الجمعة 17 شوّال 1445 - 26 ابريل 2024
العربية

نذر صوم يوم عقب المعصية، فهل له أجر صيام يوم في سبيل الله ؟

319145

تاريخ النشر : 12-04-2020

المشاهدات : 4043

السؤال

عاهدت الله إن فعلت ذنب كذا أن أصوم يوما في غير الاثنين والخميس، فهل آخذ أجر صيام يوم في سبيل الله تعالى ؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

إلزام النفس بطاعة معينة، لمنعها عن الوقوع في الذنب : أمر معروف في السلف، وقد نقل عن بعضهم أشياء من ذلك.

وينظر جواب السؤال رقم : (45889)، ورقم: (72868).

وأما الاستكثار من الحسنات، بعد فعل السيئات، لترجح كفة العمل الصالح، وتمحو آثار الذنب، فهذا أمر مقرر معروف في أصول الشرع ونصوصه الكثيرة. قال الله تعالى:   وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ  هود/114 .

وعن أبي ذر رضي الله عنه قال : " قال لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :  اتَّقِ اللَّهِ حَيْثُمَا كُنْتَ ، وَأَتْبِعْ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا...  رواه الترمذي (1987) وحسنه الألباني في "سنن الترمذي" .

وينظر جواب السؤال رقم: (146238)، ورقم: (21982).

ثانيا:

إن كان قصدك بأخذ أجر صيام يوم في سبيل الله: مطلق الأجر، فالوفاء بالنذر يؤجر عليه المسلم، لأن الله تعالى رتب عليه الجزاء بالجنة؛ حيث قال سبحانه وتعالى:   إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا * عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا * يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا  الإنسان /5 – 7.

ولأن الصيام فعل خير؛ والله وعد أن لا يضيع أجر عامل ولو كان مثقال ذرة، قال الله تعالى:   إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا   الكهف/30.

كما أن فعل الطاعة عقب المعصية أمر محمود.

قال الله تعالى:  وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ   هود/114.

وعن أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:   اتَّقِ اللَّهِ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ  رواه الترمذي (1987) وقال: " هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ".

ثانيا:

وأما إن كان قصدك بـ "أجر صيام يوم في سبيل الله": ما ورد في حديث أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:   مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، بَعَّدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا   رواه البخاري (2840)، ومسلم (1153).

فيقال في ذلك:

إن جملة: (فِي سَبِيلِ اللَّهِ)، تحتمل أحد معنيين:

المعنى الأول: بمعنى الجهاد وما يتبعه من رباط؛ وهو معنى مشهور في عرف الشرع، كما في آية مصارف الزكاة.

قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى:

" إذا أطلق ذكر "سبيل الله" كان المشار به إلى الجهاد " انتهى من "كشف المشكل" (3 / 153).

وقال ابن دقيق العيد رحمه الله تعالى:

" قوله: (فِي سَبِيلِ اللَّهِ)، العرف الأكثر فيه: استعماله في الجهاد، فإذا حمل عليه: كانت الفضيلة لاجتماع العبادتين - أعني عبادة الصوم والجهاد " انتهى من "إحكام الأحكام" (2 / 37).

وقال ابن الأثير رحمه الله تعالى:

" فالسبيل: في الأصل الطريق، ويذكر ويؤنث، والتأنيث فيها أغلب.

وسبيل الله عام، يقع على كل عمل خالص سلك به طريق التقرب إلى الله تعالى، بأداء الفرائض والنوافل وأنواع التطوعات.

وإذا أطلق: فهو في الغالب واقع على الجهاد، حتى صار لكثرة الاستعمال كأنه مقصور عليه " انتهى من "النهاية" (2 / 338 - 339).

والمعنى الثاني: أن يكون المعنى : مخلصا لله تعالى فيه، سواء كان في جهاد أو لا.

قال القرطبي رحمه الله تعالى:

" وقوله : ( مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ )؛ أي: في طاعة الله؛ يعني بذلك: قاصدًا به وجه الله تعالى. وقد قيل فيه: إنه الجهاد في سبيل الله " انتهى من "المفهم" (3 / 217).

فعلى هذا القول: تكون الحكمة من تقييد الصيام بقيد: (فِي سَبِيلِ اللَّهِ)، من باب الحث على إصلاح القصد، كما في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:   مَنْ صَامَ رَمَضَانَ، إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ  رواه البخاري (38)، ومسلم (760).

فالحاصل؛ أن هذا الفضل يدخل فيه قطعا من صام محتسبا حال جهاده؛ وأما سائر صيام الطاعة فمحتمل ، وفضل الله تعالى واسع .

وقد سبق بيان أن العبد إذا فعل الطاعة التي نذرها، فإنه يؤجر على الوفاء بنذره، ويؤجر أيضا على فعل الطاعة التي فعلها، من صلاة أو صيام أو صدقة، أو غير ذلك، والله شكور، يقبل القليل، ويعطي الكثير، بمنه وكرمه، سبحانه.

وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم : (196434).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب