السبت 11 شوّال 1445 - 20 ابريل 2024
العربية

شروط الإبراد في صلاة الظهر

202906

تاريخ النشر : 06-10-2013

المشاهدات : 59134

السؤال


أفتونا يرحمكم الله في بدعة ابتدعناها بحجة إحياء السنة ( سنة التبريد صيفا ) وهي كالتالي : يغلق المسجد صباحا حوالي الساعة السادسة . ويؤذن للظهر عند الساعة الواحدة ويبقى المسجد مغلقا ، ثم تقام صلاة الظهر على الساعة الرابعة ( بعد ثلاث ساعات من الأذان ) . ونحيطكم علما أن في كل حي في مدينتنا مسجد لا يبعد بعيد المصلين عنه أكثر من 200 متر ، والمساجد مجهزة بوسائل تبريد حديثة جدا . ولا تتعدى درجات الحرارة في أغلب الأوقات 34 درجة ، ونحن البلدة الوحيدة المبتدعة في كامل الولاية ، مع تذمر أغلب المصلين المواظبين على الصلاة دوما . السؤال : هل يجوز هذا التبريد مع ذكر هذه المواصفات ؟

الجواب

الحمد لله.


الأصل المستحب المتفق عليه في صلاة الظهر هو تعجيلها وصلاتها أول وقتها ، فعن أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشَدَّ تَعْجِيلًا لِلظُّهْرِ مِنْكُمْ ) رواه الترمذي (161) ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " ، وروى أيضا في " السنن " (155) وقال حديث حسن ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : ( مَا رَأَيْتُ أَحَدًا كَانَ أَشَدَّ تَعْجِيلًا لِلظُّهْرِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلَا مِنْ أَبِي بَكْرٍ ، وَلَا مِنْ عُمَرَ ) قال الترمذي رحمه الله : " وهو الذي اختاره أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم "
فالأصل بالمسلمين المتبعين سنة النبي صلى الله عليه وسلم الاقتداء به في هديه الغالب ، وبهدي الخلفاء الراشدين من بعده ، واجتناب كل ما يحدث الفتنة والمنازعة ، واجتناب كل شذوذ أو مخالفة للهدي الظاهر للمسلمين . فلا يكون الحماس لتطبيق السنة الظرفية " الإبراد " سببا في ضياع السنة الأصلية التي حافظ عليها النبي صلى الله عليه وسلم في حياته ، رغم ما تتسم به الجزيرة العربية عامة ، والمدينة المنورة خاصة من حَرٍّ ظاهرٍ في غالب أيام السنة ، ولكنه مع ذلك عليه الصلاة والسلام لم يأمر بالإبراد إلا في " شدة الحر "، فقال عليه الصلاة والسلام : ( إِذَا اشْتَدَّ الحَرُّ فَأَبْرِدُوا عَنِ الصَّلاَةِ ، فَإِنَّ شِدَّةَ الحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ ) رواه البخاري (533) ، ومسلم (615).
وقد اعتاد عليه الصلاة والسلام أداء الظهر أول الوقت كما سبق في حديث أم سلمة وحديث عائشة ، وذلك يعني أن " شدة الحر " في العرف النبوي لا يكاد يقع إلا في نوادر الأيام التي ترتفع فيها الحرارة إلى القدر غير المحتمل ، ونظن أن ذلك : هو ما نقدره نحن اليوم بما يقترب من الخمسة وأربعين درجة مئوية فأكثر ، فمعدل درجة الحرارة في المدينة في الصيف يبقى في فلك بداية الأربعين بحسب التقارير التي تنشرها الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة السعودية . وقد ورد في موقع " أمانة منطقة المدينة المنورة " قولهم : " يتميز بدرجات حرارة عالية تتراوح بين (28 - 42) درجة مئوية في الصيف وبين (11-24) درجة مئوية في الشتاء ، وتمثل أشهر يونيو ويوليو وأغسطس أعلى درجات حرارة في العام ، حيث تبلغ درجة الحرارة العظمى خلال هذه الأشهر حوالي (41.8) درجة مئوية ". كما جاء في " أطلس المدينة المنورة " إعداد الدكتور محمد شوقي: " يرتفع المتوسط الشهري للحرارة العظمى في الفترة ما بين يونيو وسبتمبر ، حيث تزيد الحرارة على أربعين مئوية خلال هذه الفترة ".
http://www.amana-md.gov.sa/AboutMadinah/MadinahGeographic/pages/Home.aspx
وهذا يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يصلون الظهر في أول وقتها في غالب أيام الصيف ، رغم ارتفاع الحرارة فيها إلى نحو الأربعين ، فمن يبحث عن تطبيق سنة " الإبراد " ينبغي عليه أن يبحث قبل ذلك عن تطبيق سنة النبي صلى الله عليه وسلم الدائمة في صلاة الظهر ، ويعلم الظرف الذي رخص النبي صلى الله عليه وسلم بالإبراد فيه ، كي لا يضيع السنة من حيث يريدها ، ولا يقع في البدعة وهو يرجو اجتنابها.
والسبب في ذلك كله الجهل والعجلة وطلب الشهرة والتميز ، وقد ترك النبي صلى الله عليه وسلم بناء الكعبة على قواعد إبراهيم خشية أن يكون ذلك سببا في الفتنة والاضطراب ، فكيف بمن يخالف السنة ليوقع الناس في الفتنة ! ويستحدث المشاكل في مساجد المسلمين !
ولو تأمل هذا في هدي علماء الإسلام في الأقطار الإسلامية وفي بلاد الحرمين الشريفين لعرف أنه يشذ بذلك التصرف عن جميع العلماء ، فالإبراد لا يطبق في ظرف حرارة لا تتجاوز الـ (34) ، كما لا يطبق بقرار ينفرد فيه إمام مسجد يخالف فيه الوزارة المعنية بشؤون المساجد ، ويشذ به عن أهل العلم المعتبرين في بلده وفي البلاد الإسلامية الأخرى ، وما ذلك إلا من غريب ما يقع فيه بعض شباب المسلمين الذين لا يحسنون معاملة الخلق ودعوتهم بالحسنى ، ولا يحسنون فهم شريعة الخالق جل وعلا .
جاء في " فتاوى اللجنة الدائمة " (6/ 120):
" الأفضل الإبراد بالظهر عند شدة الحر فقط ، وفيما عدا ذلك تبقى على الأصل ، فخير لكم أن تهتدوا بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فتؤخروا الأذان في شدة الحر إلى الإبراد ، وتعجلوا به أول الوقت في غير ذلك ؛ حرصا على الفضيلة وكثرة الأجر ، وتخفيفا على الناس ، وعلى تقدير وقوع الأذان أول الوقت في شدة الحر : فعلى الجميع أن يبادروا إلى الجماعة ، ويحرصوا على الصلاة مجتمعين ، ولا تفرقوا ، فإن الجماعة واجبة ، والفرقة محرمة ، فلا يرتكب ذلك من أجل الحرص على فضيلة الإبراد ( ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم )"  .
عبد العزيز بن باز – عبد الرزاق عفيفي – عبد الله بن غديان – عبد الله بن قعود .
ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" إذا لم يكن في شدة الحر : فإن الأفضل أن يصلى صلاة الظهر إذا دخل وقتها ، ولو كانت قصراً في السفر ؛ لأن تقديم صلاة الظهر في غير شدة الحر أفضل " .
انتهى من " فتاوى نور على الدرب " (8/2، بترقيم الشاملة آليا) .
ويقول العلامة ابن جبرين رحمه الله :
" في هذه الأزمنة لا يوجد ذلك الحر والحمد لله ؛ وذلك لوجود المكيفات والمراوح الكهربائية التي تخفف من شدة الحر ، فلا يحس الناس بذلك المزعج الذي يتصبب منه العرق ، والذي تبتل منه الثياب ، فلا يطمئن المصلي في صلاته ؛ فلأجل ذلك لم يروا داعياً إلى الإبراد في شدة الحر . لكن لو كان هناك بلاد ليس فيها هذه المكيفات ونحوها ، فإن الإبراد مستحب في حقهم ، وما ذاك إلا أن الحكم يدور مع علته ، فمتى وجدت العلة وجد الحكم ، أما في سائر السنة التي ليس فيها حر : فإن وقت الصلاة إذا زالت الشمس ، فإذا ابتدأت زيادة الظل في جهة الشرق فذلك وقت الظهر "انتهى من " شرح عمدة الأحكام " (8/ 10، بترقيم الشاملة آليا) .
ويقول أيضا رحمه الله :
" كانوا يصلون في المسجد ، وقد تكون دورهم بعيدة ، قد يكون بين بعضهم وبين المسجد نحو أكثر من كيلو ، وكانوا يأتون على أرجلهم مع شدة الحر وشدة الرمضاء ، والمسجد أيضاً ليس فيه مكيفات ، وليس فيه مراوح كهربائية ، بل فيه حر شديد وعرق ؛ فهم عند أدائهم للصلاة قد يلاقون هذا الحر الشديد ، فلا يقبلون على صلاتهم ، ولا يطمئنون فيها، ويتمنون أن ينصرفوا ؛ لما يجدون من التعب ومن المشقة ، فلهذا الغرض أمرهم بأن يبردوا بالصلاة " .
انتهى من " شرح عمدة الأحكام " (18/ 5، بترقيم الشاملة آليا) .
وقد نظر بعض الفقهاء من قبل في العلة ، أو الحكمة ، من تشريع الإبراد في الصلاة ، فخصصوا هذه الرخصة بالظروف التي تتوافر فيها العلة ، وتتحقق بها الحكمة ، فقالوا :
" الأصح : اختصاص الإبراد ببلد حار ، كالحجاز ، وجماعة مسجد يقصدونه من بُعْد ، ويمشون إليه في الشمس ؛ فلا يسن الإبراد في غير شدة الحر ، ولو بقطر حار ، ولا في قطر معتدل أو بارد ، وإن اتفق فيه شدة الحر ، ولا لمن يصلي منفردا ، أو جماعة ببيته ، أو بمحل حضره جماعة لا يأتيهم غيرهم ، أو يأتيهم غيرهم من قرب ، أو : بُعد لكن يجد ظلا يمشي فيه ، إذ ليس في ذلك كبير مشقة .
نعم ؛ الإمام الحاضر في المسجد الذي يقصده الجماعة من بعد يسن له الإبراد ، اقتداء به صلى الله عليه وسلم .
وضابط البعد : ما يتأثر قاصده بالشمس " انتهى من " مغني المحتاج " (1/306) .
فهذا ما يقوله العلماء المتقدمون والمتأخرون ، وهذا ما ثبت من هدي النبي صلى الله عليه وسلم ، فأي هدي يتبعه أولئك المتنطعون الذين يجعلون الرخصة - المؤقتة والمقيدة بظرف - سنةً دائمة ، دون مراعاة الأدلة الشرعية .
وللمزيد ينظر : (39818) .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب

موضوعات ذات صلة