الجمعة 19 رمضان 1445 - 29 مارس 2024
العربية

أصيبت بالشيب المبكر فهل لها أن تصبغ الشيب بالسواد ؟

202884

تاريخ النشر : 31-01-2015

المشاهدات : 69186

السؤال

أنا شابة وأعاني من بياض شديد في الشعر ، وأشعر بضغط شديد أنني لو تزوجت ، فإن زوجي سوف يضحك علي ، وأنني صغيرة على أن يكون في شعري بياض ؛ فهل يجوز لي تلوينه بالسواد ؟ ، لأنني لا أخدع بسن غير سني ، وهل يوجد دعاء للشعر حتى يتوقف عن البياض ؟

الجواب

الحمد لله.

أولا :
جاءت السُنّة آمرة بصبغ الشيب .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال قال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : (‏ إِنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى لاَ يَصْبُغُونَ ، فَخَالِفُوهُمْ ‏)‏ رواه البخاري (5899 ) .
وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : " أُتِيَ بِأَبِي قُحَافَةَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ ، وَرَأْسُهُ وَلِحْيَتُهُ كَالثَّغَامَةِ بَيَاضًا . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : (غَيِّرُوا هَذَا بشيء ، وَاجْتَنِبُوا السَّوَادَ ) "‏رواه مسلم ( 2102 ) .
قال النووي رحمه الله تعالى :
" أما الثَّغَامَة ... قال أبو عبيد : هو نبت أبيض الزهر والثمر ، شبه بياض الشيب به ، وقال ابن الأعرابي: شجرة تبيض كأنها الملح .
وأما أَبُو قُحَافَةَ ... واسمه عثمان ، فهو والد أبي بكر الصديق ، أسلم يوم فتح مكة ".
انتهى من " شرح صحيح مسلم " ( 14 / 79 – 80 ) .
قال ابن قدامة رحمه الله تعالى :
" ويستحبّ خِضاب الشّيب بغير السّواد ، قال أحمد : إنّي لأرى الشّيخ المخضوب فأفرح به . وذَاكَر رجلا ، فقال: لِمَ لا تختضب ؟ فقال: أستحي . قَال: سبحان اللّه ، سنّة رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - ! " انتهى من " المغني " ( 1 / 125 ) ، وينظر : " كفاية الطالب الرباني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني " (4 / 334 ) .
وقال النووي رحمه الله تعالى :
" ومذهبنا – أي الشافعي - استحباب خضاب الشيب للرجل والمرأة بصفرة أو حمرة " .
انتهى من "شرح صحيح مسلم" ( 14 / 80 ) .
وفي " الموسوعة الفقهية الكويتية " ( 2 / 281 ) :
" اتفق الفقهاء على أن تغيير الشيب بالحناء أو نحوه : مستحب للمرأة ، كما هو مستحب للرجل " انتهى.

ثانيا :
يستحب تغيير الشيب بغير اللون الأسود ، أما التغيير بالسواد فأكثر العلماء على النهي عنه ؛ لورد النهي عن ذلك في السُّنة .
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، قَالَ : " أُتِيَ بِأَبِي قُحَافَةَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ ، وَرَأْسُهُ وَلِحْيَتُهُ كَالثَّغَامَةِ بَيَاضًا ،فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : (غَيِّرُوا هَذَا بشيء ، وَاجْتَنِبُوا السَّوَادَ ) رواه مسلم ( 2102 ) .
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَكُونُ قَوْمٌ يَخْضِبُونَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ بِالسَّوَادِ ، كَحَوَاصِلِ الْحَمَامِ ، لَا يَرِيحُونَ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ ) رواه أبو داود (4212 ) ، وصححه الألباني في " صحيح سنن أبي داود " (4212 ) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى :
" وإسناده قوي ، إلا أنه اختلف في رفعه ووقفه ، وعلى تقدير ترجيح وقفه ، فمثله لا يقال بالرأي ، فحكمه الرفع " انتهى من " فتح الباري " ( 6 / 499 ) .
وفي " عون المعبود شرح سنن أبي داود " ( 11 / 266 ) :
" ( يَخْضِبُونَ ) : أي يغيرون الشعر الأبيض من الشيب الواقع في الرأس واللحية ( بِالسَّوَادِ) : أي باللون الأسود ( كَحَوَاصِلِ الْحَمَامِ ) : أي كصدورها فإنها سود غالبا وأصل الحوصلة المعدة والمراد هنا صدره الأسود " انتهى .

 

وقد اختلفوا في الصبغ بالسواد : هل هو مكروه أو محرّم ؟
فأكثر العلماء على أنه مكروه .
ففي " عون المعبود شرح سنن أبي داود " ( 11 / 266 ) :
" قال ميرك : ذهب أكثر العلماء إلى كراهة الخضاب بالسواد " انتهى .
وفي " الموسوعة الفقهية الكويتية " ( 2 / 280 ) :
" اختلف الفقهاء في حكم الاختضاب بالسّواد: فالحنابلة والمالكيّة والحنفيّة - ما عدا أبا يوسف - يقولون: بكراهة الاختضاب بالسّواد في غير الحرب " انتهى .

وذهب جماعة من العلماء إلى تحريم تلوين الشيب بالسّواد ، وممن صرّح بذلك الإمام النووي رحمه الله تعالى .
قال في " المجموع " ( 1 / 345 ) :
" اتّفقوا على ذمّ خِضاب الرّأس أو اللّحية بالسّواد ، ثمّ قال الغَزالي في الإحياء والْبَغَوِيّ في التّهذيب وآخرون من الأصحاب : هو مكروه ، وظاهر عباراتهم أنّه كراهة تنزيه ، والصّحيح ، بل الصّواب : أنّه حرام " انتهى .
وممن ذهب إلى التحريم من المعاصرين ؛ الشيخ ابن باز ، والألباني ، وابن عثيمين رحمهم الله تعالى .
قال الشيخ ابن باز رحمه الله : " لا يجوز للمرأة ولا غيرها تغيير الشيب بالصبغ الأسود ؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: غيروا هذا الشيب ، واجتنبوا السواد خرجه مسلم في صحيحه . أما تغييره بغير السواد فلا بأس ، أو بالحناء والكتم مخلوطين ، فلا بأس إذا خرج اللون ليس بأسود ، بل بين السواد والحمرة " انتهى من "مجموع فتاوى ابن باز" (10/53) .

وسئل أيضا : عن حكم استخدام بعض المعاجين ، لامرأة شعرها أسود ، لكن يوجد من بينه شعيرات بيضاء نبتت ، ليس لكبر في السن .. ؟
فأجاب رحمه الله : " لا حرج في استعمال المعجون المذكور لتنعيم الشعر ، إذا كانت المرأة المستعملة لذلك ليس فيها شيب، أما مع الشيب فلا يجوز استعمال ما يجعل الشيب أسود .." .

بل إنّ الشيخ ابن عثيمين أشار إلى أنّ الصبغ بالسواد من كبائر الذنوب .
قال رحمه الله تعالى :
" فإن الرسول عليه الصلاة والسلام أمر بتغيير الشيب ، وأمر بتجنيبه السواد ، وتوعد من يخضبون لحاهم بالسواد بأنهم لا يريحون رائحة الجنة ، وهذا يدل على أن الصبغ بالسواد من كبائر الذنوب ، فعلى المرء أن يتقي الله عز وجل ، وأن يتجنب ما نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم ، ليكون ممن أطاع الله ورسوله ، وقد قال تعالى: ( وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ) . وقال: ( وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا ) . ولا فرق بين الرجال والنساء في هذا الحكم فهو عام " انتهى من " مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين " (11/121) .
وقد سبقه إلى نحو من هذا : ابن حجر الهيتمي في كتابه " الزواجر عن اقتراف الكبائر " ( 1/ 165 ) حيث قال :
" ( الكبيرة الحادية عشرة بعد المائة خضب نحو اللّحية بالسّواد لغير غرض نحو جهاد ) .
أخرج أبو داود والنّسائيّ وابن حبّان في صحيحه والحاكم وقال صحيح الإسناد ، وزعم ضعفه ليس في محلّه ، عن ابن عبّاس رضي اللّه عنهما قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم : ( يكون قوم يخضّبون في آخر الزّمان بالسّواد كحواصل الحمام لا يريحون رائحة الجنّة ) .
تنبيه : عدّ هذا من الكبائر هو ظاهر ما في هذا الحديث الصّحيح من هذا الوعيد الشّديد ، وإن لم أر من عدّه منها " انتهى.

وينبغي أن ننتبه إلى أنه حتى على القول بالكراهة ، عند من يقول به من أهل العلم ، فإن ذلك خاص بالحالة التي لا يقصد فيها من التلوين بالأسود : التدليس والغش ، أما إذا كان المقصود من التلوين بالأسود التدليس والغش ، فقد نصوا على تحريم ذلك .
في " حاشية العدوي " في الفقه المالكي ( 4 / 333 ) :
" ( أما في البيع فيحرم ) أي : لأنه تدليس ... كما لو باع عبدا وسوّد لحيته للونها الأبيض ، وكذا مريد نكاح امرأة فيصبغ شعر لحيته الأبيض .
والحاصل : كما يفيده زروق عن بعضهم : أنه إذا كان للتغرير : حَرُم ... " انتهى.
وفي كتاب " مطالب أولي النهى " من كتب المذهب الحنبلي ( 1 / 89 ) : " وكره ( تغييره ) أي : الشيب ( بسواد ) في غير حرب ، ( وحرُم ) لتدليس " انتهى .

ومصلحة تغيير اللون الأبيض ، أو التزيين للزوج ، التي يراد تحصيلها من اللون الأسود ، يمكن تحصيلها بالصبغ بغير ذلك من الألوان المتاحة ، والمسموح بها ، وهي كثيرة ، ملائمة .

ومما سبق يتبين أن الخاطب ينبغي أن يقف على حقيقة الأمر ، من قبل الزواج ، بعدا عن غشه والتدليس عليه ، حتى يدخل على بينة ؛ ومثل هذه الأمور لا تخفى عادة ، فإذا اطلع عليها الزوج بعد ذلك ، فسوف تتضاعف آثارها السلبية ، وربما أدت إلى النفرة ، ووقوع الفرقة بين الزوجين .

ثالثا :
لا نعلم دعاء خاصا بوقف ظهور الشيب ، لكن بإمكانك أن تدعي الله عز وجل بما شئت من خير الدنيا والآخرة ، ومنه ما تسألين عنه ؛ فعن جابر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( مَا مِنْ أَحَدٍ يَدْعُو بِدُعَاءٍ إِلاَّ آتَاهُ اللَّهُ مَا سَأَلَ أَوْ كَفَّ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهُ ، مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ ) الترمذي ( 3381 )، وحسنه الألباني في " صحيح الترمذي " (3381 ) .
مع أنه يشرع لك أيضا أن تعرضي نفسك على طبيب أخصائي ، فربما كان هناك خلل في الهرمونات ، يسبب ذلك ، ويمكن علاجه ، أو التحكم فيه طبيا .

رابعا :
وأما عن معاناتك ، وتألمك بسبب ذلك ؛ فالواجب على العبد المؤمن أن يصبر على قدر الله وقضائه له ، ويعلم أن ما أصاب المؤمن فهو خير له ، وأنه لا أشرح للصدر ، ولا أنفع للعبد من الرضا بقضاء الله وقدره ، ثم اعلمي أنك لست الوحيدة التي شاب شعرها مبكرا فمثلك كثيرات ، بل انظري إلى من حولك من الصغار والكبار الذين ابتلوا بمرض مزمن ، أو حادث ، أو نحو ذلك من البلايا التي شغلتهم عن أمر عيشهم ؛ فاحمدي الله على العافية ، واسأليه من فضله .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب