الخميس 18 رمضان 1445 - 28 مارس 2024
العربية

حكم تناول المخدرات وهل تأخذ أحكام الخمر ؟

السؤال

زادت مؤخرا ظاهرة تناول المخدرات وخاصة الحشيش ، ظنا من الناس أنها ليست خمرا تخامر العقل .
سؤالي : هل هي فعلا من الخمر ؟ وهل إذا شرب المرء الخمر لا تقبل صلاته أربعين يوما ؟ وبالتالي ما صحة صوم من يشرب الحشيش في رمضان ؟.

الجواب

الحمد لله.

لا شك في تحريم تناول المخدرات ، من الحشيش والأفيون والكوكايين والمورفين وغير ذلك ، لوجوه عديدة ، منها :

1- أنها تغيّب العقل وتخامره ، أي تغطيه ، وما كان كذلك فهو حرام ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( كل مسكر خمر ، وكل مسكر حرام ، ومن شرب الخمر في الدنيا فمات وهو يدمنها لم يتب لم يشربها في الآخرة ) رواه مسلم (2003) .

وروى البخاري (4087) ومسلم (1733) عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ : بَعَثَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا وَمُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ إِلَى الْيَمَنِ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ شَرَابًا يُصْنَعُ بِأَرْضِنَا يُقَالُ لَهُ الْمِزْرُ مِنْ الشَّعِيرِ ، وَشَرَابٌ يُقَالُ لَهُ الْبِتْعُ مِنْ الْعَسَلِ ، فَقَالَ : ( كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ ) .

وروى البخاري (4343) ومسلم (3032) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : سمعت عمر رضي الله عنه على منبر النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( أما بعد ، أيها الناس ، إنه نزل تحريم الخمر وهي من خمسة : من العنب والتمر والعسل والحنطة والشعير ، والخمر ما خامر العقل ) .

ولا شك أن المخدرات تخامر العقل وتغيبه .

قال الحافظ ابن حجر : " واستُدل بمطلق قوله : (كل مسكر حرام) على تحريم ما يسكر ولو لم يكن شرابا ، فيدخل في ذلك الحشيشة وغيرها ، وقد جزم النووي وغيره بأنها مسكرة ، وجزم آخرون بأنها مخدرة ، وهو مكابرة ؛ لأنها تحدث بالمشاهدة ما يحدث الخمر من الطرب والنشوة ، والمداومة عليها والانهماك فيها .

وعلى تقدير تسليم أنها ليست بمسكرة فقد ثبت في أبي داود (النهي عن كل مسكر ومفتّر) والله أعلم " انتهى من "فتح الباري" (10/45) .

قَالَ الْخَطَّابِيُّ : الْمُفْتِر كُلّ شَرَاب يُورِث الْفُتُور وَالرَّخْوَة فِي الأَعْضَاء وَالْخَدَرَ فِي الأَطْرَاف وَهُوَ مُقَدِّمَة السُّكْر , وَنَهَى عَنْ شُرْبه لِئَلا يَكُون ذَرِيعَة إِلَى السُّكْر .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " وكل ما يغيب العقل فإنه حرام وإن لم تحصل به نشوة ولا طرب ، فإن تغييب العقل حرام بإجماع المسلمين . وأما تعاطي البنج الذي لم يسكر ، ولم يغيب العقل ففيه التعزير.

وأما المحققون من الفقهاء فعلموا أنها (أي الحشيشة) مسكرة ، وإنما يتناولها الفجار ، لما فيها من النشوة والطرب ، فهي تجامع الشراب المسكر في ذلك ، والخمر توجب الحركة والخصومة ، وهذه توجب الفتور واللذة ، وفيها مع ذلك من فساد المزاج والعقل ، وفتح باب الشهوة ، وما توجبه من الدياثة : مما يجعلها من شر الشراب المسكر ، وإنما حدثت في الناس بحدوث التتار .

وعلى تناول القليل منها والكثير حد الشرب : ثمانون سوطا ، أو أربعون . إذا كان مسلما يعتقد تحريم المسكر " انتهى من "الفتاوى الكبرى" (3/423) .

وقال في "السياسة الشرعية" (ص92) : " والحشيشة المصنوعة من ورق القِنَّب حرام أيضا يُجلد صاحبها كما يجلد شارب الخمر، وهي أخبث من الخمر من جهة أنها تفسد العقل والمزاج ، حتى يصير في الرجل تخنث ودياثة وغير ذلك من الفساد . والخمر أخبث من جهة أنها تفضي إلى المخاصمة والمقاتلة ، وكلاهما يصد عن ذكر الله تعالى وعن الصلاة . وقد توقف بعض الفقهاء المتأخرين في حدها ورأى أن آكلها يعزر بما دون الحد ، حيث ظنها تغير العقل من غير طربٍ بمنزلة البنج . ولم نجد للعلماء المتقدمين فيها كلاما ، وليس كذلك بل آكلوها ينشَون عنها ويشتهونها كشراب الخمر وأكثر ، وتصدهم عن ذكر الله وعن الصلاة إذا أكثروا منها ، مع ما فيها من المفاسد الأخرى من الدياثة والتخنث وفساد المزاج والعقل وغير ذلك . ولكن لما كانت جامدة مطعومة ليست شرابا تنازع الفقهاء في نجاستها على ثلاثة أقوال في مذهب أحمد وغيره ، فقيل : هي نجسة كالخمر المشروبة ، وهذا هو الاعتبار الصحيح ، وقيل : لا ؛ لجمودها . وقيل : يفرق بين جامدها ومائعها .

وبكل حال فهي داخلة فيما حرمه الله ورسوله من الخمر والمسكر لفظا أو معنى . قال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه : يا رسول الله أفتنا في شرابين كنا نصنعهما باليمن : البتع وهو من العسل ينبذ حتى يشتد ، والمِزر وهو من الذرة والشعير حتى يشتد قال : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أعطي جوامع الكلم بخواتيمه فقال : ( كل مسكر حرام ) متفق عليه في الصحيحين " انتهى .

وقال أيضا : " فكيف المصر على أكل الحشيشة ، لا سيما إن كان مستحلا للمسكر منها ، كما عليه طائفة من الناس ، فإن مثل هذا ينبغي أن يستتاب ، فإن تاب وإلا قتل ، إذ السكر منها حرام بالإجماع ، واستحلال ذلك كفر بلا نزاع " انتهى "الفتاوى الكبرى" (2/309) .

2- أن فيها من الأضرار العظيمة ما قد يكون أعظم من الضرر الحاصل بشرب الخمر ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا ضرر ولا ضرار ) رواه أحمد وابن ماجه (2341) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه .

" ففيها ضرر بالشخص ذاته ، وبأسرته وأولاده ، وبمجتمعه وأمته .

أما الضرر الشخصي : فهو التأثير الفادح في الجسد والعقل معا ؛ لما في المسكر والمخدر من تخريب وتدمير الصحة والأعصاب والعقل والفكر ومختلف أعضاء جهاز الهضم وغير ذلك من المضار والمفاسد التي تفتك بالبدن كله ، بل وبالاعتبار الآدمي والكرامة الإنسانية ، حيث تهتز شخصية الإنسان ، ويصبح موضع الهزء والسخرية ، وفريسة الأمراض المتعددة .

وأما الضرر العائلي : فهو ما يلحق بالزوجة والأولاد من إساءات ، فينقلب البيت جحيما لا يطاق من جراء التوترات العصبية والهيجان والسب والشتم وترداد عبارات الطلاق والحرام ، والتكسير والإرباك ، وإهمال الزوجة والتقصير في الإنفاق على المنزل ، وقد تؤدي المسكرات والمخدرات إلى إنجاب أولاد معاقين متخلفين عقليا . . .

وأما الضرر العام : فهو واضح في إتلاف أموال طائلة من غير مردود نفعي ، وفي تعطيل المصالح والأعمال ، والتقصير في أداء الواجبات ، والإخلال بالأمانات العامة ، سواء بمصالح الدولة أو المؤسسات أو المعامل أو الأفراد . هذا فضلا عما يؤدي إليه السكر أو التخدير من ارتكاب الجرائم على الأشخاص والأموال والأعراض ، بل إن ضرر المخدرات أشد من ضرر المسكرات ؛ لأن المخدرات تفسد القيم الخلقية " انتهى من "الفقه الإسلامي وأدلته" للدكتور وهبة الزحيلي (7/5511) .

والحاصل أن هذه المخدرات لا يستريب في حرمتها عاقل ، لدلالة النصوص على تحريمها ، ولما فيها من أضرار بالغة .

وأما العقوبة اللازمة لمتعاطي المخدرات : فهي أن يحد حد الخمر ، كما سبق في كلام شيخ الإسلام عن الحشيشة ، فالمخدرات داخلة فيما حرمه الله ورسوله من الخمر والمسكر لفظا أو معنى .

والواجب على العلماء والدعاة أن يبينوا للناس تحريم هذه المخدرات ، والمضار العظيمة المترتبة عليها .

وأما سؤالك عن شارب الخمر وما جاء في عدم قبول صلاته أربعين يوما ، وعن حكم صيامه ، فقد سبق بيانه في جواب السؤال رقم (20037) و (27143 ) .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب