الخميس 18 رمضان 1445 - 28 مارس 2024
العربية

إثبات صفة النزول لله تعالى

السؤال

قرأت حديثاً فيه : "... يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ يَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ ؟".
1) ما درجة صحة هذا الحديث ؟
2) ما معنى هذا الحديث ؟.

الجواب

الحمد لله.

فسؤالك أيها الأخ الكريم يتضمن أمرين :

أولاً : درجة صحة الحديث :

هذا الحديث حديث صحيح ثابت في أصح كتابين بعد كتاب الله؛ فقد أخرجه البخاري في صحيحه (1145) ومسلم (1261) عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ينزل رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ يَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ"

وقد روى هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوٌ من ثمانية وعشرين صحابياً ـ رضي الله عنهم ـ ، واتفق أهل السنة على تلقي ذلك بالقبول .

ثانياً : بيان معنى نزوله ـ جل وعلا ـ إلى السماء الدنيا :

اعلم أخي ـ وفقك الله ـ أن نزول الرب جل وعلا إلى السماء الدنيا هو صفة من صفاته الفعلية، التي تتعلق بمشيئته وحكمته، وهو نزول حقيقي يليق بجلاله وعظمته. فهو سبحانه ينزل كيف شاء، متى شاء، سبحانه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ، ولا يصح تحريف معنى الحديث بأن يفسر بأن المراد هو نزول أمره ، أو رحمته ، أو ملك من ملائكته ، فإن هذا باطل لوجوه :

الأول :

أن هذا التأويل يخالف ظاهر الحديث ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أضاف النزول إلى الله، والأصل أن الشيء إنما يضاف إلى من وقع منه ، أو قام به فإذا صرف إلى غيره كان ذلك تحريفاً يخالف الأصل . ونحن نعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم أعلم الناس بالله ، وأنه صلى الله عليه وسلم أفصح الخلق ، وأصدق الخلق فيما يخبر به ، فليس في كلامه شيء من الكذب ، ولا يمكن أن يتقول على الله تعالى شيئاً لا في أسمائه ، ولا في صفاته ولا في أفعاله ولا في أحكامه قال الله تعالى : ( لَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ * لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ ) الحاقة/44ـ46 ثم هو عليه الصلاة والسلام ، لا يريد إلا الهداية للخلق فإذا قال : " ينزل ربنا " فإن أي قائل يقول بخلاف ظاهر هذا اللفظ كأن يقول : المراد ينزل أمره . فنقول : أأنت أعلم بالله من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول : " ينزل ربنا " وأنت تقول : ينزل أمره ، أم أنك أنصح للأمة منه حيث عمَّى عليهم فخاطبهم بما يريد خلافه ؟!، ولا شك أن الإنسان الذي يخاطب الناس بما يريد خلافه غير ناصح لهم ، أم تراك أفصح من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟! فلا شك أن مثل هذا التحريف لا يخلو من وصمة الرسول صلى الله عليه وسلم بشيء من النقص الذي لا يرضى به مسلم أبدا ً في جناب رسول الله صلى الله عليه وسلم .

الثاني :

أن نزول أمره أو رحمته لا يختص بهذا الجزء من الليل، بل أمره ورحمته ينزلان كل وقت . فإن قيل : المراد نزول أمر خاص ، ورحمة خاصة وهذا لا يلزم أن يكون كل وقت . فالجواب : أنه لو فرض صحة هذا التقدير والتأويل ، فإن الحديث يدل على أن منتهى نزول هذا الشيء هو السماء الدنيا وأي فائدة لنا في نزول رحمة إلى السماء الدنيا من غير أن تصل لنا ؟! حتى يخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم عنها ؟!

الثالث : أن الحديث دل على أن الذي ينزل يقول :" من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه ، من يستغفرني فأغفر له". ولا يمكن أن يقول ذلك أحد سوى الله تعالى .

انظر: ( مجموع فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن صالح العثيمين (1/ 203-215).

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب