أولا:
استعمال الصابون والمنظفات التي تحتوي على الكحول لا حرج فيه على الراجح من كلام أهل العلم ؛ لأن الخمر الخالصة طاهرة العين ولا يحكم بنجاستها على الراجح . فمن باب أولى لا يحكم بنجاسة هذه المواد الكحولية , وقد سبق بيان هذا في الفتوى رقم: (164448) .
واعلم أن هذه المسألة ( نجاسة الكحول ) مسألة خلافية – كما تعلم - وهذا الذي ذكرناه من عدم نجاستها هو الراجح ومن أراد أن يمتنع عن استعمالها تورعا فله ذلك وهو مستحب ؛ لأن الخروج من الخلاف مستحب كما نص عليه أهل العلم , قال ابن السبكي " فكان القول بأن الخروج من الخلاف أفضل ثابتا من حيث العموم، واعتماده من الورع المطلوب شرعا " انتهى من الأشباه والنظائر للسيوطي (1/137).
لكن إن تعارض هذا مع طاعة الوالدين فطاعة الوالدين أولى ؛ لأن طاعتهما واجبة والواجب مقدم على المستحب , حتى أوجب كثير من أهل العلم طاعة الوالدين في فعل الشبهات , جاء في الفروق للقرافي (1 / 143): " قال الغزالي في الإحياء أكثر العلماء على أن طاعة الوالدين واجبة في الشبهات دون الحرام ، وإن كرها انفراده عنهما في الطعام : وجبت عليه موافقتهما ، ويأكل معهما ؛ لأن ترك الشبهة مندوب وترك طاعتهما حرام والحرام مقدم على المندوب " انتهى.
وعلى هذا : فلا ننصحك بإثارة هذا الموضوع في بيتكم ، بل ننصحك بالإعراض عنه وموافقة أهلك بغسل ملابسك معهم , بحيث لا تثور الضغائن بينك وبينهم ، ولو أمكنك أن تشتري لهم شيئا من المنظفات الخالية من الكحول ، ليستعيضوا بها عن الأنواع المختلطة بالكحول ، فهو أحسن ، وأبعد عن النزاع بينكم .
ثانيا:
الواجب على المسلم أن يجتنب النجاسات ومباشرتها في كل وقت وحال , خارج الصلاة وداخلها , من هنا ذكر فريق من أهل العلم أن التلطخ بالنجاسات – لغير حاجة - محرم ولو كان خارج الصلاة , جاء في تحفة المحتاج في شرح المنهاج (8 / 441) : "التضمخ بالنجاسة حرام لا يباح بحال إلا لضرورة" انتهى.
وقد ورد الوعيد الشديد في الشرع لمن لم يتنزه عن البول ويستبرىء منه , فعن ابن عباس قال : مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقبرين فقال : ( إنهما ليُعَذَّبَانِ ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ ، ثُمَّ قَالَ : بَلَى ، كَانَ أَحَدُهُمَا لا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ ، وَكَانَ الآخَرُ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ ، ثُمَّ دَعَا بِجَرِيدَةٍ فَكَسَرَهَا كِسْرَتَيْنِ ، فَوَضَعَ عَلَى كُلِّ قَبْرٍ مِنْهُمَا كِسْرَةً . فَقِيلَ لَهُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، لِمَ فَعَلْتَ هَذَا ؟ قَالَ : لَعَلَّهُ أَنْ يُخَفَّفَ عَنْهُمَا مَا لَمْ تَيْبَسَا ، أَوْ إِلَى أَنْ يَيْبَسَا ) رواه البخاري ( 213 ) و ( 5708 ) – واللفظ له - ومسلم (292) .
فعليك أن تنصح أهلك ، برفق وتؤدة ، بالتنزه من البول وعدم ملابسته في ثوب أو بدن ، لأن ذلك محرم في ذاته من جهة ومبطل للصلاة من جهة أخرى , فإن لم يستجيبوا لك فعليك إذنْ بخاصة نفسك , وتوقّ أنت هذه النجاسات بأن تبتعد عن هذه الأماكن التي تصيبها النجاسات ، ثم إن رأيت شيئا من النجاسة قد أصاب أرضية الحمام أو مكان قضاء الحاجة فعليك بإزالة هذه النجاسة وغسلها قبل استعماله .
ثم إن علمت أن هذه النجاسات قد أصابت الفرش التي بالبيت أو غلب ذلك على ظنك , فعليك بتجنب الصلاة في هذه الأماكن التي أصابتها النجاسة , ويكفيك حينئذ أن تستعمل فراشا خاصا للصلاة ، سجادة أو نحوها ، تفرشه أثناء الصلاة ، وترفعه بعد ذلك حتى لا يصيبه شيء من النجاسات , وبهذا تكون متوقيا للنجاسة متحريا للطهارة في صلاتك , حتى وإن كان هذا البساط تحته شيء من النجاسة .
جاء في فتح العزيز بشرح الوجيز (4 / 35): "لو كان تحت البساط الذى يصلي عليه نجاسة : لم يضر ، وإن كان يصلي على نجاسة ، لأنه لا مماسة" انتهى.
ثالثا:
لم توضح لنا طبيعة هذه الشروط التي تشترطها هذه الشركات ومدى موافقتها للشرع أو مخالفتها له , لكنا بوجه عام نقول: التعامل مع هذه الشركات التي يمتلكها غير المسلمين الأصل فيه الإباحة , وينظر بعد ذلك في الشروط التي تشترطها هذه الشركات , فإن كانت موافقة للشرع فيجوز اشتراطها ويجب الوفاء بها , وإن كانت مخالفة للشرع فلا يجوز اشتراطها ، ولا يجب - بل ولا يجوز - الوفاء بها , فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم يقول : (أَيُّمَا شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ ، وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ) رواه البخاري (2563) ومسلم (1504) . فكل ما خالف كتاب الله فهو باطل ، لا يجوز العمل به.
وينظر للفائدة جواب السؤال رقم (175930) ، ورقم (175467)
وفي الختام : ننبهك إلى أن صلاة الجماعة واجبة على الرجال في المسجد على الراجح من أقوال أهل العلم كما بيناها في الفتوى رقم (120) .
والله أعلم.