الثلاثاء 14 شوّال 1445 - 23 ابريل 2024
العربية

هل يقصر ويأكل قبل مغادرته بيته مسافراً ؟

السؤال

لو كنت سأسافر في رحلة لمكان يبعد 100 ميل أو أكثر ، فكم ركعة سنصلي قبل وبعد السفر ؟ أعتقد أنها ركعتان قبل وبعد الرحلة ( أليس كذلك ؟ ).

الجواب

الحمد لله.

أولاً :

لم يأتِ في السنَّة النبوية تحديد لمسافة السفر ، وقد اختلف العلماء في تحديدها اختلافاً كبيراً ، والصحيح : أن مرجع ذلك إلى عرف كل بلد ، فما تعارف الناس على أنه سفر فهو السفر الذي يكون فيه الفطر والقصر ، وهذا القول قد اختاره جماعة من المحققين , منهم ابن قدامة المقدسي وشيخ الإسلام ابن تيمية ، وانظر في هذا أجوبة الأسئلة : (10993) و ( 38079 ) .

ثانياً :

المسافر لا يترخص بأحكام السفر إلا إذا خرج من بلده وجاوزها ، ويظل يترخص بتلك الرخص ما دام مسافراً حتى يرجع إلى بلده .

فلا يجوز له أن يقصر الصلاة إلا أن يتجاوز بنيان بلده أو عامر قريته ، ولا يحل له القصر وهو في بيته أو بلده .

واختلف العلماء في الفطر ، فجوَّز بعضهم له الفطر إذا عزم على السفر عزماً مؤكداً وجهز راحلته ، ومنع منه الجمهور فلم يجوزوا الفطر إلا حيث جاز له القصر وهو مجاوزة البنيان ، وهذا القول هو الأقوى والأحوط .

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

" هل يشترط أن يفارق قريته إذا عزم على السفر وارتحل ، فهل له أن يفطر ؟

الجواب : في هذا أيضاً قولان عن السلف .

ذهب بعض أهل العلم إلى جواز الفطر إذا تأهب للسفر ولم يبق عليه إلا أن يركب ، وذكروا ذلك عن أنس رضي الله عنه أنه كان يفعله ، وإذا تأملت الآية – أي : قوله تعالى ( وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَر ) - وجدتَ أنه لا يصح هذا ؛ لأنه إلى الآن لم يكن على سفر ، فهو الآن مقيم وحاضر .

وعليه : فلا يجوز له أن يفطر إلا إذا غادر بيوت القرية . . .

أما قبل الخروج : فلا ؛ لأنه لم يتحقق السفر .

فالصحيح : أنه لا يفطر حتى يفارق القرية ، ولذلك لا يجوز أن يقصر الصلاة حتى يخرج من البلد ، فكذلك لا يجوز أن يفطر حتى يخرج من البلد " انتهى .

" الشرح الممتع " ( 6 / 346 ) .

وعليه : فلا يجوز لمن عزم على السفر أن يقصر في بيته ؛ لأن القصر من أحكام السفر ورخصه ، وهو في بيته ليس مسافراً ، وهذا قول جمهور العلماء ، وفي المسألة أقوال شاذة مثل قول من قال بجواز القصر وهو في بيته ، وقول من قال إنه لا يقصر إذا سافر في النهار إلا أن يدخل الليل ، وقول ثالث وهو أنه يجوز له القصر إذا جاوز حيطان داره .

قال النووي رحمه الله :

" مذهبنا أنه إذا فارق بنيان البلد قصر , ولا يقصر قبل مفارقتها وإن فارق منزله وبهذا قال مالك وأبو حنيفة وأحمد وجماهير العلماء , وحكى ابن المنذر عن الحارث بن أبي ربيعة أنه أراد سفرا فصلى بهم ركعتين في منزله , وفيهم الأسود بن يزيد وغير واحد من أصحاب ابن مسعود , قال : وروينا معناه عن عطاء وسليمان بن موسى ، قال : وقال مجاهد : لا يقصر المسافر نهارا حتى يدخل الليل , قال ابن المنذر : لا نعلم أحدا وافقه ، وحكى القاضي أبو الطيب وغيره عن مجاهد أنه قال : إن خرج بالنهار لم يقصر حتى يدخل الليل , وإن خرج بالليل لم يقصر حتى يدخل النهار , وعن عطاء أنه قال : إذا جاوز حيطان داره فله القصر , فهذان المذهبان فاسدان , فمذهب مجاهد منابذ للأحاديث الصحيحة في قصر النبي صلى الله عليه وسلم بذي الحليفة حين خرج من المدينة , ومذهب عطاء وموافقيه منابذ لاسم السفر " انتهى .

"المجموع" ( 4 / 228 ) .

ويجوز للمسافر الجمع بين الصلاتين قبل السفر إذا كان سيشق عليه أداء الصلاة الثانية وهو في طريق سفره ، أما القصر فلا .

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

" وليس للقصر أو الإقامة مدة معينة على القول الصحيح ما دمتم عازمين على الرجوع إلى أوطانكم , أما إن نويتم الإقامة المطلقة : فقد انقطع حكم السفر في حقكم .

وتبدأ أحكام السفر إذا فارق المسافر وطنه وخرج من عامر قريته أو مدينته ، ولا يحل لكم أن تجمعوا بين الصلاتين حتى تغادروا البلد إلا أن تخافوا أن لا يتيسر لكم صلاة الثانية أثناء سفركم " انتهى .

" مجموع فتاوى ابن عثيمين " ( 15 / 346 ) .

وقال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله :

" وإذا دخل وقت الظهر وأنت لم تبدأ السفر : فإنه يجب عليك أن تصلي صلاة الظهر تمامًا من غير قصر ‏.‏

وأما صلاة العصر : فإن كان سفرك ينتهي وقت العصر ؛ فإنك تصلي العصر تامة في وقتها إذا وصلت ، أما إذا كان السفر يستمر من الظهر إلى بعد غروب الشمس بحيث يخرج وقت العصر وأنت في السفر ، ولا يمكنك النزول لما ذكرت من أن صاحب السيارة لا يوافق على التوقف : فلا مانع من الجمع في هذه الحالة ؛ لأن هذه حالة عذر تبيح الجمع ، ولكن مع الإتمام ‏.‏

إذا صليت العصر مع الظهر جمع تقديم وأنت في بيتك ، وتريد السفر بعدها : فإنك تصلي الظهر والعصر تمامًا كل واحدة أربع ركعات ، ولا بأس بالجمع ؛ لأن الجمع يباح في هذه الحالة ، أما القصر : فإنه لم يبدأ وقته ؛ لأن القصر إنما يجوز بعد مفارقة البنيان الذي هو موطن إقامتك " انتهى ‏.‏

" المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " ( 3 / 62 ) .

وقال حفظه الله :

" أحكام السفر تبدأ بالخروج من البلد ، إذا خرج الإنسان من بلد إقامته ؛ بأن فارق عامر البلد ؛ أي‏ :‏ فارق البنيان ؛ فإنها تبدأ أحكام السفر في حقه ؛ من قصر الصلاة والفطر في رمضان وغير ذلك من أحكام السفر ، أما من كان داخل البنيان : فإنه لا تبدأ في حقه أحكام السفر ‏،‏

وإذا وجبت عليه الصلاة وهو في داخل البنيان : فإنه يصليها تمامًا وفي وقتها ؛ كالحاضرين ؛ لأنه لم يبدأ السفر في حقه ، حتى ولو انتقل من حارة إلى حارة في طريقه إلى السفر ؛ فإن هذا لا يعتبر مسافراً ، حتى يخرج من جميع البنيان ومن عامر البلد ‏" انتهى .

" المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " ( 3 / 62 ، 63 ) .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب