الثلاثاء 7 شوّال 1445 - 16 ابريل 2024
العربية

هل المؤمن يرى الملائكة والأنبياء وأبواب السماوات والأفلاك إذا دخل الجنة؟

السؤال

بعد أن ندخل الجنة ـ اللهم اجعلنا من أهلها ـ هل يمكننا الخروج منها، والتجول في السماوات، ورؤية المخلوقات التي لا نعلمها، والملائكة على أشكالها؟ أعلم أن سؤالي غريب، ولكن حقيقة أنا مولع بعلم الفلك، وأعلم أن العلم الآن لا يعلم إلا الشيء اليسير في السماء الدنيا، فيا ترى كيف هي أشكال أبواب السماوات؟ وأين هو عيسى وباقي الأنبياء الآن؟ وما هي العوالم التي لا نعلمها؟ فإن كان لنا كل ما نشتهيه في الجنة، وأعظمها رؤية خالقنا، فهل لنا رؤية مخلوقاته، والتحليق في سماوته، ورؤية الكواكب والمجرات، ورؤية ما لا نعلمه في السماوات، والجلوس مع الملائكة والمخلوقات الأخرى، وصحبتهم ؟

الجواب

الحمد لله.

إذا دخل الإنسان الجنة : فإنه لا يخرج منها، ولن يريد ذلك مهما بقي فيها من الزمن، -وهو مخلد فيها كما هو معلوم- كما قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا (107) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا الكهف/107، 108.

قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره (5/ 203):

" يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ عباده السعداء، وهم الذين آمنوا بالله ورسوله، وصدقوهم فيما جاؤوا بِهِ ، بِأَنَّ لَهُمْ جَنَّاتِ الْفِرْدَوْسِ...

وَقَوْلُهُ: خَالِدِينَ فِيهَا أَيْ: مُقِيمِينَ سَاكِنِينَ فِيهَا، لَا يَظْعَنُونَ عَنْهَا أَبَدًا.

لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلا أَيْ: لَا يَخْتَارُونَ غَيْرَهَا، وَلَا يُحِبُّونَ سِوَاهَا، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:

فَحَّلْت سُوَيدا القَلْب لَا أنَا بَاغيًا ... سِوَاهَا وَلَا عَنْ حُبّها أتَحوّلُ ...

وَفِي قَوْلِهِ: لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلا : تَنْبِيهٌ عَلَى رَغْبَتِهِمْ فِيهَا، وَحُبِّهِمْ لَهَا، مَعَ أَنَّهُ قَدْ يُتَوَهَّمُ فِيمَنْ هُوَ مُقِيمٌ فِي الْمَكَانِ دَائِمًا : أَنَّهُ يَسْأَمُهُ، أَوْ يَمَلُّهُ، فَأَخْبَرَ أَنَّهُمْ مَعَ هَذَا الدَّوَامِ وَالْخُلُودِ السَّرْمَدِيِّ، لَا يَخْتَارُونَ عَنْ مُقَامِهِمْ ذَلِكَ مُتَحَوَّلًا وَلَا انْتِقَالًا، وَلَا ظَعْنًا وَلَا رِحْلَةً وَلَا بَدَلًا " انتهى.

لكن أهل الجنة يعطيهم الله ما يشتهون، كما قال سبحانه: الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ (69) ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ (70) يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ الزخرف/69- 71.

ولهذا من اشتهى الولد، رزق الولد-على قول-، ومن اشتهى الزرع، زرع.

روى الترمذي في سننه (2563) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الْمُؤْمِنُ إِذَا اشْتَهَى الْوَلَدَ فِي الْجَنَّةِ كَانَ حَمْلُهُ وَوَضْعُهُ وَسِنُّهُ فِي سَاعَةٍ ، كَمَا يَشْتَهِي صححه الألباني في "صحيح الجامع" (6649) .

( كَانَ حَمْلُهُ ) أَيْ : حَمْلُ الْوَلَدِ ( وَوَضْعُهُ وَسِنُّهُ ) أَيْ : كَمَالُ سِنِّهِ ، وَهُوَ الثَّلَاثُونَ سَنَةً، ( كَمَا يَشْتَهِي )، مِنْ أَنْ يَكُونَ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ .

وينظر: جواب السؤال رقم :(111777).

وروى البخاري (2348) ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَوْمًا يُحَدِّثُ، وَعِنْدَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ البَادِيَةِ: أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ اسْتَأْذَنَ رَبَّهُ فِي الزَّرْعِ، فَقَالَ لَهُ: أَلَسْتَ فِيمَا شِئْتَ؟ قَالَ: بَلَى، وَلَكِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَزْرَعَ، قَالَ: فَبَذَرَ، فَبَادَرَ الطَّرْفَ نَبَاتُهُ وَاسْتِوَاؤُهُ وَاسْتِحْصَادُهُ، فَكَانَ أَمْثَالَ الجِبَالِ، فَيَقُولُ اللَّهُ: دُونَكَ يَا ابْنَ آدَمَ، فَإِنَّهُ لاَ يُشْبِعُكَ شَيْءٌ !!

فَقَالَ الأَعْرَابِيُّ: وَاللَّهِ لاَ تَجِدُهُ إِلَّا قُرَشِيًّا، أَوْ أَنْصَارِيًّا، فَإِنَّهُمْ أَصْحَابُ زَرْعٍ، وَأَمَّا نَحْنُ فَلَسْنَا بِأَصْحَابِ زَرْعٍ".

فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ!!".

وعلى ذلك؛ فقد يقال: إن من اشتهى أن يرى أبواب السموات أو الملائكة، حصل له ذلك.

وأما الأفلاك والأجرام : فما قيمتها بالنسبة للجنة حتى يفكر الإنسان في رؤيتها؟!

وأما الأنبياء فيرجى للمؤمن أن يرى أنبياء الله تعالى، وأن يكون معهم، كما روى الطبراني في الأوسط (477) عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: " جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَاللَّهِ إِنَّكَ لَأَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي، وَإِنَّكَ لَأَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَهْلِي، وَأَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ وَلَدِي، وَإِنِّي لَأَكُونُ فِي الْبَيْتِ، فَأَذْكُرُكَ فَمَا أَصْبِرُ حَتَّى آتِيَكَ، فَأَنْظُرُ إِلَيْكَ، وَإِذَا ذَكَرْتُ مَوْتِي ومَوْتَكَ عَرَفْتُ أَنَّكَ إِذَا دَخَلْتَ الْجَنَّةَ رُفِعْتَ مَعَ النَّبِيِّينَ، وَإِنِّي إِذَا دَخَلْتُ الْجَنَّةَ خَشِيتُ أَنْ لَا أَرَاكَ؟!

فَلَمْ يُرِدَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى نَزَّلَ جِبْرِيلُ بِهَذِهِ الْآيَةِ: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ [النساء: 69] » الْآيَةَ

وحسنه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (2933).

وبالجملة ؛ فنعيم الجنة عظيم، وفيها ما لا يخطر على قلب بشر، ولا ينبغي للمؤمن أن ينشغل إلا بدخولها، فإذا دخلها فليبشر، فلن يفوته شيء، ولن يتحسر على شيء من النعيم.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب