ينبغي أن لا يصلى المسلم بمكان وأمامه ما يشغله ؛ لما رواه البخاري (752) ومسلم (556) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي خَمِيصَةٍ لَهَا أَعْلَامٌ فَقَالَ : (شَغَلَتْنِي أَعْلَامُ هَذِهِ) .
قال ابن حجر رحمه الله :
" يُسْتَنْبَط مِنْهُ كَرَاهِيَة كُلّ مَا يَشْغَل عَنْ الصَّلَاة مِنْ الْأَصْبَاغ وَالنُّقُوش وَنَحْوهَا " انتهى .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" يستفاد من هذا الحديث أن كل شيء يلهي المصلى من تمام صلاته ويشغله فإنه ينبغي اجتنابه " انتهى .
"فتاوى نور على الدرب" - لابن عثيمين (129 /37) .
فإذا صلى وأمامه إنسان جالس : فإن كان جالسا موليه ظهره فلا بأس من اتخاذه سترة ، إذا كان لا يشوش عليه بصوت أو حركة .
قال الشيخ ابن باز رحمه الله :
" لو صلى إنسان إلى إنسان قدامه جالس أو مضطجع لم يضره ذلك " انتهى .
"مجموع فتاوى ابن باز" (29 /330) .
أما إذا كان مستقبل وجهه فيكره له الصلاة إليه ، ويستحب له اتخاذ سترة أخرى بعيدة عنه .
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (2/39) :
" َيُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ مُسْتَقْبِلًا وَجْهَ إنْسَانٍ ; لِأَنَّ عُمَرَ أَدَّبَ عَلَى ذَلِكَ . وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ ( أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي حِذَاءَ وَسَطِ السَّرِيرِ , وَأَنَا مُضْطَجِعَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ , تَكُونُ لِي الْحَاجَةُ فَأَكْرَهُ أَنْ أَقُومَ فَأَسْتَقْبِلَهُ , فَأَنْسَلَّ انْسِلَالًا ) . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ . وَلِأَنَّهُ شِبْهُ السُّجُودِ لِذَلِكَ الشَّخْصِ " انتهى .
وفي لفظ عند أحمد (23633) : ( رُبَّمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ وَأَنَا عَلَى السَّرِيرِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ فَتَكُونُ لِي الْحَاجَةُ فَأَنْسَلُّ مِنْ قِبَلِ رِجْلِ السَّرِيرِ كَرَاهِيَةَ أَنْ أَسْتَقْبِلَهُ بِوَجْهِي ) .
قال ابن رجب رحمه الله :
" وهذا يدل على أنها كانت تعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكره أن يستقبله أحد بوجهه وهو يصلي ، وكان ذلك ليلا ، ولم يكن في البيوت مصابيح ، كما صرحت به عائشة في حديثها الآخر ، فدل على كراهة استقبال المصلي وجه إنسان " انتهى .
"فتح الباري" ـ لابن رجب (2 /689) .
وروى ابن أبي شيبة (2895) بسند حسن عَنْ نَافِعٍ قَالَ : ( كَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا لَمْ يَجِدْ سَبِيلاً إلَى سَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ ، قَالَ لِي : وَلِّنِي ظَهْرَك ) .
وقال ابن بطال رحمه الله :
" ذهبت طائفة من العلماء إلى أن الرجل يستر الرجل إذا صلى ، إلا أن أكثرهم كره أن يستقبله بوجهه " انتهى .
"شرح صحيح البخارى" (2 /139) .
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (24 /178-179) :
" ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ : الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّة وَالْحَنَابِلَةُ ، وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى صِحَّةِ الاِسْتِتَارِ بِالآْدَمِيِّ فِي الصَّلاَةِ ، وَذَلِكَ فِي الْجُمْلَةِ ، لَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي التَّفَاصِيل :
........... وَأَمَّا الصَّلاَةُ إِلَى وَجْهِ الإِْنْسَانِ فَتُكْرَهُ عِنْدَ الْجَمِيعِ" انتهى .
والله أعلم .