باعتراف المؤلف [ يعني : الشيخ سيد سابق رحمه الله] ، فلا يجوز تركه مهما كان المخالفون له في العدد والمنزلة ، فإن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما " يثبت بنفسه لا بعمل غيره من بعده " كما قال الإمام الشافعي ... .

أقول هذا ، على افتراض أن ما ذكره المؤلف عن الخلفاء الراشدين من مخالفة الحديث ثابت عنهم ؛ وإلا فإني أقول : أين السند الصحيح بذلك عنهم ؟ وهذا أقل ما يجب على من يريد أن يرد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بمخالفة غيره له ؟!

وليس للمؤلف أي دليل أو سند في إثبات ذلك ، إلا اعتماده على ما ذكره النووي في " شرح مسلم " أنه : " ذهب الأكثرون إلى أنه لا ينقض الوضوء يعني أكل لحم الجزور ، وممن ذهب إليه الخلفاء الأربعة الراشدون " .

وهذه الدعوى خطأ من النووي رحمه الله ، قد نبه عليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله – ثم ذكر كلام شيخ الإسلام السابق - .

قلت : ويؤيد ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، أن الطحاوي 1 / 41 ، والبيهقي 1 / 157 : رويا عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن أبا بكر الصديق وعمر بن الخطاب : أكلا خبزا ولحما ، فصليا ولم يتوضئا ، ثم أخرجا نحوه عن عثمان ، والبيهقي عن علي.

فأنت ترى أنه ليس في هذه الآثار ذكر للحم الإبل البتة ، وإنما ذكر فيها اللحم مطلقا ، وهذا لو كان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لوجب حمله على غير لحم الإبل ؛ دفعا للتعارض ، فكيف وهو عن غيره صلى الله عليه وسلم ، فحمله على غير لحم الإبل واجب ، من باب أولى ؛ حملا لأعمالهم على موافقة الشريعة ، لا على مخالفتها ؛ ولذلك أورد الطحاوي والبيهقي هذه الآثار في باب " الوضوء مما مست النار " ولم يوردها البيهقي في " باب التوضؤ من لحوم الإبل " ، وإنما قال فيه:
" وروينا عن علي بن أبي طالب وابن عباس : الوضوء مما خرج وليس مما دخل ، وإنما قالا ذلك في ترك الوضوء مما مست النار " .

ثم روى البيهقي فيه بسنده عن ابن مسعود أنه أكل لحم جزور ، ولم يتوضأ .
ثم قال : " وهذا منقطع وموقوف ، وبمثل هذا لا يترك ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " .

قلت : وبخاصة أنه ثبت عن الصحابة خلافه ، فقال جابر بن سمرة رضي الله عنه : " كنا نتوضأ من لحوم الإبل ، ولا نتوضأ من لحوم الغنم " رواه ابن أبي شيبة في " المصنف " 1 / 46 بسند صحيح عنه " انتهى من " تمام المنة " (ص/ 104 - 106) .

وبناء على هذا ، فنسبة ذلك القول إلى الخلفاء الراشدين ، ليس عليه دليل ، وإنما المنقول عنهم : ترك الوضوء مما مست النار عموماً .

قال ابن قدامة رحمه الله :
" وَمَا عَدَا لَحْمَ الْجَزُورِ مِنْ الْأَطْعِمَةِ : لَا وُضُوءَ فِيهِ ، سَوَاءٌ مَسَّتْهُ النَّارُ أَوْ لَمْ تَمَسَّهُ .
هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ . رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ ... " انتهى من " المغني " (1/141) .

وللفائدة ينظر جواب السؤال رقم : (7103) .


والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب