الحمد لله.
اختلف العلماء في حكم المضمضة والاستنشاق في الوضوء والغسل ، والصحيح من أقوالهما أنهما واجبتان ، لا يصح الوضوء ولا الغسل إلا بهما ، لأنهما داخلان في غسل الوجه المأمور به في الآية الكريمة .
قال الحجاوي في "الزاد" في "باب فروض الوضوء وصفته" (ص 29) :
" فروضه ستة : غسل الوجه - والفم والأنف منه - وغسل اليدين ومسح الرأس - ومنه الأذنان - وغسل الرجلين ( وأرجلكم إلى الكعبين ) والترتيب والموالاة - وهي أن لا يؤخر غسل عضو حتى ينشف الذي قبله – " انتهى .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرحه :
" قوله: والفم والأنف منه ، أي : من الوجه ؛ لوجودهما فيه فيدخلان في حده ، وعلى هذا فالمضمضة والاستنشاق من فروض الوضوء ، لكنهما غير مستقلين ، فهما يشبهان قوله صلى الله عليه وسلم : ( أمرت أن أسجد على سبعة أعظم ، على الجبهة ، وأشار بيده على أنفه ) ، وإن كانت المشابهة ليست من كل وجه " انتهى .
"الشرح الممتع" (1 /119) .
وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :
" ثبتت المضمضة والاستنشاق في الوضوء من فعل النبي صلى الله عليه وسلم وقوله ، وهما داخلان في غسل الوجه ، فلا يصح وضوء من تركهما أو ترك واحدا منهما " انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (4 /78) .
وقال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله :
" من غسل وجهه وترك المضمضة والاستنشاق أو أحدهما لم يصح وضوؤه ؛ لأن الفم والأنف من الوجه ، والله تعالى يقول : ( فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ) فأمر بغسل الوجه كله ، فمن ترك شيئا منه لم يكن ممتثلاً أمر الله تعالى ، والنبي صلى الله عليه وسلم تمضمض واستنشق " انتهى .
"الملخص الفقهي" (1 /41) .
وكون الآية لم تفصل بذكر المضمضة والاستنشاق لا يعني عدم الوجوب ؛ لأن السنة مبينة للقرآن ، وقد جاءت السنة بالمضمضة والاستنشاق ، ولم يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أخلّ بهما أو أحدهما في وضوء ، فكان هذا بيانا للأمر الوارد في القرآن بغسل الوجه في الطهارة .
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (1/83) :
" كُلَّ مَنْ وَصَفَ وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُسْتَقْصِيًا ذَكَرَ أَنَّهُ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ , وَمُدَاوَمَتُهُ عَلَيْهِمَا تَدُلُّ عَلَى وُجُوبِهِمَا ; لِأَنَّ فِعْلَهُ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ بَيَانًا وَتَفْصِيلًا لِلْوُضُوءِ الْمَأْمُورِ بِهِ فِي كِتَابِ اللَّهِ " انتهى .
فمن ترك المضمضة أو الاستنشاق في طهارة لم تصح طهارته
، سواء كان عامدا أو ناسيا .
قال المرداوي في "الإنصاف" (1/153) :
" قَوْلُهُ ( وَهُمَا وَاجِبَانِ فِي الطَّهَارَتَيْنِ ) يَعْنِي الْمَضْمَضَةَ
وَالِاسْتِنْشَاقَ . وَهَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا . وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ ,
... وَهَلْ يَسْقُطَانِ سَهْوًا أَمْ لَا ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ ... وَقَالَ
الزَّرْكَشِيُّ : حَيْثُ قِيلَ بِالْوُجُوبِ , فَتَرْكُهُمَا أَوْ أَحَدَهُمَا ,
وَلَوْ سَهْوًا : لَمْ يَصِحَّ وُضُوءُهُ . قَالَهُ الْجُمْهُورُ قَالَ فِي
الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى : وَلَا يَسْقُطَانِ سَهْوًا عَلَى الْأَشْهَرِ ,
وَقَدَّمَهُ فِي الصُّغْرَى " انتهى .
وقال علماء اللجنة للإفتاء :
" إذا نسي الإنسان غسل عضو من أعضاء الوضوء أو جزء منه ولو صغيرا : فإن كان في
أثناء الوضوء أو بعده مباشرة ولا زالت آثار الماء على أعضائه لم تجف من الماء -
فإنه يغسل ما نسيه من أعضائه وما بعده فقط ، أما إن ذكر أنه نسي غسل عضو من أعضاء
الوضوء أو جزء منه بعد أن جفت أعضاؤه من الماء ، أو في أثناء الصلاة أو بعد أداء
الصلاة - فإنه يستأنف الوضوء من جديد ، كما شرع الله ويعيد الصلاة كاملة لانتفاء
الموالاة في هذه الحالة وطول الفصل ، والله سبحانه أوجب غسل جميع أعضاء الوضوء ،
فمن ترك جزءا ولو يسيرا من أعضاء الوضوء فكأنما ترك غسله كله ، ويدل لذلك ما رواه
عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : (رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا توضأ
فترك موضع الظفر على قدمه ، فأمره أن يعيد الوضوء والصلاة . قال : فرجع فصلى) أخرجه
مسلم (243) وابن ماجه (666) " انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (4 /92) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" الترتيب في الوضوء واجب ، لذلك إذا توضأ ثم بعد أن خرج من المتوضأ رأى أن مرفقه
لم يصله الماء ، فيرجع فيغسله ثم يمسح رأسه ويغسل رجليه ، أما إذا وجد أن رجليه لم
تصبها الماء ، فيغسل رجليه فقط ؛ لأن الرجلين آخر الأعضاء في الوضوء .
إذا نسي المضمضة والاستنشاق فيفعلهما ثم يغسل يديه إلى المرافق ويمسح رأسه ويغسل
رجليه . إذاً : فهو يعيد العضو الذي حدث فيه الخلل وما بعده ، إلا إذا طال الوقت
فيعيد الوضوء كاملاً " انتهى من "الشرح المختصر على بلوغ المرام" (2/73) – مفرغ ،
وراجع هذا الرابط :
www.islam-universe.com/audio/94.htm
وانظر لمزيد الفائدة جواب السؤال رقم : (149908)
.
والله أعلم .
تعليق